Dhibaatada Culuumta Bini'aadanimada
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Noocyada
العلوم الإنسانية منطق تخلفها النسبي
نأتي للعلوم الإنسانية، لنلقاها هي الأخرى - بلا جدال - تحمل في حد ذاتها ما يضاف إلى الرصيد العلمي للقرن العشرين، لكن (وهذه ال «لكن» هي محور دراستنا) لم يتكون بعد نسق متكامل من القوانين التفسيرية في أي مجال من مجالات العلوم الإنسانية، يماثل من حيث القوة المنطقية أنساق القوانين التفسيرية في أقل فروع العلوم الطبيعية حظوة من التقدم.
وهذا التخلف النسبي هو أساس ما يعرف بمشكلة العلوم الإنسانية، إنها إشكالية ملحة، تؤرق باحثيها والمهتمين بشأنها أجمعين. ويندر أن يتعرض عمل لفلسفة العلوم الإنسانية ومناهجها، ولا يشير إلى تخلفها النسبي عن العلوم الطبيعية، حتى قيل إن وجود علوم طبيعية على أساس منطقي مقنن ومنهجي راسخ، مثل بالنسبة لباحثي العلوم الإنسانية «التحدي الذي ينبغي عليهم مواجهته للوصول بعلومهم إلى مستوى يقارب مستوى العلوم الطبيعية».
1
في هذا الصدد لا بأس من ذكر فيلهلهم دلتاي
W. Dilthey (1838-1911) على الرغم من الخلاف الحاد بين طريقنا وطريقه؛ ذلك لأنه في طليعة الرواد الذين استشعروا بعمق وأصالة مشكلة العلوم الإنسانية حديثة النضج والنماء، وعجزها النسبي عن تحقيق التقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية، كان أن حصره دلتاي في مشكلتين: «الأولى أن العلوم الإنسانية ما زال يعوزها تصور واضح، ومتفق عليه عن أهدافها ومناهجها المشتركة والعلاقات بينها، إذا ما قورنت بما هو سائد في العلوم الطبيعية. والمشكلة الثانية هي أن العلوم الطبيعية تزداد منزلتها ومكانتها نموا واطرادا بحيث ترسخ في الرأي العام مثلا أعلى للمعرفة لا يتلاءم مع التقدم في العلوم الإنسانية».
2
ورفض دلتاي موقف كل المثاليين والتجريبيين، أو باصطلاح كارل بوبر المعارضين للمذهب الطبيعي والمؤيدين له. وتعهد دلتاي بتأسيس العلوم الإنسانية على نحو أكثر نسقية ومنهجية، وبوصفها شديدة التباين - منهاجا وتطبيقا - عن العلوم الطبيعية، هذا من حيث كونها نسبية متغيرة وفقا للأنماط والإيقاعات التاريخية للسياقات الاجتماعية، أو الثقافية حسب اصطلاحه المفضل. فكان لدلتاي تأثير كبير على الدراسات التاريخية، بحيث أصبح المؤرخون في حل عن تحقيق السمة العلمية الدقيقة في أبحاثهم.
3
وكان له أيضا أثر أقل في الدراسات الإنسانية أو الاجتماعية. وهو رائد مهد الطريق الذي اختطته فيما بعد الفينومينولوجيا، وسوف نعرج عليها في مقبل حديثنا.
Bog aan la aqoon