100

Mustafa Nahhas

مصطفى النحاس

Noocyada

مصطفى النحاس - من صورة زيتية.

وقد تجلت في مصطفى النحاس على نهاية هذا الدور غيرته الصادقة على «الكرامة»، وأنفته من الصغار، والتنائي عما يخدش العزة؛ فراح يستفتح حياة العمل في الميادين الحرة عيوفا، كريما، قوي النفس، لا ينزل عن كرامته، ولا يترخص فيها، ولا يقبل التساهل فيها والتفريط.

لقد كانت تلك بداية صالحة موائمة لما كان ينتظر أن يكون من أمره في الغد القريب، وكانت تلك نشأة قوية رفيعة تخلق بشاب أعدته العناية الربانية لكي يمسك بزمام الزعامة في أمة تصبو إلى أعز غاية في هذه الحياة، وهي «الحرية»؛ وتجاهد لأشرف مطلب، وهو «الاستقلال».

فلننتقل إلى دور الحياة العملية لنرى كيف سلك مصطفى فيه، وماذا كان من أمره خلاله، قبل أن يؤدي رسالته الوطنية إلى الناس ...

مصطفى النحاس في حياته العملية

رأينا كيف أبى مصطفى النحاس عقب تخرجه في الحقوق الوظيفة التي عرضت عليه، وكيف دافع عن حقوق الجماعة التي كان هو منها؛ فلما نجح في دفاعه لم يشترك فيها، وترك الزملاء - بفضل ذوده عنهم - يدخلون الوظائف فرحين راضين جذلين.

وقد كان ذلك منه في الحق شيئا جديدا على العصر، مخالفا لروح الجل؛ ولكنه كان في أمر مصطفى النحاس طبيعيا، متناسبا وخليقته، موائما لرفعة نفسه القوية، المستمدة سموها من أعماقها، المستعينة على اقتحام الحياة الحرة بقوتها من داخلها واعتدادها بذاتها. وقد نجح مصطفى في أول قضية تناولها ووقف موقف الدفاع فيها، قبل أن يجتاز باب المدرسة لآخر مرة، تلك هي قضية الخريجين وظلامتهم؛ فقد كسبها لهم، ثم أبى أن يشاركهم الكسب الذي أحرزه، فكان ذلك النجاح علامة على الغد المنتظر لهذا الشاب الجديد على عصره، وبشيرا بمصير هذا الفتى المنفرد عن جيله.

لقد كانت هذه البداية مقدمة جليلة صالحة للكتاب الضخم الحافل الذي سوف تكتبه الحياة في مسيرها لهذه الشخصية القوية من النشأة، المهذبة المجملة من الفطرة والتكوين.

وقد حفظت له الطبيعة مكان السبق من الطفولة، والموضع الأول في مجاز كل امتحان في الحداثة، وجاءت به من الصغر صبيا غير اعتيادي، ولا أمره في الدراسة بمألوف، وكان انتقاله من دور الإعداد والتهيئة، إلى دور الجد والعمل، منتظرا أن يجيء متناسبا والمطالع، متكافئا والمقدمات، وإن كانت قد شوهدت أمثلة شذوذ في هذه الناحية؛ فقد قص التاريخ شواهد من حياة نوابغ كانوا في المدرسة وسط الغمر، غير بارزين بين اللدات والأقران، ثم نضجوا بعد ذلك واستبقوا، وكانت براعتهم في فنونهم خلال حياتهم نادرة عجيبة المثال؛ كما رأينا خلقا كثيرا من الناس كانوا في الحياة المدرسية سابقين أوائل طلاعي القمم في مجتاز الامتحانات، ولكنهم إذ انتقلوا إلى الحياة العملية لم يلبثوا أن تخلقوا واحتوتهم لجة الحياة فلم يظهروا، وقضوا أعمارهم تسلمهم المعايش من فشل إلى فشل، وتهوي بهم الخطى من إخفاق إلى إخفاق.

ولكن هذا الشذوذ في النبوغ، بين إبطاء تعقبه سرعة، وبين سرعة يعقبها تراخ وسوء منقلب، لا يرتفع بطبيعة الحال إلى خطر النبوغ المنظم المستوي على نهجه، الذي تأتلف نتائجه مع البوادر والقرائن والمقدمات.

Bog aan la aqoon