Nabi Musa Wa Tall Camarna
النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة (الجزء الأول): موسوعة تاريخية جغرافية إثنية دينية
Noocyada
الباب الثالث
نظرية المؤلف لضبط جغرافية الخروج وتاريخها
الفصل الأول
رعمسيس تلك المدينة اللغز!
نختصر الموقف من علاقة الهكسوس بالإسرائيليين، بكوننا نحتسب افتراضنا أن بني إسرائيل قد دخلوا مصر في زمن الهكسوس كفصيل قبلي نسيب، وهو الفرض الذي سنقيم الدليل عليه بطول هذا الكتاب.
كان آخر ملوك الهكسوس على مصر، هو الملك أسيس الملقب بلقب أبوفيس الثالث، وذلك حسبما ورد عند يوسفيوس نقلا عن المصري مانيتو، وهو ما طابق قائمة الملوك المعروفة باسم بردية تورين، وهو الملك الأخير من الحكام الأجانب، وقلنا إنه قد بدأت الثورة ضده من طيبة، بقيادة الملك سقننرع وولديه كامس ثم أحمس، وحسب القصة التوراتية تمكن يوسف ببراعة إسرائيلية من الوصول إلى الحظوة الملكية، فصار وزيرا لخزانة الهكسوس في مصر، ثم تمكنت الثورة المصرية من الإطاحة بالاحتلال، ليقلب الزمان لبني إسرائيل وجها مخالفا، تمثله بصدق - وتطابق على صدقنا أسفار - التوراة إذ تقول: «ثم قام ملك جديد على مصر، لم يكن يعرف يوسف» ... فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم، فبنوا لفرعون مدينتي مخازن: «فيثوم، ورعمسيس». (خروج، 1: 8-11)
النص يقول إن ملكا جديدا قد قام على حكم مصر، وهو أمر طبيعي، وربما يعني موت الملك السابق أسيس الهكسوسي، ومجيء ملك جديد، لكن النص هنا يحمل دلالات أخرى؛ لأنه لو كان الأمر قد سار على الوتيرة المنطقية للأحداث، لكان ضروريا أن يعرف الملك الجديد، الذي نشأ بالبلاط وعاينه وارتقى فيه المناصب، من هو يوسف ومن هم أهله؟ خاصة أن يوسف كان يشغل أحد أهم المناصب الكبرى في الدولة، لكن النص يقول إن هذا الملك الجديد، لم يكن صاحب علاقة مباشرة بيوسف، أي إنه جاء من خارج البلاط الحاكم المعروف ليوسف حينذاك، ليس هذا فقط، بل جاء وهو يحمل ليوسف وأهله ضغينة شديدة وكراهية عظيمة حتى إنه استعبدهم قصدا نكاية وسخرهم في بناء مدينتين للمخازن: الأولى باسم فيثوم والثانية باسم رعمسيس.
لقد قالت التوراة ذلك قبل اكتشاف حجر رشيد، وفك رموز اللغة الهيروغليفية بقرون بعيدة، لكنا قد أصبحنا نعرف الآن من علوم المصريات مصداقية تلك التسميات؛ لأن فيثوم هي «بر-آتوم» أو بالنطق الملتبس بالسامي «بي-توم» بإسقاط حرف الراء المعترض والثقيل، و«بر» أو «بي» أو «في» تعني المقر أو البيت أو المعبد أو المسكن أو الفم، أو المصب أو أول الطريق أو نهايته، فهي دلالة مكانية على الإطلاق، فهي بهذا المعنى تصبح «مقر آتوم»، وآتوم هو الإله المصري المعلوم الشأن، هكذا أخبرنا أصحاب علم المصريات عن مدينة «فيثوم» أو «بي توم»، أما «رعمسيس» فهي لا شك تلك التي كشف عنها علم المصريات الحديث، في المدونات المصرية التي تذكرها باسم «بر رعمسيس» أو «بي رعمسيس» أو «بي رعمسة»، حذف «ي س» وهو التصريف اليوناني المعلوم للأسماء، و«رع مس يس» هو اسم لسلسلة من الفراعين حكموا مصر، بدءا من الأسرة التاسعة عشرة باسم سلالة الرعامسة، وبإسقاط حرف «ع» بالتخفيف، يصبح الاسم هو «رمسيس» المتداول حتى الآن، كمسمى بين المصريين المسيحيين بالذات، وإن أكد لنا المصرولوجيون أن مدينة رعمسيس يجب أن تنتسب تحديدا للفرعون العظيم المحارب وعاشق المعمار، الذي لم يترك مقاطعة في مصر، إلا وترك فيهما آثارا باسمه والمعروف باسم «رمسيس الثاني»، وهو والد الفرعون مرنبتاح صاحب لوح إسرائيل المشهور، وبسبب ذلك اللوح تم استنتاج أن رمسيس الثاني، كان هو فرعون الاضطهاد الذي سخر الإسرائيليين الأسرى بمصر، في أعماله الإنشائية الكبرى، أما ولده مرنبتاح فكان هو فرعون الخروج الإسرائيلي من مصر زمن النبي موسى.
لكن إذا كان باني المدينة ومنشئها لأول مرة هو رعمسيس الثاني، فإن ذلك سيتضارب مع رواية التوراة حول استقرار يوسف وإخوته في مدينة رعمسيس، قبل زمن رعمسيس الثاني بزمان، منذ استقر فيها يوسف وإخوته قبل أربعة أجيال من زمن الخروج الموسوي، حسبما تقول التوراة أي قبل زمن رمسيس الثاني ب 430 سنة حسب التوراة المازورية، أو 215 سنة حسب التوراة السبعونية، وهي المشكلة التي واجهت أحمد عثمان فحاول حلها بالقول: إن تسمية المدينة باسم رعمسيس، لا تعود إلى رعمسيس الثاني، إنما إلى رعمسيس آخر، خاصة أن عثمان يرفض النظرية، التي تربط بين الاستعباد الإسرائيلي وبين رمسيس الثاني؛ لذلك يلجأ إلى الضابط رعمسيس الذي أصبح فيما بعد رعمسيس الأول، وكان قد تولى مناصبه زمن العمارنة، ثم حكم بعد سقوط أسرة العمارنة، وبعد انتهاء حكم حور محب مؤسس الأسرة 19، لكنه في رأينا كان حلا شديد التعسف والتكلف؛ لأنه من الصعب تصور مدينة مصرية كبرى، تنسب في نشأتها واسمها إلى ضابط صغير، لم يكن متوقعا ماذا سيكون مستقبله حين نشأتها، ومن ثم نتصور من جانبنا، أن ما حدث هو أن المحرر التوراتي، قد ذكر المدينة بالاسم الذي كان قد استقر، وأصبح مشاعا معلوما زمن تدوينه ذلك النص، وهو ما ذهب إليه باحث رصين مثل فراس السواح، إذ يقول: «في الحقيقة إن أرض رعمسيس ومدينة رعمسيس، مما ورد ذكره في سفر الخروج، مسألة لا يمكن الاعتماد عليها في تحديد زمن الخروج؛ لأن المحرر التوراتي قد استخدم اسم أرض رعمسيس، في الإشارة إلى منطقة الدلتا منذ أيام يوسف، أي قبل بناء مدينة رعمسيس بحوالي خمسمائة عام (أي قبل زمن رمسيس الثاني، بفرض أنه هو باني المدينة [المؤلف])، وهذا يعني أن المحرر التوراتي الذي كان يكتب سفر الخروج في فترة متأخرة من الألف الأول قبل الميلاد، قد استخدم الاسم الذي يعرفه لمنطقة الدلتا، بصرف النظر عن ارتباط هذا الاسم بفترة تاريخية معينة.»
1
Bog aan la aqoon