Nahu Thaqafa Islamiyya Asila
نحو ثقافة إسلامية أصيلة
Daabacaha
دار النفائس للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الرابعة
Sanadka Daabacaadda
١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م
Goobta Daabacaadda
عمان - الأردن
Noocyada
نحو ثقافة إسلامية أصيلة
تأليف
الدكتور عمر سليمان الأشقر
Bog aan la aqoon
الطبعة الرابعة
١٤١٤ هـ - ١٩٩٤ م
حقوق الطبع محفوظة
دار النفائس للنشر والتوزيع
الأردن - عمان - العبدلي - مقابل جوهرة القدس
هاتف: ٦٩٣٩٤٠ - فاكس: ٦٩٣٩٤١ - ص. ب: ٢١١٥١١
إن دار النفائس للنشر والتوزيع - الأردن هي صاحبة الحق وحدها في طباعة مؤلفات الدكتور عمر سليمان الأشقر ولا صحة لما تزعمه بعض دور النشر من حصولها على إذن من المؤلف بطباعة مؤلفاته، وعليه فلا يجوز لأي جهة أن تطبع أو تترجم أو تصور كتب المؤلف المذكور أو جزءًا منها، وسوف نقوم بالإجراءات القانونية المتبعة للحفاظ على حقوقنا
1 / 4
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)﴾
[الجمعة: ١ - ٤]
«لقد وجدت في الإسلام نظامًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأخلاقيًّا يصلح لإخراج البشرية من ورطتها الحاضرة»
روجيه جارودي
1 / 5
بين يدي الكتاب
الحمد لله واهب النعم، رافع النقم، العزيز الوهاب، الذي لا يَعِزُّ من عصاه، ولا يضل من اتبع هداه، الذي جعل الرفعة والكرامة لمن سلك سبيله، والتزم شريعته، واقتدى برسوله المصطفى المختار، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، الذي جاءنا بالهدى والنور، فما زال بالبشرية حتى أقامها على المحجة البيضاء، وخلصها من سبل الغواية، وطرق الضلالة، وأوصلها إلى الشاطئ الآمن، والرياض الفيحاء، وعلى آله وصحبه الأخيار الأبرار الذين رضوا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ رسولا، وجاهدوا في الله حق جهاده، وعلى تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فالدين الإسلامي المنزل من عند الله منهج حياة كامل واف، وهذا الدين يمثل الأصالة في حياة الأمة المسلمة، بل في حياة البشرية جميعًا، والانحراف عن هذا المنهج ونبذه يعدُّ جمودًا وتأخرًا ورجعية، وقد خسر العالم كثيرًا عندما انحط المسلمون حملة هذا الدين، خسر العَالم الروح الدافقة، والنور الهادي، والقيم والموازين، وقد حاول الغرب جاهدًا أن يذيب المسلمين في بوتقة ثقافته وحضارته، وأن يبعد المسلمين عن دينهم وشريعتهم، وأن يبث فيهم عقائده وأفكاره ونظرياته، وأن يحول قبلتهم إلى لندن وباريس وواشنطن وموسكو، وأن يرفع من شأن الذين تأثروا بفكره ومبادئه، حتى يكونوا رجال الفكر والأدب،
1 / 7
وعلماء الاقتصاد والسياسة، والمنظِّرون والمفكرون، وصبغ مناهج التعليم عندنا بالنظرة المادية، وسلب من مناهجنا ومحعبنا محتواها الإسلامي، وجاء بالمسرح والتلفاز والسيما وصبغها بالصبغة المعادية للإسلام، فأقام في ديارنا صروحًا تهزأ بالإسلام، وتسخر منه، وتغرضه بصورة منفرة، وجاء بأقوام سلمهم قيادنا" جعلوا كل همهم فصل الدين عن الحياة، وتطبيق القوانين التي تضاد الإسلام وتنابذه العداء، لقد اهتزت ثقافتنا الإسلامية بعنف ورياح الغرب العاتية تحاول أن تجتث أصولها، وتعرضت الشخصية الإسلامية للمسخ والذوبان بسبب الموثرات الهائلة التي صبت عليها من الغرب صبًا، ولقد صدق المفكر المسلم روجيه جارودي الذي اعتنق الإسلام بعد عمر طويل من الضياع عندما قال: "إن الحضارة الغربية ارتكبت أعظم جرم عرفه التاريخ بحق ثقافات العالم وشعوبه، لتبني لنفسها حضارة سلطوية شرسة تتجه اتجاهًا كارثيًا مخيفًا ربما يؤدي في النهاية إلى الدمار".
ولقد شاهدنا في فترة من هذا القرن ردة عنيفة عن الإسلام، وقد هالت تلك الردة المفكر المسلم أبا الحسن الندوي فإذا به يصرخ من أعماق قلبه: ردة ولا أبا بكر لها، لقد وُجِدَ لتلك الردة التي حاولت أن تجتث الإسلام في عصره الأول رجال في طليعتهم الصديق، ولكنها لم تجد في وقتنا حاكمًا من حكام المسلمين يواجه تلك الردة.
وضرب المسلمون في بيداء الفكر الإنساني، فجاؤوا بأفكار الشرق والغرب، وأصبح العالم الإسلامي بحرًا لجيًّا هادرًا يموج بالأفكار والنظريات. وانقسم عالمنا الإسلامي إلى فرق وأحزاب ودول وتكتلات فيها كل شيء إلا الإسلام، ونُبذ دعاة الإسلام نبذ النواة، وأقيمت لدعاة الإسلام في ديار الإسلام أعراس حمر
1 / 8
قطعت فيها رؤوسهم، وانتهكت حرماتهم، وصودرت أموالهم، وألصقت بهم كل تهم الخيانة والفساد، وتكشّف ليل الأمة الإسلامية عن بلاء رهيب ضاعت فيه المقدسات، وأقيمت فيه لأعداء الإسلام في مسرى الرسول ﷺ دولة، وصال أعداؤنا وجالوا في ديارنا وقهروا دولنا وجيوشنا وأذاقونا البلاء أشكالًا وألوانًا، وأفاقت الأمة على واقع مرير، ونظرت إلى الزعامات والرئاسات والنظريات والفلسفات التي كانت تمنيها بالعزة والكرامة والحياة الطيبة ...، فإذا بذلك كله سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده، وبلغت المأساة قمتها عندما أثارها الصليبيون واليهود في لبنان فتنة راح ضحيتها رجالنا ونساؤنا وأطفالنا ونحن ساكتون سكوت الموت، وأثارها الشيوعيون علينا حربًا شعواء في أفغانستان، وما أخبار ما يفعله الصليبيون في الحبشة والفلبين بسر.
لقد أفاقت الأمة الإسلامية وخيول الصليبيين واليهود والشيوعيين تدق معاقل الإسلام في شرقه وغربه، وتلفتت إلى الدول المتمدنة والمتحضرة التي أقامت هيئة الأمم ومجلس الأمن تطلب نصرًا، وتريد عدلًا، وتطمع في الخلاص، فكان حالها كحال المستجير من الرمضاء بالنار.
لقد اقتنع كثير من المسلمين اليوم أن الإسلام هو الملاذ الوحيد لهذه الأمة التي اجتمع عليها أعداؤها وأحاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم، والأكلة بالقصعة، فعادت الأصوات ترتفع من هنا وهناك معلنة التوبة عن ماض شائن، وأفكار عفنة، وعمالة منتنة، عادت الوجهة إلى الإسلام وكعبة الإسلام ورب الإسلام، وأسلمت الجموع قيادها لربها، ورضيت به إلها وبدينه منهجًا، وبرسوله مرشدًا وموجهًا، وأخذت الأصوات تتعالى هنا وهناك، مطالبة برفع راية الجهاد، وتحكيم شرع الله، والالتزام بأخلاق الإسلام، ومنابذة الكفرة العداء، ومن جملة
1 / 9
ذلك العودة إلى العلوم الصافية الأصيلة، وإصلاح الفاسد من مناهج التعليم، ونبذ الدخن الذي خالط العلوم والكتب والمناهج.
لقد طالب رجال الفكر بأسلمة مناهج التعليم، وجعل الإسلام محور المناهج والدراسات، وعَرْض الإسلام لأبناء الإسلام عرضًا غضًا طريًّا، وطالب الأخيار بأن يزود الطلبة في الجامعات بقسط من الثقافة الإسلامية يمثل الحدَّ الأدنى من المعرفة التي ينبغي أن يحيط بها كل طالب. وقد وجدنا الطلبة في جميع الجامعات يقبلون على دراسة الثقافة الإسلامية إقبالًا منقطع النظير، وألفت في الثقافة مؤلفات كثيرة بين مطول ومختصر، ويأتي هذا الكتاب في الثقافة الإسلامية ليضم إلى الجهود التي سبقت في هذا المجال، ولم يأت هذا الكتاب من فراغ، فهو حصيلة لمطالعات كثيرة، ودراسات متواصلة في علوم مختلفة، انتهت إلى هذه الخلاصة في مجال الثقافة الإسلامية، وقد قمت بتدريس الثقافة في المعاهد التابعة لوزارة التربية وفي جامعة الكويت عده سنوات، وكانت مباحث هذا الكتاب محور المحاضرات والدروس.
وهذا الكتاب يقع في مقدمة وسبعة أبواب، وقد حاولت أن أضع في المقدمة تصورًا وافيًا للثقافة الإسلامية، فقد حددَّت مفهومها وأصولها وموضوعها وأهم معالمها ومراجعها وبينت خصائصها، وألقيت الضوء على الثقافة الغربية التي تزاحم الثقافة الإسلامية في ديار الإسلام، ورصدت الانحراف الذي طرأ على الثقافة الإسلامية الأصيلة.
وختمت هذه المقدمة ببيان عناوين الدين الإسلامي ومراتبة وعلومه، والعلوم الرئيسة التي تدور في فلك الشريعة الإسلامية ثلاثة، هي العقيدة والأخلاق والفقه، وقد تعرضت لبيان كل علم من هذه العلوم وأعطيت فكرة واضحة عنه
1 / 10
وعرضت لأهم مباحثه، وحددت أهم المراجع التي يرجع إليها في كل علم من هذه العلوم.
ففي الباب الأول الخاص بالعقيدة بينت أهمية العقيدة، كما أوضحت المناهج التي سلكها العلماء من قبل في إثبات العقائد، وأشدت بالمنهج القرآني النبوي، وحذرت من المنهج الذي يزاحمه ويعارضه وهو المنهج الفلسفي الكلامي، وبينت أمورا في غاية الأهمية في باب العقائد، ثم تناولت كل أصل من أصول الاعتقاد بشيء من التفصيل، وركزت على الأصل الأول، وهو العقيدة في الله، لأنه أصل الأصول، والركيزة التي يقوم عليها الإيمان والإسلام، وتعرضت تعرضًا سريعًا لنفي بعض الشبه التي يوردها الملحدون، بعد أن ذكرت براهين وجود الله، وفي ختام هذا الباب تحدثت عن أثر الإيمان في الأفراد والجماعات.
وعقدت الباب الثاني للآداب الشرعية ومكارم الأخلاق، فعرفت كلًّا منهما، وعرضت لجملة من الآداب الشرعية والأخلاق الإسلامية.
وعرفت في الباب الثالث الفقه الإسلامي، وألقيت نظرة عجلى على أقسام موضوعاته، وفرقت بينه وبين الشريعة الإسلامية، وألمحت إلى مساره عبر القرون، ثم تحدثت عن الأسس التي قامت عليها الشريعة الإسلامية، وختمت بحثي في هذا الموضوع بتعريف موجز لكل أصل من الأصول التي قام عليها الفقه الإسلامي.
والأبواب الأربعة التالية عرضت فيها لعلوم انفصلت عن الفقه الإسلامي ولا غنى للمسلم عن أخذ فكرة وافية عنها.
ففي الباب الرابع عرضت للأسرة في الإسلام مبينًا أهميها ومنهج الإسلام في تكوين الأسرة معرجًا على نظام الطلاق في الإسلام رادًّا للشبهات التي أثيرت حول
1 / 11
تعدد الزوجات، وعقدت فصلًا طويلًا لبيان وضع المرأة في التشريع الإسلامي، كاشفًا اللثام عن أدعياء التقدم الذين يزعمون مناصرة المرأة وواقع الأمر أنهم يدمرونها ويدمرون الأسرة، وبينت كثيرًا من الشبهات التي أثارها المستغربون في دعواهم أن الإسلام ظلم المرأة.
وفي الباب الخامس تعرضت لنظام العقوبات في الإسلام، وبينت أنواع الجرائم والعقوبة التي أوقعتها الشريعة على كل منها، ورددت بعض الشبهات التي تثار حول العقوبات في الإسلام، وأعطيت صورة عجلي لوضع الجريمة في العالم الغربي، تبين الدمار الذي تنحدر إليه تلك المجتمعات عاجلًا أم آجلًا.
وفي الباب السادس، تعرضت للنظام الاقتصادي الإسلامي، مبينًا أهم المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام، معرفًا بالمجالات الإقتصادية الإسلامية، وفي ثلاثة فصول عرضت عرضا سريعًا، لأنواع الملكية والربا والمصارف الإسلامية.
وفي الباب السابع والأخير عرضت للنظام السياسي الإسلامي، وقد افتتحته بالتدليل على وجود هذا النظام في الإسلام، مبينا أن الذين نفوا ذلك مغرضون، ثم تحدثت في فصلين متتاليين عن مميزات الدولة الإسلامية ووظيفها، وفي الفصل الرابع تحدثت عن رئيس الدولة الإسلامية: ألقابه والشروط الواجب توافرها فيه، وطريقة اختياره، وحقه على الرعية، وحق الرعية في الدولة الإسلامية، وختمت هذا الباب كما ختمت كل باب قبله يذكر بعض المؤلفات في النظام السياسي.
وأحب أن أقرر في خاتمة هذا التمهيد أن هذا الكتاب جاء ليعطي فكرة عن الإسلام وعن العلوم الدائرة في فلكه، ولم يأت ليبلغ الغاية في كل علم من العلوم التي تعرضت لها فيه، لأن هذا ليس شأن الثقافة، بل شأن الدراسات المتخصصة، وأحب أن أصرح أيضًا بأنني لم أبلغ الغاية في بحثي، فالكمال لله
1 / 12
وحده، ولكنني بذلت في ذلك جهدًا ليس بالقليل، وأسأل الله تعالى أن أكون قد وفقت، وأسأله تعالى إن كان هذا الكتاب صالحًا نافعًا - أن يهيئ انتشاره في بقاع الأرض لينتفع به عباد الله الذين يريدون معرفة دين الله، وأن يسخر الصالحين من القائمين على شأن التعليم في بقاع الأرض لتسهيل الانتفاع به في مجال الثقافة الإسلامية في المعاهد والجامعات، وأسأل الله تعالى أن ينفعني به ويثيبني عليه، ويجعله حجة لي لا علي في يوم لقياه، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
د. عمر سليمان الأشقر
كلية الشريعة - جامعة الكويت
1 / 13
المقدمة
مفهوم الثقافة وخصائصها
وتشتمل على ستة (*) فصول:
الفصل الأول: مفهوم الثقافة وموضوعاتها.
الفصل الثاني: أصول الثقافة الإسلامية.
الفصل الثالث: الثقافة الإسلامية بين الأصالة والانحراف.
الفصل الرابع: خصائص الثقافة الإسلامية.
الفصل الخامس: الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافات الجاهلية.
الفصل السادس: عناوين الدين الإسلامي ومراتبه.
_________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ساق المؤلف ﵀ سبعة فصول
1 / 15
الفصل الأول مفهوم الثقافة
المبحث الأول: تعريف الثقافة عند إطلاقها وعند إضافتها
شاع استعمال لفظ "الثقافة" في عصرنا في مجال الحديث والتأليف والمحاضرات والندوات، فيقال: فلان مثقف، وفلان غير مثقف، وفلان ثقافته واسعة، وفلان ثقافته ضحلة، ويقال: الثقافة الغربية، والثقافة الإسلامية، والثقافة الفرنسية، فما المراد بالثقافة؟
ليس الجواب عن ذلك سهلًا، فالثقافة لم تعرف تعريفًا واضحًا لا يختلف عليه، على الرغم من كثرة المؤتمرات والمؤلفات والمحاضرات التي تبحث في الثقافة وميادينها، وقد ناقشت إحدى لجان المؤتمر العالمي الثاني الذي دعت إليه اليونسكو للبحث في السياسات الثقافية، والمنعقد في دولة المكسيك في الفترة من ٢٦ يوليو - تموز إلى ٦ أغسطس - آب من عام ١٩٨٢، وحضره ممثلون عن (١٢٩) دولة - ناقشت تعريف الثقافة، وقد أجمع أعضاء اللجنة على أن هذه الكلمة لا تزال غامضة، وغير محددة، على الرغم من أن مفهومها أصابه توسع ملموس في المناقشات التي جرت منذ انعقاد المؤتمر العالمي الأوّل للثقافة في البندقية في عام ١٩٧٠.
وقد استخدمت أثناء المناقشة بعض التعريفات التي تتخذ مكانها بين مفهومين متعارضين:
أحدهما: عام مستمد من (الانثربولوجيا) الثقافية، ويشمل كل ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة، ومجموع طرائق التفكير والممارسة والفن وأسلوب الحياة،
1 / 17
والتعبير عن الكرامة الإنسانية، والمفهوم الثاني: ضيق إلى درجة أن بعضهم وصفه بأنّه ثقافة الثقافة، ولذا فقد طالبت اللجنة بأن يتجه الجهد إلى البحوث، وتعميق المفاهيم حتى يمكن التأمل في مفهوم الثقافة (١).
وعدم وضوح التعريف يجعل الباحثين والكتاب في الثقافة غير محددي الاتجاه، وغير واضحي المباحث والأفكار، ولذلك يجدر بنا أن نقف مع تعريف الثقافة وقفة تحدد التعريف وتبين مفهومه.
والذي يظهر لي أن هناك فرقًا بين اللفظ المفرد: (ثقافة)، واللفظ المركب: (ثقافة الأمة).
المبحث الأول تعريف الثقافة عند إطلاقها
فالثقافة كلفظ مفرد يراد بها في الاستعمال الأخذ من كل علم بطرف، ولا يراد بها التعمق في دراسة علم من العلوم، ولذلك يقولون: "تعلم شيئًا عن شيء لتكون مثقفًا، وتعلم كل شيء عن شيء لتكون عالمًا" (٢).
وإذا رجعت إلى معاجم اللغة العربية، فإنك تجد بين معنى الثقافة هذا والمعنى اللغوي صلة ونسبًا، فالإنسان لا يكون واسع الاطلاع، ملمًا بمختلف العلوم إلا إذا كان حاذقا جيد الفهم، والحذق وجودة الفهم هما المحور الذي تدور عليه مادة: "ثقف" في لغة العرب، فهم يقولون: "ثقف الشيء ثقفًا: حذقه، ورجل ثقف - وثَقْفٌ: حاذق فَهِم، ويقولون: رجل ثقف لقف، إذا كان
_________
(١) انظر حديث الأستاذ عبد العزيز حسين وزير الدولة الكويتي، ورئيس وفد الكويت إلى المؤتمر لجريدة العاصمة الكويتية بتاريخ ٢٥/ ٩ / ١٩٨٢.
(٢) نحو فلسفة عربية، للدكتور عبد الغني النوري ورفيقه ص ٥٤.
1 / 18
ضابطا لما يحويه، قائمًا به، ويقولون:
هو غلام ثقف: أي ذو فطنة وذكاء، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وجاء في حديث أم حكيم بنت عبد المطلب: "إنّي حصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم" (١).
وتقول العرب: ثقفه أدركه ببصره، لحذق في النظر، ثم أطلق على مجرد الإدراك، وتحصيل الشخص للعلوم المختلفة - يدخل في هذا الباب، لأنّه إدراك لتلك العلوم.
وقد أدرك العلماء المسلمون أهمية وضع علم يعطى قارئه اطلاعًا جيدًا في العلوم المختلفة، والعلم الذي وضعوه لهذا الغرض هو "علم الأدب"، وإذا أنت رجعت إلى كتاب من كتب الأدب كصبح الأعشى للقلقشندي، ونهاية الأرب للنويري، وتصفحت الموضوعات التي تناولتها هذه الكتب - فإنك تجدها تطلع قارئها على جملة جيدة في كل علم من العلوم التي لا بدَّ منها لمن نعده - اليوم - شخصًا مثقفًا.
وهذه الكتب وضعت في الأصل لتثقيف الذين يقومون على ديوان الإنشاء، وهو الجهاز الذي يخاطب الحاكم من خلاله الشعب والولاة وحكام الدول الأخرى، وما لم يكن موظفو هذا الديوان ملمين بالعلوم التي توسع آفاقهم، وتقوم ألسنتهم، وتزيد معارفهم، وتكشف لهم عن طبائع الذين يخاطبونهم، فإنهم لن يستطعوا القيام بالمهمة المناطة بهم.
يقول القلقشندي في صبح الأعشى: "اعلم أن كاتب الإنشاء، وإن كان يحتاج
_________
(١) لسان العرب، مادة ثقف: ١/ ٣٦٤ وراجع محيط المحيط للبستاني ١/ ١٩١، والفائق في غريب الحديث للزمخشري ١/ ٤٧٩، طبعة البابي الحلبي - مصر، الأول: ١٣٦٦ = ١٩٤٧.
1 / 19
إلى التعلق بجميع العلوم، والخوض في سائر الفنون، فليس احتياجه إلى ذلك على حدّ سواء" (١).
وهو هنا يقرر أمرين:
الأول: أن كاتب الإنشاء ينبغي أن يكون آخذًا من كل علم بطرف.
الثاني: أن حاجته إلى هذه العلوم متفاوتة، وأهم هذة العلوم لكاتب الإنشاء علم اللغة.
وقد أصبحت كنب الأدب - في تلك العصور - محل عناية الفئة المثقفة من أبناء المسلمين خاصة أولئك الذين يطمعون في الوصول إلى ديوان الإنشاء، ولا يستننى عنه طالب علم يبغي تهذيب نفسه وتقويمها، وتوسيع آفاق فكره، يقول ابن قتيبة في مقدمة كتابه: "عيون الأخبار": "جمعت لك منها (أي الأخبار) ما جمعت في هذا الكتاب، لتأخذ تفسك بأحسنها، وتقومها بثقافها، وتخلصها من مساوئ الأخلاق، كما تخلص الفضة البيضاء من خبثها، وتروضها على الأخذ بما فيها من سنّة حسنة، وسيرة قويمة، وأدب كريم، وخلق عظيم، وتصل بها كلامك إذا حاورت، وبلاغتك إذا كتبت" (٢).
وقد شبه الكتاب في فنون الأدب كتبهم التي صنفوها في هذا العلم بالمائدة التي حفلت بكل ما لذَّ وطاب: "وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين" (٣).
وفي لسان العرب: "الأدب الذي يتأدب به الأديب من الناس، سمي أدبًا، لأنه يؤدي بالناس إلى المحامد، وينهاهم عن القبائح" (٤).
_________
(١) صبح الأعشى: ١/ ١٤٦، طبع وزارة الثقافة، القاهرة.
(٢) عيون الأخبار لابن قتيبة، الجزء الأول، المقدمة: ط، طبعة وزارة الثقافة - مصر.
(٣) المصدر السابق: ى.
(٤) لسان العرب: مادة (أدب) ١/ ٣٣.
1 / 20
تعريف الثقافة عند إضافتها للأمّة:
وضح لنا المراد بكلمة "ثقافة" عند إطلاقها، أما إذا أضيفت إلى الأمّة، فالمراد بها تراث تلك الأمّة الحضاري والفكري في جميع جوانبه النظرية والعملية الذي تمتاز به الأمّة، وهذا التراث الذي يشكل ثقافة الأمّة متداخل مترابط يشكل إطارًا ومحيطًا يحكم الأفراد والأسر والمجتمع في كل أمّة.
وثقافة الأمّة في جوانبها المختلفة تشكل أسلوبها في الحياة، فعقيدة الأمّة وتاريخها ونظرتها إلى الحياة، والأفكار والنظريات التي تدور في عقول أبنائها ومفكريها، وتدون في كتبها ودراساتها - تشترك جميعًا في تحديد الأسلوب الذي يحكم حياة الأمّة، ويضبط مسارها، ولذلك عرف بعض الباحثين الثقافة بقوله: "هي أسلوب الحياة السائد في مجتمع من المجتمعات" (١).
والأفراد في كل مجتمع من المجتمعات يتشربون -منذ أن تتفتح عيونهم على الحياة- ثقافة الأمّة التي يعيشون فيها، وتأثر هذه الثقافة في تكوينهم الفكري والعقائدي والخلقي، ويندمج الفرد بذلك في مجتمعه، وتتكون عاداته وتقاليده شيئًا فشيئًا، يقول الرسول ﷺ: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (٢)، فالوليد خامة نظيفة طاهرة ليس فيها دنس الشرك والمعاصي، ولكن الوالدين يغرسان في ولدهما فكرهما وعقيدتهما وأسلوب حياتهما، وإذا خرج بعض الأفراد في مجتمع ما عن الطريقة التي ينهجها ذلك المجتمع- فإنَّ أبناء جلدته لا ينظرون إلى هذا الخارج عن طريقتم نظرة الرضا،
_________
(١) الموسوعة العربية الميسرة، للدكتور شفيق غربال ورفاقه ص ٣٩، وكتاب الثقافة والتربية في العصور القديمة للدكتور وهيب إبراهيم، طبع دار المعارف - مصر ١٩٦١.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
1 / 21
ويعتبرهم خارجين على تعاليم الآباء والأجداد، ومتمردين على قيم وآداب مجتمعهم، وقد يعاقب المجتمع هؤلاء الخارجين عن نمط حياته عقوبات رادعة.
واعتبر في هذا بحال الأنبياء مع أقوامهم، فقد اعتبروهم خارجين عن طريقهم، وناصبوهم العداء، ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [إبراهيم: ١٣].
وتهددوهم بالقتل على خلافهم لهم ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء: ١١٦].
واستمسك الضالون بتراث الآباء والأجداد ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلا قَال مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قَال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥)﴾ [سورة: الزخرف ٢٢ - ٢٥].
إن هذا الذي وجدوا عليه آباءهم وصدّهم عن اتباع الرسل هو تراث الآباء العقائدي والفكري والحضاري، ذلك التراث الذي تربوا عليه ونشؤوا عليه، وهو الذي نطلق عليه اليوم اسم الثقافة، فالأمم جميعًا ثقافتها تحيط بها وتشكل حياتها، وتأسر الذين يعيشون في إطار مجتمعاتها.
الثقافة الصالحة والثقافات الجاهلية:
من العرض السابق يمكن أن نستنتج أن الثقافة قد تكون سويّة صالحة، وقد تكون ضالة جاهليَّة، فإذا كانت الثقافة مبنية على الإيمان بالله، والتوجه إليه،
1 / 22
والتحاكم إلى شريعته، والتصديق بما جاء من عنده - فإنها ثقافة سويّة صالحة، وإلَّا فإنها ثقافة جاهلية ضالة، وكلّ الأمم التي رفضت دعوة الرسل على اختلاف مناهجها ثقافها ضالة منحرفة ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠].
وقد جاءت الرسل لإصلاح الحياة الإنسانية وتقويمها وتطهيرها، ولا يجوز لأحد أنه يدعي أن ثقافات الأمم متساوية، وهي بذلك غير قابلة للنقد والتقويم، وقد خلط الإعلان النهائي للمؤتمر العالمي الثاني للثقافة الذي نظمته اليونسكو عام ١٩٨٢ م في المكسيك حقًّا بباطل عندما قال: "إن لكل ثقافة قيمها، وإن تأكيد الذاتية الثقافية يسهم في تحرير الشعوب، ويزيد من ازدهار الجنس البشري، وإن جميع الثقافات جزء لا يتجزأ من التواث المشترك للإنسانية، وإن كل الثقافات متساوية في إطار الكرامة، وإنه لا بدَّ من الاعتراف لكل شعب، ولكل مجتمع ثقافي بحقه في تأكيد ذاتيته الثقافية، وفي صونها، وفي كفالة الاحترام الواجب لها" (١).
والباطل الذي ورد في هذا الإعلان أن الثقافات متساوية، ووجوب الاعتراف لكل مجتمع ثقافي بحقه في تأكيد ذاتيته الثقافية ..، وهذا القول قد يكون صوابًا في ثقافات الأمم النابعة من عاداتها وتقاليدها ..،، فليس من حق أمّة أن تفرض على أمة أخرى ثقافتها، لأن ثقافات الأمم في هذه الحال متساوية، ولكن الحال يختلف إذا كانت ثقافة الأمّة نابعة من دين إلهي سماوي منزل من عند العليم الحكيم، فيكون التسوية بين هذه الثقافة الصالحة، والثقافات الجاهلية تسوية ظالمة ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)﴾ [سورة: القلم ٣٥ - ٣٦].
_________
(١) حديث جريدة السياسة الكويتية بتاريخ ٢٥/ ٩ / ١٩٨٢.
1 / 23
المبحث الثاني الفرق بين العلم والثقافة وأثر هذا الفرق
" العلم هو مجموعة الحقائق التي توصل إليها العقل الإنساني في مراحل تفكيره وتجاربه وملاحظاته المتسلسلة بتسلسل الزمن، والمحررة بالامتحانات المتكررة، فلا تختلف بتفاوت الأذواق، ولا تتغير بتغير المصالح" (١).
وهذا النوع من العلم تراث إنساني عالمي، لا تختص به أمّة دون أمّة، ولا تحتكره قارة من قارات الأرض، فيكون غيرها عالة عليها فيه، إنه مشاع كالهواء الذي نتنفسه، والبحار التي تحيط باليابسة، وتمخر فيها ألوف السفن حاملة مئات الأعلام، ولا زالت الدول تتبارى وتتنافس في تحصيل هذه العلوم، بل إن الدول الكبرى تبذل الأموال النفيسة لمن يعرفها الأسرار العلمية التي توصلت إليها الدول التي تخالفها في عقيدتها ومبدئها، ولكن رجال الإصلاح ورجال القيادة في تلك الدول نفسها يقضون الليالي الطوال باحثين عن الطريقة التي يحمون بها أبناء أمتهم من العقائد الدخيلة الوافدة.
وقد أقام الغرب الرأسمالي بناءه العلمي الشامخ على النتائج التي توصل إليها علماؤنا المسلمون من قبل في مجال الطب والهندسة والحساب والجبر والفلك وغيرها من العلوم. وإذا كان العلم تراثًا إنسانيًا عالميًا، تتوقف نهضة آية أمة من الأمم على الأخذ به - فإن واجبنا أن نستفيد من علوم الشرق والغرب، والأوائل والأواخر، ونبني الصروح العلمية التي تجعلنا أمّة قويّة مرهوبة الجانب، وقد أمرنا القرآن ببناء القوة الحربية ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [الأنفال: ٦٠].
وإعداد القوة اليوم المتمثلة في الطائرة والدبابة والبارجة والغواصة والبندقية والمدفع
_________
(١) منهج الثقافة الإسلامية لمحب الدين الخطيب ص ١٠.
1 / 24
والصاروخ والقنبلة الذريّة والهيدروجينية - لا يتم إلا بإتقان علوم كثيرة. هذا في العلم المادي.
أمّا الثقافة فالأمّة الإسلامية لها ثقافها التي تشكل شخصية الفرد والأمّة، وتميزها عمن عداها، ومتى انسلخت الأمّة الإسلامية من ثقافتها التي تتمثل في قيمها وأخلاقها وتشريعها وآدابها فإن ذلك مؤذن بزوالها ودمارها، وبذلك ترتد إلى الجاهلية التي جاء الإسلام لينقذها منها.
وإذا عرفنا هذا علمنا ما نأخذ وما ندع من حضارة الغرب.
المبحث الثالث الفرق بين الثقافة والحضارة
كلمة "حضارة" ككلمة ثقافة، يكثر دورانها اليوم في المحاضرات والندوات والتأليف، فيقولون: فلان متحضر، وفلان غير متحضر، والأمّة الإسلامية أمّة متحضرة، وكما يوصف الأفراد والجماعات بالتحضر توصف بها الأعمال، فالمعاملة المهذبة توصف بأنها حضارة، والغلظة والجفاء توصف بعكس ذلك.
والعرب تريد بالحضارة ما يقابل البداوة، والحاضرة تقابل البادية، وخلاصة ما في المعاجم اللغوية عن مادة حضارة تنتهي بنا إلى أن الحضارة هي حياة المدينة، والبداوة هي حياة البادية، والحضر سكان المدن، والبدو سكان الصحراء.
ولم تعد كلمة حضارة في العرف المعاصر مقصورة على مدلولها القديم المقابل لمدلول كلمة "بداوة"، وإنما جاوزته إلى مدلول آخر هو التعبير عن ارتقاء المجتمع وارتفاعه عن المستويات البدائية، ويقصدون عادة بالمجتمع المتحضر ذلك المجتمع الذي له قيمه الروحية الرفيعة، وأساليبه المادية المتطورة في مواجهة الحياة الطبيعية.
1 / 25