Mustasfa
المستصفى
Tifaftire
محمد عبد السلام عبد الشافي
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٣هـ - ١٩٩٣م
وَذَلِكَ يُوجِبُ نَوْعًا مِنْ الِاتِّحَادِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ، وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ " الْوَاوَ " مُحْتَمِلٌ أَيْضًا لِلِابْتِدَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الحج: ٥]، وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾ [الشورى: ٢٤]، وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّوَقُّفَ أَوْلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مِنْ الشُّمُولِ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَخِيرِ، وَالرُّجُوعِ إلَى بَعْضِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ [النور: ٤] فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النور: ٥] لَا يَرْجِعُ إلَى الْجَلْدِ، وَيَرْجِعُ إلَى الْفِسْقِ، وَهَلْ يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا﴾ [النساء: ٩٢] يَرْجِعُ إلَى الْأَخِيرِ، وَهُوَ الدِّيَةُ؛؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِعْتَاقِ.
وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [المائدة: ٨٩] فَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ﴾ [المائدة: ٨٩] يَرْجِعُ إلَى الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنْ الْأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ﴾ [النساء: ٨٣] إلَى قَوْلِهِ: ﴿إلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ٨٣] فَهَذَا يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَتَّبِعَ الشَّيْطَانَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَشْمَلْهُ فَضْلُ اللَّهِ، وَرَحْمَتُهُ، فَقِيلَ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣] إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لِتَقْصِيرٍ، وَإِهْمَالٍ، وَغَلَطٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: ﴿أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: ٨٣]، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْأَخِيرِ، وَمَعْنَاهُ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَرَحْمَتُهُ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ ﵇ لَاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إلَّا قَلِيلًا قَدْ كَانَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِالْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، كَأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَقَسِّ بْنِ سَاعِدَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِتَوْحِيدِهِ، وَاتِّبَاعِ رَسُولِهِ قَبْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي دُخُولِ الشَّرْطِ عَلَى الْكَلَامِ دُخُولُ الشَّرْطِ عَلَى الْكَلَامِ:
اعْلَمْ أَنَّ الشَّرْطَ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوجَدَ وُجُودَهُ، وَبِهِ يُفَارِقُ الْعِلَّةَ إذْ الْعِلَّةُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الْمَعْلُولِ، وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُهُ. وَالشَّرْطُ عَقْلِيٌّ، وَشَرْعِيٌّ، وَلُغَوِيٌّ، وَالْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ، وَالْعِلْمِ لِلْإِرَادَةِ، وَالْمَحَلِّ لِلْحَيَاةِ، إذْ الْحَيَاةُ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَحَلٍّ، وَلَا يَلْزَمُ وُجُودُهَا بِوُجُودِ الْمَحَلِّ، وَالشَّرْعِيُّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَالْإِحْصَانِ لِلرَّجْمِ، وَاللُّغَوِيُّ كَقَوْلِهِ: " إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ جِئْتنِي أَكْرَمْتُك " فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ فِي اللِّسَانِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِصَاصُ الْإِكْرَامِ بِالْمَجِيءِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يُكْرِمُهُ دُونَ الْمَجِيءِ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ اشْتِرَاطًا، فَنُزِّلَ الشَّرْطُ مَنْزِلَةَ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَمَنْزِلَةَ الِاسْتِثْنَاءِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ عَهْدٍ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إنْ كَانُوا حَرْبِيِّينَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ يَدْخُلُ عَلَى الْكَلَامِ فَيُغَيِّرُهُ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيهِ لَوْلَا الشَّرْطُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ حَتَّى يَجْعَلَهُ مُتَكَلِّمًا بِالْبَاقِي لَا أَنَّهُ مُخْرِجٌ مِنْ كَلَامِهِ مَا دَخَلَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِيهِ لَمَا خَرَجَ؛ نَعَمْ كَانَ يُقْبَلُ الْقَطْعُ فِي الدَّوَامِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ، فَأَمَّا رَفْعُ مَا سَبَقَ دُخُولُهُ فِي الْكَلَامِ فَمُحَالٌ، فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّكِ عِنْدَ الدُّخُولِ طَالِقٌ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالطَّلَاقِ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى حَالِ الدُّخُولِ، أَمَّا أَنْ نَقُولَ: تَكَلَّمَ
1 / 261