حوقلت واسترجعت (١) وزورت في نفسي كلاما وقلت: إن زعمت أني لست بمأمور بالمباحثة أجد نفسي لا تطيب بذلك، وإن باحثتهم أخشى أن ينقلوا للشاه خلاف ما يقع، فعزم رأيي وجزم فكري بأني لا أباحثهم إلا بحضور الشاه، وأقول له: إن مباحثتي تحتاج إلى حكم عالم لا يكون سنيا لئلا يتهم بأنه يريد مناصرتي، ولا شيعيا لئلا يتهم بأنه يريد مناصرتهم، فنحتاج حينئذ إلى عالم إما يهودي أو نصراني أو غير ذلك ممن لا يكون سنيا ولا شيعيا، وأقول له إنا قد رضينا بك، وأنت الحكم بيننا والله تعالى سائلك يوم القيامة فاسمع مقالنا لكي يظهر لك الحق.
ثم أني خليت لو مال رأيه إليهم، أخاصمه وأكالمه ولو أدى ذلك إلى قتلي، هذا كله أجريته في مخيلتي.
فخرجنا من الحلة المذكورة وقت العشاء الأخيرة ليلة الأربعاء المعهودة وكانت ليلة كثيرة الدث والضباب (٢) لا يبصر الإنسان يده، وهي أشد وأبرد من الليلة التي قال فيها الشاعر:
في ليلة من جمادي ذات أندية ... لا يبصر الكلب في أرجائها الطنبا
فلم نزل نسير تلك الليلة إلى أن جئنا (المشهد) المنسوب إلى ذي الكفل على نبينا وعليه الصلاة والسلام - وهو في نصف الطريق بين الحلة والنجف - فنزلنا خارج البناء واسترحنا قليلا، وسرينا، وصلينا الفجر عند بئر دندان، فلم نشعر إلا والبريد (٣) يعدو عدوا شديدا، فقال لي:
_________
(١) أي: قلت " لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون "
(٢) الدث: أضف المطر وأخفه. قال أعرابي: أمطرتنا السماء بدث لا يرضي الحاضر ويؤذي المسافر.
(٣) رسول الشاه.
1 / 18