51

Mustafa Nahhas

مصطفى النحاس

Noocyada

ألا إن المرأة في هذه الناحية هي الخلاقة للزعامات، المنجبة للنبوغ، الشريكة المساهمة في تهيئة الظروف والعوامل الصالحة لبروز الملكات وإظهار كوامن المزايا والاستعدادات، حتى ليكاد تاريخ العالم يلوح كأنه تاريخ الأمهات؛ لأنهن اللاتي يهدين إلى العالم أفذاذ الرجال، ومصابيح الهدى، وأعلام الفضل والعظمة والنبوغ.

وفي سير هؤلاء أو أكثرهم يبدو أثر الأم الرءوم المتعهدة المنشئة، فهي التي كان لها الفضل في ظهور رجال كبار، وعظماء مثل كرومويل، وإبراهام لنكولن، وتوماس إديسون، وأوليفر لودج، والجنرال بوث، وهو القائل: «كنت في حداثة سني أشكو أحيانا إلى أمي من ثوبي المهلهل ومظهري الرثيث، وخوفي من إثارة السخرية مني في نفوس رفقائي ولداتي في المدرسة، فكنت أقول لها: أخشى أن يظنوا أننا فقراء، فكانت تجيبني قائلة: ولماذا تريدهم أن يظنوا غير هذا؟! إننا حقا فقراء ... وإني والله لمدين بالكثير من نجاحي في الحياة لذلك الحب المطلق للحقيقة، وذلك التمجيد السامي لها، وكان ذلك أظهر صفاتها وأبرز خلالها، لقد كانت أمي مثالا عاليا للتضحية وإنكار الذات!»

وينبغي ألا ننسى فضل النساء كزوجات، فكم في التاريخ من سير سيدات فضليات أعن أزواجهن في الحياة على البروز، وحفزنهم إلى السبق والنباغة وكن كواكب سعود لهم، ونجوم هدى في مضربهم في الصحراء، وذهابهم في التيه، واقتحامهم لأشد المكاره، وتخطيهم لأقسى العقبات، بل لقد كن لهم بمثابة الواحات النضر الفيحاء يرقدون تحت ظلالها الوارفة إذا مسهم اللغوب ، ويفزعون إلى مائها الصادر إذا أحرقهم الظمأ، ويلتمسون عندها الراحة واستعادة النشاط والاستجمام.

وإذا ذكرنا جوزفين وما كان لها من الفضل على نابليون، واليمن الذي بارك حياته، وكوكب السعد الذي كان ملازمه، حتى إذا ذهب عنه تخلى الحظ عنه؛ وإذا نوهنا بالسيدة «أنيتا غاريبالدي» التي شاركت زوجها قائد الحركة الوطنية في إيطاليا، وأحد مؤسسي وحدتها الحديثة، وشاطرته جهاده في سبيل بلاده، وأسهمت معه في الحروب والمعارك للدفاع عن أمته ووطنه، حتى لقيت حتفها في بعض تلك الحروب، وإذا أشدنا بفضل زوجة «غاندي»، وما احتملت بجانبه من آلام، وما قاسته في الحركة الوطنية من سجن ومعتقل ومطاردة ومختلف ألوان الظلم والعدوان، وما كابدت من مشاق وقسوة تكاليف، وكيف ظلت أبدا بجانبه ترعاه وتعنى به، وتعاني الشظف احتراما لمبادئه، فإنا - ولا ريب - ذاكرون ما وقع لنا نحن بسبيل ذلك في نهضتنا الوطنية وثورتنا الرهيبة لاسترداد حقوقنا في الحرية والاستقلال.

مدام كوري العالمة في ثياب الدكتوراه.

ولا شك في أن التاريخ الوطني لهذه البلاد سيفرد صفحات نواصع للسيدة الجليلة، والعقيلة الطاهرة، والوطنية الباهرة، والمجاهدة العظيمة، أم المصريين، وشريكة سعد، السيدة صفية زغلول، فقد حملت العلم في صدر جنسها، وأفاضت على الثورة من جلال نفسها، ومفعم وجدانها وحسها، وآثرت على نعومة الحياة خشونة جهادها، وأشبعت الأمومة من حنانها على شباب بلادها، كأنهم بعض فلذات كبدها، حتى استحقت مع الفخار هذا اللقب العظيم ... «أم المصريين».

الشاعرة الوطنية الهندية الكبيرة السيدة ساروجيني نايدو.

لقد جاء سعد زغلول مختارا من الطبيعة لأسمى المعاني في الحياة الإنسانية، وظهر عند اشتداد الظلمات ظهور الكوكب الساطع والنجم الثاقب في فحمة الليل، وبرزت هذه السيدة من خدرها في أثره كالزهرة السنية، يشعان على المجتمع سويا، هو من لدن العناية الإلهية مختارا، وهي من القدر الرحيم «صفية»، وهما معا رسولا الجهاد ورمزا الحرية، اقترنا في خطة القدر ليكونا معا لمصر؛ فكان له منها الحليف في الشداد، والمعوان على الجهاد، وكان له منها فخار الأزواج، أنساها الذراري، وأغناها عن الولدان والبنين.

كان سعد المسافر في الصحراء، وكانت صفية على طريقه وفي وعثاء سفره الواحة الخضراء؛ كلما أجهده المسير وأتعبه الإدلاج والإسراء، عطف على الجنة الفيحاء ليستريح تحت الظلال، ويعب عندها ويعل من العذب الزلال، ويستجم للسفرة التالية، ويتزود للشقة القصية، ويمتار للمرحلة النائية، ويجد عندها خير ما يجدي على الرحل والمسافرين.

كاستوريا غاندي - زوجة الزعيم غاندي.

Bog aan la aqoon