Mustasfa
المستصفى
Baare
محمد عبد السلام عبد الشافي
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٣هـ - ١٩٩٣م
وَالْإِسْرَاجِ، أَعْنِي: طَلَبَهُ، وَالْمَيْلَ إلَيْهِ لِارْتِبَاطِ غَرَضِهِ بِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ يَرْجِعُ إلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ لَزِمَ اقْتِرَانُ الْأَمْرِ، وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا تَكُونَ الْمَعَاصِي الْوَاقِعَةُ إلَّا مَأْمُورًا بِهَا مُرَادَةً، إذْ الْكَائِنَاتُ كُلُّهَا مُرَادَةٌ. أَوْ يُنْكَرُ وُقُوعُهَا بِإِرَادَةِ اللَّهِ فَيُقَالُ: إنَّهَا عَلَى خِلَافِ إرَادَتِهِ، وَهُوَ شَنِيعٌ إذْ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ مَا يَجْرِي فِي مِلْكِهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَ أَكْثَرَ مِمَّا يَجْرِي عَلَى وَفْقِ إرَادَتِهِ، وَهِيَ الطَّاعَاتُ، وَذَلِكَ أَيْضًا مُنْكَرٌ، فَمَا الْمُخَلِّصُ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ؟ قُلْنَا: هَذِهِ الضَّرُورَةُ الَّتِي دَعَتْ الْأَصْحَابَ إلَى تَمْيِيزِ الْأَمْرِ عَنْ الْإِرَادَةِ فَقَالُوا: قَدْ يَأْمُرُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ، كَالْمُعَاتَبِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ عَلَى ضَرْبِ عَبْدِهِ إذَا مَهَّدَ عِنْدَهُ عُذْرَهُ لِمُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ فَقَالَ لَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْمَلِكِ: أَسْرِجْ الدَّابَّةَ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لَا يُسْرِجَ إذْ فِي إسْرَاجِهِ خَطَرٌ، وَإِهْلَاكٌ لِلسَّيِّدِ، فَيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُهُ، وَهُوَ أَمْرٌ إذْ لَوْلَاهُ لَمَا كَانَ الْعَبْدُ مُخَالِفًا، وَلَمَا تَمَهَّدَ عُذْرُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ أَمْرًا، وَقَدْ فَهِمَ الْعَبْدُ، وَالسُّلْطَانُ، وَالْحَاضِرُونَ مِنْهُ الْأَمْرَ؟ فَدَلَّ أَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُهُ هَذَا مُنْتَهَى كَلَامِهِمْ، وَتَحْتَهُ غَوْرٌ لَوْ كَشَفْنَاهُ لَمْ تَحْتَمِلْ الْأُصُولُ التَّقَصِّيَ عَنْ عُهْدَةِ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ، وَلَتَزَلْزَلَتْ بِهِ قَوَاعِدُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا إلَّا بِتَفْهِيمِهَا عَلَى وَجْهٍ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ إلَى أَوْهَامِ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْقَوْلُ فِيهِ يَطُولُ، وَيَخْرُجُ عَنْ خُصُوصِ مَقْصُودِ الْأُصُولِ.
[النَّظَرُ الثَّانِي فِي صِيغَة الْأَمْر]
النَّظَرُ الثَّانِي فِي الصِّيغَةِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ خِلَافًا فِي أَنَّ الْأَمْرَ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ؟ وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ خَطَأٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ: أَمَرْتُكُمْ بِكَذَا أَوْ أَنْتُمْ مَأْمُورُونَ بِكَذَا، أَوْ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: أُمِرَتْ بِكَذَا. كُلُّ ذَلِكَ صِيَغٌ دَالَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ، وَإِذَا قَالَ: أَوْجَبْتُ عَلَيْكُمْ أَوْ فَرَضْتُ عَلَيْكُمْ، وَأَمَرْتُكُمْ بِكَذَا، وَأَنْتُمْ مُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتُمْ مُثَابُونَ عَلَى فِعْل كَذَا، وَلَسْتُمْ مُعَاقَبِينَ عَلَى تَرْكِهِ، فَهُوَ صِيغَةٌ دَالَّةٌ عَلَى النَّدْبِ. فَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: " افْعَلْ " هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ بِمُجَرَّدِ صِيغَتِهِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى أَوْجُهٍ، مِنْهَا الْوُجُوبُ كَقَوْلِهِ: ﴿أَقِمْ الصَّلَاةَ﴾ [الإسراء: ٧٨]، وَالنَّدْبُ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ [النور: ٣٣]، وَالْإِرْشَادُ كَقَوْلِهِ: ﴿، وَاسْتَشْهِدُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] وَالْإِبَاحَةُ كَقَوْلِهِ ﴿فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، وَالتَّأْدِيبُ كَقَوْلِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ كُلْ مِمَّا يَلِيكَ، وَالِامْتِنَانُ كَقَوْلِهِ: ﴿وكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٨٨]، وَالْإِكْرَامُ، كَقَوْلِهِ: ﴿اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٤٦]، وَالتَّهْدِيدُ، كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]، وَالتَّسْخِيرُ، كَقَوْلِهِ: ﴿كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥]، وَالْإِهَانَةُ، كَقَوْلِهِ: ﴿ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان: ٤٩]، وَالتَّسْوِيَةُ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴾ [الطور: ١٦]، وَالْإِنْذَارُ، كَقَوْلِهِ: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا﴾ [المرسلات: ٤٦]، وَالدُّعَاءُ كَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، وَالتَّمَنِّي كَقَوْلِ الشَّاعِرِ "
أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي
". وَلِكَمَالِ الْقُدْرَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧]، وَأَمَّا صِيغَةُ النَّهْيِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " لَا تَفْعَلْ. فَقَدْ تَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ وَلِلْكَرَاهِيَةِ، وَالتَّحْقِيرِ كَقَوْلِهِ: ﴿ولَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ [طه: ١٣١] وَلِبَيَانِ الْعَاقِبَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ [إبراهيم: ٤٢] وَلِلدُّعَاءِ كَقَوْلِهِ: «وَلَا تَكِلْنَا إلَى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ» وَلِلْيَأْسِ كَقَوْلِهِ: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾ [التحريم: ٧]
1 / 204