ضمها عساها أن تكف عن الارتجاف، فإذا به يبدأ هو الآخر يرتعش، ويمد يده يتناول يدها، فإذا بها باردة، ميتة بغير شك، برودتها أبدا ليست من صنع الجسد، وإنما هي وافدة من مكان بعيد سحيق، نفس المكان الذي يقبل منه الموت! تضغط على يده، وبكلتا يديه يعتصر يدها، وتنتقل برودتها إليه وبرودته إليها؛ فالسيدة كان رأسها قد بدأ يتململ، وشخيرها يضطرب، وأجفانها - مرة واحدة - تفتحت إلى آخرها، وبرزت من خلفها عينان واسعتان محدقتان بلا نظرات. كان واضحا أن شيئا مهولا يقترب، إما النهاية التي انتظراها حتى أوغل الليل في تقدمه، وإما المعجزة، وكلاهما مرعب مخيف؛ فالموت حولهما وفي كل مكان، وهو لا يمكن أن يتراجع! فإذا لم تمت هي فلا بد أن سيكون الموت من نصيبهما.
الموت الكثيف الذي تضبب له جو الحجرة وثقل هواؤها، وأصبح النور كالخيوط المنعزلة المخنوقة.
ماذا بالضبط بدأ وفي قوة عارمة يتدفق في جسديهما؟ أبدا ليس خاطرا، ولا انفعالا، ولا إحساسا ولده الخارج، أو اندفع من الداخل، وحتى ليس دفقة الحياة الأخيرة حين ينتاب الإنسان ذلك النوع الوحيد من الرعب الذي لا يحسه المرء إلا مرة واحدة في عمره، الرعب من الموت الذي يصل إلى درجة أن يميت هو إذا غاب الموت أو اختفى سببه.
ليس جنونا أيضا أو فقدان سيطرة.
الحقيقة ليس شيئا أبدا قابلا للإخضاع والمناقشة والتفسير.
والعجيب أنه كان يحدث لهما معا، وفي نفس اللحظة، كالآلتين تعزفان نفس النغمة، أو كأنهما أصبحا جسدا واحدا وكائنا متكاملا.
اشتد التصاقهما حتى وقفا، وتراجعا إلى حافة المنضدة، حيث اقتربا، وتفتحت أذرع أربع لتضم الجسدين.
وكأنما هو مسوق بها وهي مسوقة به وكلاهما مسوق بقوة أكبر، دفعا معا «الترولي» المجهز لتحمل عليه السيدة بعد وفاتها ووضعاه، حتى أصبح امتدادا لمنضدة العمليات، وبدا ألا قوة على سطح الأرض تستطيع منعهما، ومعا خلعا ملابسهما، وبمساعدته صعدت فوق «الترولي» وصعد هو الآخر، والسيدة كفت عن التلفت والتحديق، واستقرت عيناها - لا تزالان متسعتين أيضا وبلا نظرات - على الجسدين العاريين تماما أمامها.
وغير مهم إن كانت ترى أو لا ترى، المهم أنها استمرت تحدق حتى حين عاد إليها نبض الموت، وعادت تتنفس شخيرا منقطعا غير منتظم.
والتهب جسده وأحس بها بين ذراعيه تلتهب وكأنهما محمومان، وضمها بشدة، واستماتت هي متعلقة به وكأنما بألف ساق وذراع.
Bog aan la aqoon