Ku Wajahan Falsafad Sayniska
نحو فلسفة علمية
Noocyada
وموقفنا نحن الوضعيين المنطقيين هو أن لا تنافر بين هاتين الإجابتين الأخيرتين؛ فالمجموعتان اللفظيتان وإن اختلفتا في التفصيلات إلا أنهما تعنيان واقعة واحدة معينة لا سبيل إلى الاختلاف عليها. ولتوضيح ذلك، افرض أن شخصين رأيا طائرا، فقال عنه أحدهما إنه حمامة، وقال الآخر بل هو يمامة، فها هنا قد يراجع أحدهما الآخر في نوع المعطيات الحسية التي أعطيها كل منهما، فيقول الواحد للآخر: هل ما تري هو بقعة لونية من النوع الفلاني؟ فيجيبه هذا بالإيجاب، فيسأل من جديد: وهل المنقار الذي تراه لونه كذا وشكله كيت؟! فيجيبه بالإيجاب أيضا، وهكذا حتى يتفقا على كل تفصيلات الواقعة المدركة، فيقول أحدهما: ولكن هذا هو ما أسميه حمامة. ويقول الآخر: ولكني أسميه يمامة. فهل يكون الاختلاف بينهما أكثر من اختلاف على التسمية دون الشيء المسمى؟ وهكذا يكون الأمر بين من يقول إن ما أدركه من هذا القلم معطياته الحسية، وهذه المعطيات هي كل ما هنالك، وبين من يقول إن ما أدركه من هذا القلم هو معطياته الحسية، لكن هنالك قلما هو الذي يعطي هذه المعطيات، لا اختلاف بين هذين الشخصين إلا في الكلمات التي يستخدمها كل منهما في الوصف دون أن يكون هذا الاختلاف اللفظي ذا أثر على اتفاقهما من حيث الحقيقة المدركة؛ فكل منهما يستطيع أن يبني سلوكه على إدراكه بحيث لا يجد أحدهما في إدراكه ما يقتضي سلوكا يختلف عما يجد الآخر في إدراكه.
وإذن فلو قيل لنا: ما معنى العبارة القائلة: «هذا القلم أسود»؟ كان جوابنا أن معناها هو حصيلة المضمونات الحسية التي تدل عليها ألفاظها، ولكن كل مضمون حسي - كاللون الأسود - تقابله مجموعة من الحوادث الخارجية، هي في هذه الحالة موجات ضوئية ذوات طول معين؛ وإذن فمعنى العبارة السالفة ذو جناحين؛ جناح هو المضمون الحسي كما يختص به كل فرد مدرك له، وجناح آخر هو الحوادث التي تقابل ذلك المضمون الحسي كالموجات الضوئية التي يمكن لأطوالها أن تقاس؛ فإذا قلنا عن هذه الحوادث الخارجية المصاحبة لإدراكنا الحسي إنها الإطار الذي مضمونه وفحواه هو ذلك الإدراك، كان للعبارة السالفة من حيث معناها جانبان؛ إطار ومضمون. ولما كان الإطار هيكلا من علاقات، ولما كانت العلاقات أبعادا - مكانية أو زمانية - يمكن قياسها قياسا كميا، كان هو المعنى العلمي للعبارة.
4
ومهما يكن من أمر، فكل عبارة نقولها لنقرر بها شيئا مما يقع في العالم - خارج الحاضرات الذهنية التي تكون راهنة في التيار الوجداني لذواتنا الشاعرة - فهي عبارة «نقفز» بها مما ندركه في ذواتنا إدراكا مباشرا إلى ما لسنا ندركه إلا بطريق غير مباشر؛ أعني أن مثل هذه العبارة لا يكون نتيجة استنباطية لازمة بالضرورة عن عبارة أخرى نعبر فيها عن خبراتنا الذاتية؛ فإذا رأيت لونا أسود، وقلت تعبيرا عن هذا الذي تنطبع به حاستي الذاتية «أرى لونا أسود»، فمن هذه العبارة وحدها لا أستطيع أن أستنبط استنباطا قياسيا ضروريا يقينيا بأن ثمة موجات ضوئية طول الواحدة منها كذا وهي التي سببت إدراكي للون الأسود، لا أستطيع ذلك؛ لأن الموجة الضوئية ذات الطول المعين شيء، وإدراكي للون الأسود شيء آخر ... ومعنى ذلك كله هو أن كل عبارة «أقفز» بها مما أدركه بذاتي إلى ما لست أدركه مباشرة، هي صواب على سبيل الاحتمال لا على سبيل اليقين، ويبقى بعد ذلك أن نعلم درجة احتمالها، حتى إذا ما كانت عالية الدرجة الاحتمالية، عددناها صوابا؛ مما يمكن أن نرتب عليه سلوكا نرجح له أن يبلغ بنا في الدنيا العملية ما نريد أن نبلغه.
ومما يتصل بهذا الموضوع نفسه تلك المشكلة التي ما ينفك الفلاسفة في العصر الحديث كله يثيرونها، وهي ما يسمونه بمشكلة الاستقراء، ويريدون بها البحث في المبررات التي تجيز للعالم الطبيعي أن يستدل قانونا عاما ينصرف إلى المستقبل، مع أن علمه كله منحصر في أمثلة جزئية شاهدها في الماضي، فكيف يجوز له أن يقفز من المحدود إلى المطلق؟ إذا كان الذي قد شاهده هو حالات جزئية هي «س
1
هي ص
1 »، و«س
2
هي ص
Bog aan la aqoon