صلوات الله عليهم يكاد يسقط عند التحقيق ؛ لأنهم إنما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب ، وإنما يكون حظه نقص الثواب ، على اختلافهم أيضا في ذلك ؛ لأن أبا علي الجبائي (1) يقول : إن الصغيرة يسقط عقابها بغير موازنة ، فكأنهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب. وهذه موافقة للشيعة في المعنى ؛ لأن الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء عليهم السلام جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق به فاعله الذم والعقاب ؛ لأن الاحباط باطل عندهم ، وإذا بطل الاحباط فلا معصية إلا ويستحق فاعلها الذم والعقاب ، وإذا كان استحقاق الذم والعقاب منفيا عن الأنبياء عليهم السلام وجب أن تنتفي عنهم ساير الذنوب ، ويصير الخلاف بين الشيعة والمعتزلة متعلقا بالاحباط ، فإذا بطل الاحباط فلا بد من الاتفاق على أن شيئا من المعاصي لا يقع من الأنبياء عليهم السلام من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب ، لكنه يجوز أن نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير ونفرض أن الأمر في الصغائر والكبائر على ما تقوله المعتزلة ، ومتى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر لما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى.
[تنزيه الأنبياء كافة عن الصغائر والكبائر : ]
واعلم أن جميع ما تنزه الأنبياء عليهم السلام عنه ، ونمنع من وقوعه منهم يستند إلى دلالة العلم المعجز إما بنفسه أو بواسطة ؛ وتفسير هذه الجملة : أن العلم المعجز إذا كان واقعا موقع التصديق لمدعي النبوة والرسالة ، وجاريا مجرى قوله تعالى له : صدقت في أنك رسولي ومؤد عني ، فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله سبحانه في ما يؤديه عنه ؛ لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق
Bogga 266