بدلع قال: يبقى تحميني، مش أمي؟ أمي تحميني.
وكان يعرف أن الاقتراح مرفوض، فما هو بالرضيع أو الصبي، ولكنه ربما قاله ليسبر الغور، ويعرف إلى أي مدى أصبحت أما، وإلى أي مدى استترت المرأة، وفي دفعتها له من ظهره لتدخله الحمام، وتجذب الباب أحس أنها ليست أبدا دفعة استنكار شديد، هي تمضي في سياق واتساق مع لعبة الابن والأم، وما وراءها غامض كل الغموض. - ادعكي لي ظهري، من يوم ما ماتت أمي ما حدش دعكهولي.
ولو أوتيت كل قدرات العالم النفسي لما استطاعت أبدا أن تدرك لماذا قبلت، ولماذا صرخت قبل أن يدخل تطلب منه الجلوس القرفصاء، وإعطاء ظهره للباب، وماذا بالضبط كان شعورها والليفة المتآكلة لا تمنع يدها من تلمس جسده، والإحساس بعضلات صلبة بمثل ما لم تكن تتوقع، متناسقة، تجعل من كومة اللحم الحي المنحنية على نفسها تصدر العواء والأصوات كتلة مجهولة ذات خطر، كتلة شاب كبير الجسد دافئه.
وتسأله إن كان قد غسل خلف أذنيه بالليفة، وتكتشف بعد سلسلة من الأسئلة أنه لا يعرف بعد كيف يحمي نفسه، لا أحد قد علمه. إنه ليس يتما واحدا ما يصاب به الصبي، إنه يتيم من الحب، من الصدر الحنون، من الإلحاح عليه بالإفطار، من تنظيف كامل وأمين لجسده، ألف يتم.
وحين انتهت من مهمتها، والماء ينصب ويتلوى الفتى لانصبابه، وكأنها فجعت ودهشت، روعتها النظرة الخاطفة حين ألقتها، فكشفت لها عن معالم الرجل فيه. وفي الحال واجهت نفسها - فالأمر لم يعد يحتمل الخداع - لقد كانت لساعات طويلة توهم نفسها بابن حبيب عثرت عليه اليوم صدفة، ولكن هذا الشاب الممشوق الجسد، وما به من رجولة ليس أبدا ذلك الابن، إنه غريب عنها، جسده كله جاء من امرأة أخرى، وله أب لم تره في حياتها، وحياة طويلة قبلها لم تر منها إلا عرض أصبع.
ومضة ولكنه أدرك وفهم، واعتراه الارتباك في نفس لحظة ذهولها وارتباكها. وشتان بين إحساس تلقائي منساب كجداول الطبيعة بالنبوة والأمومة، وقد انقطع - بترته النظرة العابرة - ليكملا الدور بعمد هذه المرة، وبارتباك وبإشراك هائل للإرادة، محاولا هو فيه أن يخفي علامات الرجولة فيه، ومحاولات دائمة منها ألا ترى سوى الطفل، محاولات كانت لا تزيدهما إلا ارتباكا، محاولات أنهت الحمام فجأة، وفي خفوت متعمد، وكأنه كان السبب في مأساة.
وعجيب حقا أن تتسع نفسها بعد كل هذا المزيج المتناقض من الأحاسيس بإحساس جديد مرق كالشرارة، إحساس بفرحة صغيرة، فرحة أي أم حين تكتشف في ملابس ابنها الداخلية ذات يوم أنه بعد لم يعد طفلا، السؤال المعلق - وقد بدأ المساء يحل في دكان أبيه - سؤال لم تنطقه، ومع هذا فقد جاءها الجواب بغير هناء: إنه مع أصدقائه في حي «الباطنية» مجتمعين حول «الجوزة»، ويشدون أنفاسا تقهقه لها «الجوزة» ويقهقهون، ويئوبون بعد القهقهة العنيفة إلى سعال طويل. جلسة لن تنتهي قبل أن ينتصف الليل. ودون سؤال منه فالسؤال كان لنفسها جاءتها الإجابة: إن شيئا لا ينتظرها سوى جدران الشقة الكبيرة العالية الفارغة، وسجادة الصلاة، ولا شيء بعد هذا أبدا. - أنا بردان، باين الوساخة كانت مدفياني!
ضحكت للنكتة وظننه يدعي.
ولكن أسنانه فعلا بدأت تصطك.
واندفع إلى «الكليم» المهري الذي يغطي أرض الحجرة الوحيدة.
Bog aan la aqoon