7
ومما جاء في أصول الفقه للإمام أبي حامد الغزالي
8
ما يلي: «اعلم أن التكليف والإسلام والعدالة والضبط يشترط فيه الرواية والشهادة. فهذه الأربعة. أما الحرية والذكورة والبصر والقرابة والعدد والعداوة، فهذه الستة تؤثر في الشهادة دون الرواية. لأن الرواية حكمها عام لا يختص بشخص، حتى تؤثر فيه الصداقة والقرابة والعداوة.» كما هي الحال في الشهادة.
وإذا، فالأمر قديم العهد بيننا، وقد قال به علماء الحديث في المتواتر والعزيز، وبعضهم قالوا في الصحيح، ونوه به علماء الفقه في الشهادة. فحري بالمؤرخ العربي أن يعتنقه وينادي به، فيبتعد عن كل رواية تاريخية، انفرد بها راو واحد.
9
فإذا قضت الظروف بتدوينها فعليه أن يصرح بأنها غريبة في بابها وأنها لم ترو إلا عن راو واحد. هذا، وإنه لمن دواعي الأسف أن نرى بعض زملائنا المؤرخين الذين يعنون بالعصور الوسطى والعصور القديمة، يهملون هذه القاعدة الأساسية في مصطلح التاريخ، فيثبتون في تواريخهم روايات جمة انفرد بها راو واحد فيضلون ويضللون، وإذا ما تسرب إلى عقول البعض أن بعض المؤلفات الحديثة في العصور الوسطى، وفي التاريخ القديم، هي أكثر جزما من بعض أخواتها في العصور الحديثة، فإنما السبب في ذلك يرجع إلى إهمال واضعيها، وقلة درايتهم بقواعد مصطلح التاريخ.
على أنه يجدر بالمؤرخ المدقق، قبل إسقاط الرواية التي ينفرد بها راو واحد، أن يعيد البحث والتنقيب، لعله يجد بين الروايات المختلفة ما يزكي به روايته المنفردة، وهو أمر عرفه المحدثون وعملوا به، فأفردوا له بابا خاصا سموه: باب الاعتبار والمتابعات والشواهد. قال ابن الصلاح: «هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أو لا؟ وهل معروف أو لا؟ وذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ - رحمه الله - أن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم . فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين. فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين ورواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي
صلى الله عليه وسلم . فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا. قلت: فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد، فهذه المتابعة التامة. فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب، لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة، أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله
Bog aan la aqoon