Dhibaatada Culuumta Bini'aadanimada
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Noocyada
ومن ثم لم يوجه ماركس الأنظار إلى التعارض بين العلم والأيديولوجيا إلا في مرحلة متأخرة مع مراحل تطوره الفكري، وهي المرحلة التي ظهر فيها «رأس المال».
ها هنا لفت ماركس الانتباه إلى أن مصالح الأيديولوجيا البرجوازية تشوه علم الاجتماع الوضعي الناشئ حديثا، والواقع أن أوجست كونت نفسه اعترف بأنه أسس هذا العلم مدفوعا بتمزق المجتمع بين صراعات التقدميين والمحافظين، ليغدو هذا العلم ليس فقط ضرورة معرفية، بل أيضا مطلبا أيديولوجيا؛ إذ إننا ندرس لكي نضبط، وقوانين المجتمع هي الوسيلة الوحيدة لخلق التوافق والانسجام بين قوى التقدم الثائرة وبين النظام الاجتماعي، فنتمكن من الحفاظ أو الإبقاء على الوضع القائم محققين مصالح البرجوازية، لعل ماركس إذن مصيب في هذا، ومصيب أيضا في تأكيده على أن علم الاقتصاد البرجوازي - هو الآخر - يحوي جوانب علمية وجوانب أخرى أيديولوجية، وبطبيعة الحال «استبعد ماركس العلوم الطبيعية من الأيديولوجيا أو من احتوائها على تشويه أيديولوجي، واعتبرها مثال الدقة والضبط والموضوعية (تبعا لما أوضحناه من مادية تعني أسبقية الحياة الواقعية على التمثلات الذهنية) رأى ماركس أن الإنسان لا يستطيع أن يحل في فكره التناقضات التي لا يستطيع حلها في الواقع، ومن ثم فإن دور العلم هو كشف التشويه الأيديولوجي.»
أما القضاء عليه فمرهون بتغيير الواقع.
29
والمشكلة أن ماركس بعد أن قطع كل هذا الشوط عاد ليعالج الخطأ بالخطأ المضاد، فكل ما فعله هو تأسيس علم اجتماع - وأيضا اقتصاد - ليس متحررا من التشويه الأيديولوجي، بل بالعكس أكثر انصياعا للمصالح الأيديولوجية، لكن البروليتارية. وربما كانت حجته أو ذريعته في هذا أنه يهدف إلى مرحلة علمية تكون نهاية الأيديولوجيا بظهور المجتمع اللاطبقي «أو بتحقيق المصالح البروليتارية في دوران منطقي واضح سيؤدي إلى نتائج عكسية كما سنوضح الآن.»
إذ يمكن القول إن لينين
V. I. Lenin (1870-1924) عمل على تدارك هذا بأن أعطى الأيديولوجيا مفهوما يختلف عن مفهوم ماركس لها، فبينما أعطاها ماركس معنى ودورا معرفيا، فإن لينين اعتبر الأيديولوجيا هي مجموع أشكال المعرفة والنظريات التي تنتجها طبقة معينة للتعبير عن مصالحها، ومن ثم يغدو ثمت أيديولوجيا بروليتارية، كما أن ثمت أيديولوجيا برجوازية، وبذلك ارتبطت الأيديولوجيا بالطبقة بصرف النظر عن تقييمها المعرفي، وأصبحت تعيينا للوعي الطبقي، وبعد أن كانت الأيديولوجيا نقيضة العلم فقدت هذا المعنى الماركسي النقدي، وأصبح من الممكن مع لينين التحدث عن أيديولوجيا علمية، وأخرى غير علمية، وطبعا الأيديولوجيا «العلمية» عند لينين هي البروليتارية! فأصبح العلم فريسة للأيديولوجيا أكثر من أي وقت مضى - مهما كان برجوازيا - واستأثرت الأيديولوجيا اليسارية بتشويهها علم الاقتصاد بالذات لتتسرب إلى خلاياه، وهو من أوثق العلوم الإنسانية ارتباطا بالرياضات، والنمذجة الرياضية، والإحصاء الرياضي خصوصا في علم الاقتصاد التحليلي، وعلم الاقتصاد الرياضي، ولم تنج من هذا الفيزياء ذاتها، هكذا لفت ماركس الانتباه لمسألة التشويه الأيديولوجي، ولكن بدلا من أن تعمل الماركسية - أي الاشتراكية العلمية - من بعده على تلافي هذا التشويه راحت ترسخه، وتستغله لتحقيق مصالحها لا مصالح البحث العلمي، وسيظل تغني الماركسيين الزاعق بالعلم البرجوازي والعلم البروليتاري «وأيضا الفن البرجوازي والفن البروليتاري» من أوضح الأمثلة على قوى التشويه الأيديولوجي، وحين تتعاظم حتى تصبح تبريرا وتسويغا للمشروع العلمي ذاته، أو لممارسة النشاط العلمي أصلا، أو بتعبير بول ريكور بعد أن كانت الأيديولوجية تزييفية أصبحت تبريرية، وقد لامس ماركس نفسه هذا المعنى الثاني للأيديولوجيا؛ حيث أعلن أن أيديولوجية الطبقة السائدة تتحول دائما إلى أفكار سائدة بفعل سطوتها وقدرتها على تقديم ذاتها كأفكار كونية شمولية
30
فيسهل عليها التسلل إلى معاقل العلم.
ومع هذا استمر الفكر الماركسي في إغفاله خطورة التشويه الأيديولوجي للعلم وفي استغلاله. وأكد جورج لوكاتش
Bog aan la aqoon