قوله صلى الله عليه وآلهوسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ، وعن ادخار لحوم الأضاحي ، ألا فادخروا ما بدا لكم» (1). ومثال الثاني أن يتضاد حكم الناسخ والمنسوخ ، ويمتنع اجتماعهما في التعبد ، فيعلم بذلك أن أحدهما ناسخ للآخر.
[السادس عشر] : فصل فيما يعرف به تأريخ الناسخ والمنسوخ
اعلم أن أقوى ما علم به التاريخ أن يكون في اللفظ ، وإنما يصح أن يكون في لفظة الناسخ دون المنسوخ إذا كان مذكورا على جهة التفصيل ، وقد يكون على جهة الجملة في لفظ المنسوخ ، نحو أن يقول : افعلوا كذا إلى أن أنسخه عنكم ، ولو قال : إلى أن أنسخه في وقت كذا ؛ لكان وقت زوال العبادة معلوما بلفظ إيجابها ، فيخرج بذلك من باب النسخ.
وقد يعلم التأريخ أيضا بأن يضاف إلى وقت أو غزاة يعلم بها تقدم وقت المنسوخ ؛ لأن الغرض معرفة المتأخر والمتقدم ، فلا فرق بين ذكر الزمانين ، أو ذكر ما يضاف إليهما ، مما يعلم به التقدم والتأخر.
وقد ذكر أيضا أن يكون المعلوم من حال أحد الراويين أنه صحب النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بعد ما صحبه الآخر ، وأن عند صحبته انقطعت صحبة الأول. ولا بد من أن يشترط في ذلك أن يكون الذي صحبه أخيرا لم يسمع منه صلى الله عليه وآلهوسلم شيئا قبل صحبته له ؛ لأنه غير ممتنع أن يراه أولا ، فيسمع منه وهو كافر ، أو غير مصاحب ، ثم يراه ثانيا ، ويختص بمصاحبته.
فأما إذا علم تقدم أحد الحكمين وتأخر الآخر بالعادة ، أو ما يجري مجراها ؛ فلا شك في أن الثاني هو الناسخ ، ومثال ذلك أن يكون حكم أحدهما مستمرا على حكم العقل ، والآخر ثابت بالشرع. ويدخل فيه أن يكون أحدهما
Bogga 202