كان هناك أقوال مبالغة في الإثارة مثل: «يا مدمر الحياة الشخصية للأفراد. يا آكل أسرار الناس الشخصية. انتحر اعتذارا عن ذنبك ذلك.»
وأقوال أخرى بها نبرة إقناع مثل: «يجب أن تترك هذا العمل الشائن بأسرع وقت ممكن. ألا تنتبه إلى الجراح التي تسببها بيدك شخصيا إلى الكرامة الإنسانية؟»
وكذلك أقوال تنم عن ضعف أخرق مثل: «أنت تستهين بأنك تعيش على أسرار الناس الهامة. بسببك اضطررت إلى اختيار الموت بدون رأفة ولا رحمة.»
وثمة بطاقات بريدية ليس بها إلا ما يشبه رسوم الكاريكاتير فقط. وحش يشبه كلاب البولدوغ المرعبة؛ وضع في طوق عنقه لافتة باسم شيومي، يضع بيديه إنسانا ضعيفا في فمه ليلتهمه. تلك الرسوم التي تشبه طراز الرسام «غويا»، جعلتني أشعر أن الكاتب متعلم تعليما رفيع المستوى.
ومع مرور الأيام أصبحت أستمتع بتلك التحولات والتغيرات التي لا حصر لها، والجمل التي تطابق المنطق تطابقا مفرطا بالنسبة لمريض فصام، أصبحت أدرك أنها تخرج في النهاية من منبع غضب واحد، وتحمل هدفا مختفيا واحدا. بدأت أحمل تأكيدا واحدا تجاه كاتب تلك الرسائل حتى وإن كنت لا أملك موهبة كبيرة في البحث والتحري.
وأثناء ذلك أصبحت الرسائل تطلب مقابلتي، وبعد ذلك تغيرت تماما، وأصبح أسلوبها بريئا. ولا أعرف ما الشيء المختفي وراء ذلك، ولكن بدأ غضب الكاتب يخف تدريجيا بدون أية مساعدة مني، ليس هذا فقط؛ بل ظهرت حتى نبرة تصفني بالصديق بسبب الرغبة في التحدث بزهو وتفاخر. وأنا مع شكي من تلك النبرة المختلفة، بدأت أفكر أنه حان الوقت لكي يظهر ذلك الكاتب المجهول.
اعتذرت الرسائل عن وقاحتها السابقة، واستهلك الكاتب العديد من الجمل والكلمات في الدفاع عن نفسه دون أن يلمس، ولو قليلا، صلب الموضوع، فتحدث عن أنه ليس فقط شخصا غير خطير، بل ويقول إنه يحمل تجاهي تبجيلا سابقا، وهذا الذي جعله يسلك سلوكا عكسيا، وإنني سأفهم ذلك عندما أقابله. وتبع ذلك بتحديد مكان وموعد المقابلة من تلقاء نفسه، ولكنني بالطبع لم أذهب. وعندها أرسل شكوى من الانتظار فقط؛ قائلا: «ولأنني أعتقد أنك أخطأت يا دكتور في التعرف إلي؛ لذا أرسل لك صورة لي مع الرسالة.» وعندما رأيت تلك الصورة لم أشعر إلا بمشاعر الرضا عن النفس لصدق توقعي بمهارة. كانت بلا أي مجال للشك صورة شاب «بوجه أبيض، متناسق الملامح، وعيناه صافيتان، ولكن تنعدم فيهما روح الحياة.» يرتدي سترة سوداء. من ناحيتي كتبت له ردا هذه المرة أنني يسعدني أن أستقبله في عيادتي بعد أن أحدد أنا له موعدا إن كان ينوي أن يدفع تكلفة التشخيص وتكلفة العلاج. وعلى الأرجح فإن الشاب سيأتي حتى وإن اضطر لدفع تلك المبالغ. فأنا لم أنس سطرا في خطاب ريكو يقول إن الشاب يلبس ساعة غالية الثمن جدا.
24
زادت أمراض الشباب النفسية مع تلاحق الأيام في الأيام الأخيرة؛ حتى الشباب الذين يبدو أنهم في منتهى الصحة، أصبحوا يزورون عيادتي ببساطة وبدون تكلف. ومن وجهة نظري الشخصية، يبدو أنه حدثت زيادة في المرضى النفسيين - من ذوي البنيان الجسدي الرياضي الذين لا يمكن تخيل ذلك من مظهرهم الخارجي - أكثر من النوع الشاحب الضعيف الذي توحي به كلمة الوهن النفسي في الماضي. إن المثل المشهور الذي يقول «العقل السليم في الجسد السليم»، هو ترجمة خاطئة؛ فجملة الشاعر الروماني يوفيناليوس
5
Bog aan la aqoon