ويقول فؤاد: تتكلمين؟ - وأنتم جميعا ولا مؤاخذة تصمتون، أولا يا عمي سويلم أنا التي عملت هذه العزومة لأن المسألة بينكم أصبحت مضحكة محزنة بشكل لا يمكن السكوت عليه.
وتصيح وهيبة: بنت!
وتقول إلهام: أرجوك يا ماما هذا الوضع لا بد أن ينتهي الآن وفورا، ولن أتكلم كثيرا حتى لا أعذبكم أكثر من عذابكم، أي عفريت وسواس خناس جعلك أنت يا عمي سويلم وأنت يا خالتي نعمات وأنت يا بابا وأنت يا ماما تظنون أن مجدي يريد أن يتزوجني أو أنني أريد أن أتزوج مجدي.
وتصيح وهيبة: إلهام!
وتمضي إلهام في حديثها كأنما لم تسمع شيئا: هل خلفتم أخشابا أم آدميين؟ أليس من حقنا ونحن من بني الإنسان الذي حمله ربه أمانة الاختيار أن يختار مجدي عروسه وأختار أنا زوجي؟ من قال لكم إن اتفاقكم الهامس يسري علينا ويجعل مجدي يختارني ويجعلني أنا أختار مجدي؟ مسكين يا مجدي ومسكينة يا أنا، ظللنا عمرنا كله نتحمل إشاراتكم الخفية، والابتسامة ترتسم على وجوهكم إذا سألت مجدي عن امتحانه أو قدمت له برتقالة على طعام، أو طلبت له فنجان شاي، وكنت أنا وهو نلاحظ هذا وتلتقي منا العيون رغم أنفينا، ونصمت في ألم ونتحمل في صبر، وهو يعلم وأنا أعلم سخافة هذا الذي تصنعونه، والحرج عنده أشد ألف مرة، مسكين! فهو رجل ولولا أنه يعرف مشاعري لكان لا يدري ماذا يفعل، فهو رجل عظيم وإنسان حساس وكل المزايا فيه، ولكنني أنا لم أختره وهو لم يخترني، ربما كان يختارني أو أختاره لو لم يشعر كل منا أنه مفروض على صاحبه، أنتم باتفاقكم السري وإشارتكم التي كنتم تظنونها في غاية الذكاء، وهي لم تكن كذلك، أنتم الذين باعدتم بيننا، ثم كيف يخطب هو أو أقبل أنا أن نتزوج ونحن نحس عمرنا كله أننا إخوة، بيته بيتنا أطلب فيه ما أشاء من أكل وشرب وهو أيضا يشعر أن بيتنا بيته، ليست الأخوة صلة رحم فقط، وإنما كثيرا ما تكون أقوى بطبيعة الصلة بين الناس بعضهم وبعض، مثل الأخوة التي بينكم أنتم الأربعة، كيف تتصورون أن يتعلم مجدي في الجامعة وأتعلم أنا في الجامعة ثم تتحكمون أنتم فينا؟ النهاية أنا ومجدي متفقان اتفاقا له الآن سنوات بعيدة، لا أذكر منذ متى ودون أن نتكلم، أننا لن نتزوج، فإذا كان عندكم وسيلة لتزويجنا غصبا عنا فالأمر لكم.
وساد الصمت ولم ينبس أحد بكلمة، وقالت نعمات في رعونة وفي محاولة إنقاذ: مجدي قل شيئا.
وفي رجولة وثبات قال مجدي: لقد قالت إلهام كل شيء، وإن كان هناك ما أقوله فهو فعل لا قول.
وقام مجدي وأمسك بيد إلهام، وصافحها قائلا: أنت أشجع مني، وأنا أعرف أخلاقك العظيمة كل المعرفة، وإنما لم أكن أتصور أنك رائعة إلى هذه الدرجة، أنا أحييك.
وقال سويلم: ولكن يا بني ...
وقال فؤاد وقد أحس أن الصلة بينه وبين سويلم عادت إلى طبيعتها: ولا كلمة يا سويلم، العيال علمونا درسا كان يجب علينا نحن أن نعلمه لهم، ولكن يا أخي لا بد أن نعترف أن العلم شيء عظيم والثقافة قيمة كبرى، وأنا وأنت لم نتخرج في الجامعة، فأن يعلمنا أولادنا أكرم لنا ألف مرة أن يعلمنا الأغراب.
Bog aan la aqoon