Buugga Muusikada Bari
كتاب الموسيقى الشرقي
Noocyada
صلى الله عليه وسلم : (لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود) فليس المراد به الترديد والتلحين، إنما معناه حسن الصوت وأداء القراءة والإبانة في مخارج الحروف والنطق بها.
وقال ابن غانم المقدسي - رحمه الله - في كتابه (حل الرموز): إن كثيرا من المتعمقين والمتقشفين كرهوا السماع وأنكروه أصلا وفرعا، وحقيقة وشرعا، وهذا غلط منهم؛ لأن ذلك يفضي إلى تخطئة كثير من أولياء الله - تعالى - وتفسيق كثير من العلماء؛ إذ لا خلاف أنهم سمعوا الغناء وتواجدوا وأفضى بهم ذلك إلى الصراخ والغشية والصعق، فكيف ينسب إليهم نقص وهم سالكون أتم الأحوال ، وإنما يحتاج ذلك إلى تفصيل ونظر في أهل السماع واختلاف طبقاتهم - فمن صح فهمه وحسن قصده وصقلت الرياضة مرآة قلبه وجلت نسمات العزيمة قضاء سره فصفا من تصاعد الأكدار طبعه، ونجا من بشريته وخيالات وساوسه وعري عن حظوظ الشهوات، وتطهر من دنس الشبهات، فلا تقول إن سماعه حرام وفعله خطأ. (محاورة فلسفية) اجتمع جماعة من الحكماء والفلاسفة في مجلس ملك من الملوك ففضل أثناء المحاورة أحدهم البصر على السمع بقوله: لا أنكر أن السمع والبصر هما من أفضل الحواس الخمس وأشرفها التي وهبه الباري جل ثناؤه للحيوان، ولكن أرى أن البصر أفضل؛ لأن البصر كالنهار والسمع كالليل - فقال أحدهم: لا بل السمع أفضل من البصر؛ لأن البصر يذهب في طلب محسوساته، ويخدمها حتى يدركها مثل العبيد - والسمع يحمل إليه محسوساته حتى تخدمه مثل الملوك.
وقال آخر: البصر لا يدرك محسوساته إلا على خط مستقيم - والسمع يدركها من محيط الدائرة.
وقال آخر: محسوسات البصر أكثرها جسمانية - ومحسوسات السمع كلها روحانية.
وقال آخر: النفس بطريق السمع تنال خبر من هو غائب عنها بالمكان والزمان - وبطريق البصر لا تنال إلا ما كان حاضرا في الوقت.
وقال آخر: السمع أدق تمييزا من البصر؛ إذ كان يعرف بجودة الذوق الكلام الموزون والنغمات المناسبة، والفرق بين الصحيح والمنزحف والخروج من استواء اللحن - والبصر يخطئ في أكثر مدركاته، فإنه ربما يرى الكبير صغيرا والصغير كبيرا، والقريب بعيدا والبعيد قريبا، والمتحرك ساكنا والساكن متحركا، والمستوي معوجا والمعوج مستويا.
وقيل إن بعض الحكماء كان جالسا عند بعض الملوك، فقال الملك: إن الإنسان يألف السماع إذا تعود مجالس الطرب، فقال له الحكيم: يألفه إن كان في طبعه استعداد - يعني من أصل الخلقة - فأنكر عليه الملك، وقال: هل لك دليل على ذلك - فقال: نعم - فأمر الحكيم بإحضار مائة طفل من بني الناس من أولاد الأمراء والوزراء والعلماء والكتاب والزراع والسوقة والعبيد وغيرهم، وكانت أعمارهم لا تزيد على عشرة أشهر وأحضروا في يوم معلوم من أول النهار، وقد هيأ لهم محلا في بستان وأمر الحكيم أمهاتهم أن يحجبن أنفسهن عنهم نصف يوم حتى أقلقهم الجوع الشديد، ثم أمر بردهم إلى أمهاتهم مرة واحدة ليرضعنهم، وبينما هم مشغولون بالتغذي، إذ أمر الحكيم بضرب آلات الطرب دفعة واحدة، فمنهم من ترك التغذي شاخصا نحو الصوت محركا أعضاءه وهو يضحك، ومنهم من ترك التغذي ساكنا لا يتحرك، ومنهم من جعل يلتفت مرة ويتغذى أخرى - ومنهم من جعل يحرك رجليه ويديه ولم يترك التغذي، ومنهم من بذل همته في التغذي ولم يلتفت، فعند ذلك ظهر للملك صحة ما قاله الحكيم، ولله في خلقه ما يشاء.
وأما تأثير السماع على الحيوان غير الناطق، فما ورد من أن الطيور كانت تلقي بنفسها وتصغي لقراءة داود - عليه السلام - مزاميره، فصوته الحسن حتى إن بعضها يموت من شدة الطرب. (وكانت أصوات الأنبياء كلها حسنة) قال الراجز:
والطير قد يسوقه للموت
إصغاؤه إلى حنين الصوت
Bog aan la aqoon