209

Mustasfa

المستصفى

Baare

محمد عبد السلام عبد الشافي

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤١٣هـ - ١٩٩٣م

بِهَا، وَبِإِتْمَامِهَا، وَبِآدَابِهَا سُنَنٌ كَثِيرَةٌ، أَوْ نَقُولُ هِيَ لِلْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ حُكْمِهِمْ بِالْإِبَاحَةِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وَقَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجمعة: ١٠]، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْقَرَائِنِ فَكَذَلِكَ الْوُجُوبُ.
فَإِنْ قِيلَ، وَمَا تِلْكَ الْقَرَائِنُ؟ قُلْنَا: أَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى: ﴿إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣]، وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّهْدِيدَاتِ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ تَكْلِيفِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَالْمَرَضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، وَغَيْرِهَا، وقَوْله تَعَالَى: ﴿وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٤] إلَى قَوْلِهِ: ﴿فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ﴾ [التوبة: ٣٥] . وَأَمَّا الصَّوْمُ فَقَوْلُهُ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣]، وَقَوْلُهُ ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤]، وَإِيجَابُ تَدَارُكِهِ عَلَى الْحَائِضِ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا، وَالْقَتْلِ وَرَدَ فِيهِمَا تَهْدِيدَاتٌ، وَدَلَالَاتٌ تَوَارَدَتْ عَلَى طُولِ مُدَّةِ النُّبُوَّةِ لَا تُحْصَى، فَلِذَلِكَ قَطَعُوا بِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الَّذِي مُنْتَهَاهُ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فَيَتَطَرَّقَ إلَيْهِ الِاحْتِمَالُ.
[مَسْأَلَةٌ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ مَا مُوجَبُهُ]
مَسْأَلَةٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْلُهُ افْعَلْ بَعْدَ الْحَظْرِ مَا مُوجَبُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَوْلُهُ: " افْعَلْ " بَعْدَ الْحَظْرِ مَا مُوجَبُهُ؟، وَهَلْ لِتَقَدُّمِ الْحَظْرِ تَأْثِيرٌ؟
قُلْنَا: قَالَ قَوْمٌ: لَا تَأْثِيرَ لِتَقَدُّمِ الْحَظْرِ أَصْلًا، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهَا إلَى الْإِبَاحَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْحَظْرُ السَّابِقُ عَارِضًا لِعِلَّةٍ، وَعُلِّقَتْ صِيغَةُ " افْعَلْ " بِزَوَالِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] فَعُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِرَفْعِ الذَّمِّ فَقَطْ حَتَّى يَرْجِعَ حُكْمُهُ إلَى مَا قَبْلَهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ رَفْعُ هَذَا الْحَظْرِ بِنَدْبٍ، وَإِبَاحَةٍ لَكِنَّ الْأَغْلَبَ مَا ذَكَرْنَاهُ كَقَوْلِهِ: ﴿فَانْتَشِرُوا﴾ [الجمعة: ١٠]، وَكَقَوْلِهِ ﵇: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَادَّخِرُوا» أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَظْرُ عَارِضًا لِعِلَّةٍ، وَلَا صِيغَةَ " افْعَلْ عُلِّقَ بِزَوَالِهَا، فَيَبْقَى مُوجَبُ الصِّيغَةِ عَلَى أَصْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ النَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَنُزِيحُ هَاهُنَا احْتِمَالَ الْإِبَاحَةِ، وَيَكُونُ هَذَا قَرِينَةً تُزِيحُ هَذَا الِاحْتِمَالَ، وَإِنْ لَمْ تُعَيِّنْهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ حَتَّى يَغْلِبَ الْعُرْفُ الْوَضْعَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَرِدْ صِيغَةُ " افْعَلْ " لَكِنْ قَالَ: فَإِذَا حَلَلْتُمْ فَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِالِاصْطِيَادِ، فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ، وَالنَّدْبَ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْإِبَاحَةَ لِأَنَّهُ عُرْفٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَقَوْلُهُ: " أَمَرْتُكُمْ بِكَذَا " يُضَاهِي قَوْلَهُ " افْعَلْ " فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمَا يَقْرُبُ مِنْهَا.
[النَّظَرُ الثَّالِثُ فِي مُوجَبِ الْأَمْرِ وَمُقْتَضَاهُ]
ُ مُوجَبُ الْأَمْرِ، وَمُقْتَضَاهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْفَوْرِ، وَالتَّرَاخِي، وَالتَّكْرَارِ، وَغَيْرِهِ
وَلَا يَتَعَلَّقُ هَذَا النَّظَرُ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ بَلْ يَجْرِي فِي قَوْلِهِ " افْعَلْ " كَانَ لِلنَّدْبِ أَوْ لِلْوُجُوبِ، وَفِي قَوْلِهِ " أَمَرْتُكُمْ " " وَأَنْتُمْ مَأْمُورُونَ "، وَفِي كُلٍّ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ إشَارَةً كَانَتْ أَوْ لَفْظًا أَوْ قَرِينَةً أُخْرَى. لَكِنَّا نَتَكَلَّمُ فِي مُقْتَضَى قَوْلِهِ " افْعَلْ " لِيُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَنَرْسُمُ فِيهِ مَسَائِلَ:
مَسْأَلَةٌ: قَوْلُهُ: " صُمْ "
كَمَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ إلَى الزَّمَانِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْفَوْرِ، وَالتَّرَاخِي، وَبِالْإِضَافَةِ إلَى الْمِقْدَارِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَاسْتِغْرَاقِ

1 / 211