تكوين 19: 4-8
وهكذا تريد التوراة أن تفهمنا أن الرجل الكريم، أراد أن يحافظ على قانون الضيافة المقدس، بالتضحية بقانون أقدس منه، هو قانون المحافظة على العرض، ثم تزيد الأمر نكاية بقولها ما يفيد أن «لوط» كاد يدفع ثمن عناده، وبدا لأهل المدينة كما لو كان يسخر منهم بمنحهم الصبيتين، فهو يعلم أنهم لا يمارسون الأمر ككل الناس والحيوان من منافذه الطبيعية، إنما هم بأسلوبهم عن سائر الأحياء يتميزون، فأنذروه هو أيضا، بالقول: «الآن نفعل بك شرا أكثر منهما» (تكوين 19: 9)، لولا تدخل الإلهين الضيفين، اللذين ضربا الجماهير - المضطرمة بالشهوة - بالعمى، وأخرجا لوطا مع زوجته وابنتيه من المدينة، فاتجهوا إلى مدينة خارج دائرة الدمار المقرر، هي «صوغر»: «وإذا أشرقت الشمس على الأرض، دخل لوط إلى صوغر فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء فقلب تلك المدينة، وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض، ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح» (تكوين 19: 23-27).
أما القرآن الكريم فيسرد سيرة «لوط» باعتباره نبيا، وتحدثنا الآيات فتقول: إنه كان مرسلا لهداية الفاسدين:
ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين * إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون * وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين (الأعراف: 80-84).
ثم يتنزه القرآن الكريم بالإله عن الكثرة والتعدد، ويجل به عن النزول بذاته إلى الأرض للقيام بما يريد، فيقول: إنه إنما أرسل من ينوب عنه من ملائكة لتدمير القرى الخاطئة، لكن بعد أن تلبس هؤلاء هيئات البشر، وذهبوا من فورهم إلى بيت لوط، مما أصابه بضيق شديد، لأنه يعلم ما سيحدث إزاء حسنهم الملائكي في مباءة الفجور:
ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب (هود: 77)، وعقب ابن كثير على هذا الكلم بقوله: «قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم، جبريل وميكائيل وإسرافيل، أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم، في صورة شبان حسان، اختبارا من الله تعالى لقوم لوط وإقامة الحجة عليهم، فاستضافوا لوطا عليه السلام، وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضيفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، وسيئ بهم وضاق بهم ذرعا، وقال: هذا يوم عصيب»،
5 (ولا يفوت لبيبا أن ابن كثير استبدل هنا الآلهة التوراتية الثلاثة، بثلاثة من الملائكة)، وتتابع الآيات الكريمة، تصف حال أهل المدينة، عند دخول الملائكة الحسان بيت لوط، فتقول:
وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (الحجر: 67-72)،
ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم (القمر: 37)، ويفسر ابن كثير بالقول: «وذكروا أن جبريل عليه السلام، خرج فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم، حتى قيل: إنها غارت بالكلية»،
6
Bog aan la aqoon