علت بعض الضحكات، وأظهرت المعلمة تعبيرات بوجهها توحي بالتوبيخ الذي لا جدوى منه. انتقلت، بعد ذلك، إلى الجانب الذي يجلس فيه الطلاب القاطنون بالمدينة؛ إذ حافظ الطلاب بإرادتهم الحرة على نوع من الفصل العنصري في الفصل. وفي هذا الجانب، ادعى الطلاب تناولهم الخبز المحمص ومربى الفواكه، أو اللحم المقدد والبيض، أو رقائق الذرة؛ أو كعك الوافل والشراب المحلى. والقليل منهم قال إنه تناول عصير البرتقال.
أقحمت روز نفسها في نهاية أحد الصفوف التي شغلها الطلاب الذين يقطنون المدينة. لم يكن بالفصل أي طلاب آخرين سواها من هانراتي الغربية، ورغبت بشدة في التخلي عن أصولها والانضمام إلى صفوف سكان المدينة، والانتماء إلى أولئك الذين يأكلون الوافل ويشربون القهوة، وذوي الاطلاع الواسع ممن يملكون ركنا مخصصا لتناول وجبة الإفطار.
أجابت روز عن سؤال المعلمة بجرأة: «نصف ثمرة جريب فروت.» لم يفكر أحد غيرها في هذه الإجابة.
في الواقع، كانت فلو سترى أن تناول الجريب فروت على الإفطار أمر لا يقل سوءا عن شرب الشامبانيا، بل إنه لا يباع في المتجر من الأساس. لم تهتم أسرة روز كثيرا في الحقيقة بالفواكه الطازجة، واقتصرت مشترياتهم منها على الموز المرقط، والبرتقال الصغير الرديء الجودة. اعتقدت فلو - شأنها شأن الكثير من القرويين آنذاك - أن أي شيء غير مطهو جيدا يضر بالمعدة. وقد اعتادت أسرة روز تناول الشاي والعصيدة في وجبة الإفطار. وفي فصل الصيف ، كانوا يتناولون الأرز المنفوخ. وكان أول صباح غرف فيه الأرز المنفوخ - الأشبه بحبوب اللقاح في خفة وزنه - في صحن الإفطار بمثابة العيد، وسعدت الأسرة به كما تسعد بأول يوم سير على الطريق الوعرة بدون أحذية مطاطية واقية من المطر، أو أول يوم يمكن فيه ترك باب المنزل مفتوحا في فترة الربيع القصيرة والجميلة التي تفصل بين الشتاء والصيف.
شعرت روز بالرضا عن نفسها لتفكيرها في الجريب فروت، وللكيفية التي أجابت بها عن السؤال بصوت تملؤه الجرأة وبعيد عن التكلف في الوقت نفسه. اعتادت روز اختناق صوتها دوما في المدرسة، وخفقان قلبها بقوة كما لو أنه يكاد يخرج من حلقها، والتصاق ملابسها بذراعيها بسبب التعرق، بالرغم من استعمالها مزيل العرق. كانت أعصابها في حالة كارثية.
بعد بضعة أيام وفي أثناء عبورها الجسر عائدة إلى المنزل، سمعت صوتا ينادي عليها. لم يذكر اسمها، لكنها علمت أنها المقصودة؛ فأبطأت في خطاها على الألواح الخشبية، وأخذت تنصت. بدا لها أن الأصوات تصدر من أسفل الجسر، لكنها عندما نظرت عبر الشقوق لم تر شيئا سوى الماء المتدفق سريعا. لا بد أن أحدا قد اختبأ بالأسفل بجوار الركام. كانت أصواتا كئيبة، ومموهة على نحو لم يسمح لها بالجزم إذا كانت صادرة عن صبية أم فتيات. «نصف ثمرة جريب فروت!»
ترددت تلك العبارة على سمع روز بين الحين والآخر، واستمر ذلك لسنوات عدة؛ فكانت تسمعها من أحد الأزقة أو من نافذة مظلمة، ولم تكن تفصح عما تسمعه، لكنها سرعان ما كانت تلمس وجهها، وتمسح العرق من فوق شفتها العلوية. تتسبب ادعاءاتنا في تعرق أجسادنا.
كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك؛ فالخزي من أيسر الأمور التي يمكن أن تصيب المرء. والحياة في المدرسة الثانوية كانت محفوفة بالمخاطر، بسبب انتشار كل شيء في الحال، وعدم نسيان أي شيء فيها. كان من المحتمل أن تكون روز هي الفتاة التي نسيت فوطتها الصحية. فمن فعلت ذلك كانت على الأرجح فتاة قروية تحمل الفوطة الصحية في جيبها أو في نهاية دفتر ملاحظاتها لتستخدمها في وقت لاحق من اليوم، وهو تصرف متوقع من أية فتاة تعيش بعيدا عن المدرسة. روز نفسها فعلت ذلك. كانت هناك آلة لصرف الفوط الصحية في دورة مياه الفتيات، تبتلع العملات المعدنية ولا تخرج أي شيء في المقابل. اتفقت اثنتان من الفتيات القرويات اتفاقا شهيرا على أن يبحثا عن بواب المدرسة في وقت الغداء، ويطلبا منه ملء آلة الصرف. لكن دون جدوى.
سألهما البواب: «من منكما بحاجة إليها؟» ففرت الفتاتان، وقالتا إن حجرة ذلك البواب الموجودة تحت السلم احتوت على أريكة قديمة متسخة وهيكل عظمي لقطة، وأقسمتا على ذلك.
لا بد أن تلك الفوطة الصحية قد سقطت على الأرض، ربما في غرفة تعليق القبعات والمعاطف، ثم التقطت وهربت بصورة ما إلى دولاب عرض الجوائز التذكارية الموجود في القاعة الرئيسية، وصارت بذلك على مرأى من الجميع، وقد أفسد الطي والحمل مظهرها الجديد، وتسبب في حك سطحها؛ ما رجح فكرة كونها فوطة مستعملة. يا لها من فضيحة! وفي اجتماع عقد صباحا، أشار الناظر إلى ذلك الشيء المثير للاشمئزاز، وتعهد باكتشاف المتسبب في وضعه على هذا النحو، وفضحه، وضربه بالسياط، وفصله من المدرسة. أنكرت كل فتاة في المدرسة معرفتها بهذا الشأن، وتكاثرت الآراء حوله. خشيت روز من توجيه أصابع الاتهام إليها باعتبارها المشتبه به الرئيسي في تلك الجريمة؛ ولذلك شعرت بالارتياح عندما ألقي باللوم على فتاة قروية أخرى بدينة متجهمة الوجه تدعى مورييل ميسون، والتي اعتادت ارتداء فساتين منزلية غير مهندمة من الحرير الصناعي في المدرسة، واتصفت برائحتها الكريهة.
Bog aan la aqoon