أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم
وغيرهم أنهم شددوا في أن يفسر القرآن بغير علم، وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن، فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن وفسروه بغير علم، أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا: إنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم، فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر، لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل، فهو في النار، وإن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ، والله أعلم، وهكذا سمى الله تعالى القذفة كاذبين فقال:
فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (النور: 13)، فالقاذف كاذب، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، وتكلف ما لا علم له به، والله أعلم؛ ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا محمود بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله:
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين (الأنفال: 31)، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم،
12
وقال أبو عبيد أيضا: حدثنا يزيد عن حميد عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر:
وفاكهة وأبا
فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر، وقال عبد بن حميد، حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: كنا عند عمر بن الخطاب، وفي ظهر قميصه أربع رقاع، فقرأ:
وفاكهة وأبا ، فقال: ما الأب؟ ثم قال: إن هذا لهو التكلف، فما عليك أن لا تدريه، وهذا هو كله محمول على أنهما - رضي الله عنهما - إنما أرادا استكشاف علم كيفية الأب، وإلا فكونه نبتا من الأرض ظاهر لا يجهل لقوله تعالى:
Bog aan la aqoon