وارْتحَل إلى مَرُو (١)، فَسَمِعَ بِهَا مُحمَّدَ بنَ أَحْمَدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِىِّ بنِ مَهْدِي الكُرَاعِيَّ.
كَمَا ارْتحَلَ إلى بَلْخٍ (٢)، وكانَتْ حَاضرَةً عِلْميَّةً مَشْهُورَةً، فَسَمِعَ فِيها مِنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ مُحمَّدٍ العَاصِميَّ.
_________
= عما جرى بينهم، فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلا حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضى لبعضهم على بعض، فإياك ثم إياك أن تصغى إلى ما اتفق بين أبى حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي، أو بين أحمد بن حنبل والحارث المحاسبى وهلم جرا إلى زمان الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقى الدين بن الصلاح، فإنك إن اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل، ربما لم يفهم بعضها، فليس لنا إلّا الترضي عنهم، والسكوت عما جرى بينهم، كما يفعل فيما جرى بين الصحابة ﵃.
(١) مرو: من أشهر مدن خراسان، قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ٥/ ١١٤: (أقمتُ بها ثلاثة أعوام، فلم أجد بها عَيْبا، ولولا ما عَرَا من وُرود التتر إلى تلك البلاد وخَرَابِها لمَّا فارقتها إلى الممات، لما في أهلها من الرَّفْد، ولِين الجانب، وحسن العِشْرَة، وكَثْرة كُتُب الأصول المتقنة بها، فإنِّي فارقتها وفيها عَشْرُ خَزَائن للوقف، لم أر في الدنيا مثلها كثرة وجودةً، منه خِزَانتان في الجامع، إحداهما يقال لها العَزِيزيِّة ... وكان فيها اثنا عشر ألف مجلد أو ما يقاربها، والأخرى يقال لها الكَمَاليِّة ... وخزانة نظام الملك الحسن بن إسحاق في مدرسته، وخزانتان للسمعانيين، وخزانة أخرى في المدرسة العميديَّة، وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها، والخزائن الخاتونية في مدرستها، والضميرية في خانكاه هناك .... فكنت أرتع فيها، وأقتبس من فوائدها، وأنساني حُبُّها كل بلد، وأَلْهَاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن ... الخ)، والنسبة إليها مروزي على غير القياس، وقد أخرجت من الأعلام ما لم تُخرج مدينة مثلهم، وقد انقطع أثرها بعد خروج التتار، وتقع مرو الآن في جمهورية تركمانستان.
(٢) بَلْخ -بفتح الباء وسكون اللام- مدينة مشهورة في خراسان، تقع اليوم في شمال أفغانستان، قريبة من مدينة مَزَار شَرِيف المعروفة، وكانت من أعظم المدن، قال السمعاني في الأنساب ١/ ٣٨٨: (فتحها الأحنف بن قيس التَّمِيمى، من جهة عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، زمن عثمان بن عفان ﵁، خرج منها عالم لا يحصى من العلماء والأئمة والمحدثين والصلحاء قديما وحديثا)، وقال الذهبي في كتاب الأمصار ذوات الآثار ص ٨٦: (صار بها علماء في أواخر المائة الثانية .... ثم نقص ذلك وتلاشى).
المقدمة / 35