لطالما انتظرت تلك اللحظة! وها قد جاءت لي أخيرا الفرصة التي انتظرتها طويلا للإمساك بذيل الثعلب الأبيض الجميل وسط العتمة. وليس أمامي إلا الاعتراف - أنني وأنا أفكر - أن وضع ريكو الحالي هو الأكثر أصالة فيها والأكثر طبيعية وسط أوضاعها المتعددة، وأنه كان يكمن داخل قلبي حلم عنيف وحاد؛ انحرف عن وضع طبيب التحليل النفسي.
أصبحت هذه الغرفة موطن قلب ريكو الأصلي والحقيقي كأنها موطن السلام النفسي لها، وربما كان وجودنا معا هكذا في غرفة مغلقة علينا، تحقيقا واقعيا للوطن المثالي النادر الوجود، حتى بالنسبة لي أنا الذي عانيت كثيرا معها؛ إنها حالة تلاقي قلب وقلب مباشر، بعد أن حجب عنا كل شيء يخص العالم الخارجي، وابتعدنا عن كل ما يتعلق بضوضاء العالم الإنساني المتنوعة؛ صخب ليل المدينة، وكلمات المحبين وعراكهم، وإضاءات النيون الإعلانية، وركوب موجات الرقص المجنونة، وعاهرات الطريق وغمزهن الخاطف للعيون، وجيوب فقيرة لشباب لا يملك مالا، ونظارات الشمس التي تلبس في الليل، والعرض الأخير لفيلم في دار السينما، ونوافذ عرض محل مجوهرات أغلق أبوابه مبكرا؛ تتراص فيها علب قطيفة فارغة، وصرير خفيف لعجلات سيارة تسرع في الليل، وضجيج إنشاءات سكك حديد الأنفاق ... إلخ.
كنت أثق بنفسي ثقة الخاسر السيئ. وأحتقر جميع الرجال، بالقول إنني أعرف ريكو جيدا أكثر من أي رجل آخر يعرف أعماق جسدها. لا يستطيع هؤلاء الرجال لمس شعوريها العميقين داخلها؛ فرحتها ورعدتها من الخوف، مثلي أنا؛ إنه المكان العميق الحقيقي داخلها، مهما تذوقوا كل جزء من بشرتها الجميلة، ومهما دخلوا في تجاعيد جسدها بالتفصيل. الدليل أفضل من التنظير؛ لننظر إلى الشاب إغامي، لننظر إلى الخطيب الراحل. وأخيرا لننظر إلى الشاب هاناي.
إن جسد ريكو يشبه المدن الكبرى في نقاط عديدة. وبصفة خاصة يشبه مدينة كبيرة تتألق في الليل تحت الأضواء، في كل مرة أذهب إلى أمريكا وأعود لمطار هانيدا في الليل؛ حتى طوكيو - تلك المدينة الكبرى الدميمة - عندما أنظر إليها ليلا من الطائرة أعرف أنها ليست إلا امرأة مستلقية على جنبها بكآبة؛ وقطرات العرق تلمع على جميع أنحاء جسدها ...
لا أستطيع مهما فعلت إلا رؤية منظر ريكو التي ترقد أمام عيني ... هكذا. تختفي داخلها كل أنواع الفضائل وكل أنواع الموبقات. وعلى الأرجح فإن كل رجل، على حدة، يستطيع أن يسبر أغوار جزء منها فقط. ولكنه في النهاية لن يستطيع أن يعرف سرها الحقيقي ولا يعرف هيئتها الكاملة. وفي هذه النقطة يمكنني بالتأكيد القول إنني في موضع يشبه القائد العام للشرطة الذي تتجمع لديه الوثائق الخاصة بتلك المدينة الكبيرة. - «جربي أن تقولي ما تريدين قوله أيا كان.»
هكذا حثثتها على الكلام، ثم وضعت على الورق سن القلم الرصاص المسنون.
34 «إنه المقص مرة أخرى ... يظهر لي المقص مهما فعلت.
أشعر كأنني كنت أبحث دائما عما يسمى «مقص يعزف موسيقى»، ولكن أين هو ؟
أحس نوعا ما كأن له علاقة بالموت، وأحيانا ما أفكر أن المقص إنما هو منجل ملاك الموت متنكرا.
لم أخبرك بذلك من قبل، لقد حدث في طفولتي أن استحممت مع أبي وترك عضوه الذكري لدي انطباعا قويا، ولكن من المؤكد أن ذلك كان قبل حادثة تهديد أقاربي لي بالمقص ونحن أطفال. لقد كان ضخما وناضجا وبالغ السواد، فشعرت بنفور لا يمكن وصفه بالكلمات، وشغل بالي بعنف، واندهشت كيف يخفي أبي ذلك الشيء عندما يرتدي ملابسه؛ فجسد المرأة ليس به مثل هذا الشيء الذي يصعب إخفاؤه.
Bog aan la aqoon