الدنيا وعَلِق كلُّ واحد منهم بلغة من تلك اللغات فغَلَبَتْ عليه واضمحلَّ عنه ما سواها لِبُعْدِ عَهْدهم بها
وإذا كان الخبرُ الصحيحُ قد ورد بهذا وجب تَلقِّيه باعتقاده والانطواء على القول به.
فإن قيل: فاللغةُ فيها أسماءٌ وأفعالٌ وحروف وليس يجوز أن يكون المُعلَّمُ من ذلك الأسماءَ (وحدَها) دونَ غيرها مما ليس بأسماء فكيف خَصَّ الأسماءَ وحدَها قيل: اعتمد ذلك من حيث كانت الأسماءُ أقوى القُبُل الثلاثة ولا بد لكل كلامٍ مفيدٍ (منفرد) منَ الاسم وقد تستغني الجملةُ المستقلةُ عن كل واحد من الفعل والحرف فلما كانت الأسماء من القوة والأوليَّة في النفس والرتبةِ على ما لا خفاءَ به جاز أن يُكْتَفَى بها عَمَّا هو تالٍ لها ومحمول في الحاجة إليه عليها.
قال: ثم لِنعد (فَلْنقل) في الاعتلال لمن قال بأنَّ اللغة لا تكون وحْيًا وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصلَ اللغة لا بدَّ فيه من المُوَاضعة.
قالوا: وذلك بأن يَجْتَمِعَ حكيمان أو ثلاثةٌ فصاعدا فيحتاجوا إلى الإبانةِ عن الأشياءِ المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سِمَةً ولفظا إذا ذُكِرَ عُرِفَ به ما مُسَمَّاه ليمتاز عن غيره وليُغْني بذِكْره عن إحْضَاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقربَ وأخَفَّ وأسهلَ من تَكلُّف إحضاره لبلوغ الغرضِ في إبانة حاله بل قد يُحْتاج في كثير من الأحوال إلى ذِكْر ما لا يمكن إحضارُه ولا إدْنَاؤُه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد (و) كيف يكون ذلك لو جاز وغيرُ هذا مما هو جارٍ في الاستحالة والتَّعَذُّر مَجْراه فكأنهم جاؤوا إلى واحد من بني آدم فأومؤوا إليه وقالوا إنسان (إنسان إنسان) فأي وقتٍ سُمِع هذا اللفظ عُلِم أن المراد به هذا الضرْب من المخلوق وإن أرادوا سِمَةَ عَيْنه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا: يد عين رأس قدَم أو نحو ذلك فمتى سُمعت اللفظة من هذا عرف معْنِيُّهَا وهلمَّ جرا فيما سوى ذلك من الأسماء والأفعال والحروف.
ثم لك (من بعد ذلك) أن تنقلَ هذه المُواضعة إلى غيرها فتقول: الذي اسمه
1 / 15