أراد وكفى بأنه مضى حميدًا شاهدًا على أنى رزئت، وكان وجه الكلام أن يقول: وكفى برزئي شاهدًا على أن مضى حميدا؛ لأن حمد أمر الطلل قد مضى، ولس بمشاهد ولا معلوم، فلان يكون الحاضر شاهدًا على الغائب أولى من أن يكون الغائب شاهدًا على الحاضر.
فإن قيل: إنما أراد أن يستشهد على عظيم رزئه عند من لم يعلمه.
قيل: فمن لا يعلم قدر مرزأته التي بعضها ظاهرٌ عليه كيف يعلم ما مضى من حميد أمر الطلل؛ حتى يكون شاهدًا على هذا؟ فإن قيل: هذا إنما جاء به على القلب.
قيل له: المتأخر لا يرخص له في القلب؛ لأن القلب إنما جاء في كلام العرب على السهو، والمتأخر إنما يحتذى على أمثلتهم، ويقتدى بهم، وليس ينبغي له أن يتبعهم فيما سهوا فيه.
فإن قيل: فقد جاء القلب في القرآن، ولا يجوز أن يكون ذلك على سبيل السهو والضرورة؛ لأن كلام الله ﷿ يتعالى عن ذلك، وهو قوله: " ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة " وإنما العصبة تنوء بالمفاتيح، أي تنهض بثقلها، وقال ﷿: " ثم دنى فتدلى " وإنما هو تدلى فدنا، وقال: " وإنه لحب الخير لشديدٌ " أي: وإن