Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
إنني إذ أتلمس الحياة، أجدني أسعى إلى الموت،
وإذ أسعى إلى الموت، أجد الحياة. فأهلا به. (3، 1: 41-43)
بالإقبال على الموت، والاستغناء عن عدم الرضا الدائم عند الأحياء، يكتشف كلاوديو نوعا من الحياة أعمق وأحلى. ولا يعني هذا مقارنة بين الموت والرغبة، بل إقرار بأن الرغبة ذاتها، بشكلها الدنيوي، ما هي إلا سلسلة تافهة من «الميتات الصغيرة» (إفراغ اللذة)، وهي بذلك تنبئ بتوقفها، فحب الموت بدلا من الحياة، ومعانقة ظلمته كما يعانق المحب حبيبه، لا يعني رفض الرغبة بل التطلع إليها في أنقى صورها. فذلك يعني رفض المساومة على الرغبة؛ الإقرار بطبيعتها السامية بدلا من ملء فراغها المؤلم بهذا الصنم أو المعبود أو ذاك. فقانون الرغبة قانون متمرد، يرفض الآلهة الزائفة والتماثيل المنحوتة، فالإقبال على الموت ليس حبا مرضيا للموت، بل إخلاص محب لجوهر الهوية الذاتية، جوهر يتجاوز كل الأشياء التي تتعلق بها الرغبة وهو ليس إلا فائضا فارغا يسمو فوقها. فبعكس المفكرين ما بعد الحداثيين، فإن لاكان أحد الأنصار المخلصين للمذهب الجوهري؛ فبالنسبة له، جوهر الإنسانية - الرغبة - نوع من العدم. إن من يبذلون الكثير في الحياة، ويستوقفهم هذا الشيء المحبوب الفاني أو ذاك، هم غير المخلصين للشيء الأكثر اتصافا بالحياة في داخلهم.
إلا أن الثمن الذي يدفعه الإنسان لقاء الإخلاص كبير، فكما يكتب سلافوي جيجك، فهؤلاء الناس - الذين يعتبر أوديب، الشخصية التي أبدعها سوفوكليس، أحد أعظم نماذجهم - «قد عاشوا «الحالة الإنسانية» حتى نهايتها المريرة، مدركين احتماليتها الأساسية؛ ولهذا السبب لم يعودوا من ناحية «بشرا» وتحولوا إلى وحوش غير إنسانية، لا تردعها أي قوانين أو اعتبارات إنسانية.»
1
وهم يجسدون في بؤسهم الشديد رعبا لا يوصف؛ الإنسانية العارية غير المزينة التي تحتاج - شأنها شأن ضحايا معسكرات التعذيب النازية المخيفين - لشجاعة رهيبة لكي ننظر إليها ونتابع العيش. فهي تكون عندما نصبح في أنقى صور إنسانيتنا، عندما نجرد من كل الأوسمة الثقافية، لدرجة أن نصبح أبعد ما يكون عن الإنسانية وأشد وحشية وتشوها؛ فهؤلاء الذين يواجهون النظام الواقعي يتحركون كما رأينا في منطقة رمادية بين الموت والحياة، الإنسان فيها «يواجه دافع الموت باعتباره أقصى التجارب الإنسانية، ويدفع الثمن بمروره ب «فاقة ذاتية» شديدة؛ إذ يختزل إلى فضلات متحللة.»
2
وبلغة المسيحية فإننا نتحدث عن نزول المسيح إلى الجحيم، وهي علامة التضامن مع العذاب واليأس البشريين اللذين من دونهما لا يمكن أن يوجد بعث من الموت.
تلومنا الرغبة - كما يفعل السمو الكانطي - على انخراطنا في الواقع العادي، حيث تذكرنا في صرامة أن مكاننا الحقيقي في الأبدية. وهي ليست أبدية يمكننا نيلها كما في العقيدة المسيحية، بل هي أبدية السعي إليها، كما عند شخصية فاوست لجوته، فالرغبة الدائمة هي النسخة العلمانية من الخلود. فهي أبدية تلوح في شكل سلبي في عجزنا الدائم عن الوصول للرضا، كما لو كان هذا الإحباط عينه يشير فيما وراءه لنوع من الرضا لا يمكن تصوره الآن، وهو أقصى ما سنعلمه عنه. فالإخلاص لعدم الوجود الذي يمثلنا لا يعني السعي للحياة الجيدة (وهو السعي التقليدي للأخلاق)، بل يعني تعلم كيفية التعايش مع هذا الإحباط الأساسي فينا. إنه باختصار نوع من اللاهوت السلبي الذي نظل مؤمنين فيه برب قد فشل. وهذا أيضا فيه صدى للعقيدة المسيحية التقليدية التي ترى أن الرب الوحيد الجيد رب ميت، والانتصار الوحيد الذي نحققه هو ذلك الذي ينتزع من الفشل.
ويعني عدم التخلي عن رغبتنا أن نعيش في انتظار يملؤه السرور لقدوم مخلص لن يفعل أي شيء حاسم بخلاف قدومه، ومع ذلك يظل منتظرا بفارغ الصبر لهذا السبب بالتحديد. فنحن بوصفنا مخلصين مطيعين للنظام الواقعي نظل متمسكين بعدم الرضا، كما فتن القديس أوجستين بإله، عنده وحده، تحط الرغبة رحالها. فرغبة النظام الواقعي هي نسخة - على طريقتها الخاصة - من عبارة القديس أنسلم الغريبة: «إنني مؤمن لأن ذلك مستحيل.» فعلينا أن نجتهد لنصل إلى الكمال في نقصنا، فيترسخ مكاننا دائما في غياب الوجود المأساوي الذي يمثلنا. إن لزوم الرغبة للذات هي ما يجب علينا أن نرفض إفساده، فاستهداف خير أسمى - فلنقل خير عاما أو حب الجار - في إطار هذه النظرة هو اختصار سلسلة الدلالات التي قد تمتد لما لا نهاية التي هي الرغبة، والسعي لمواجهة الشيء الكبير المفقود والمطارد وجها لوجه؛ ومن ثم المخاطرة بالوقوع في الاضطراب النفسي بلغة لاكان، تلك المواجهة المباشرة الصادمة مع النظام الواقعي عند الذين تعطلت لديهم القدرة على الترميز.
Bog aan la aqoon