91

Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Noocyada

وإذا لم توجد أي أفعال أخلاقية أو غير أخلاقية فذلك يرجع إلى أن هذه الأيديولوجيا للسلوك الإنساني تقوم على مفهوم خاطئ للإرادة؛ إذ ليس ثمة إرادة حرة، وإن كان القول إن الإرادة غير حرة ما هو إلا عكس نفس المفهوم الخاطئ، فمفهوم الإرادة الحرة نتيجة للرغبة المرضية في المعاقبة والإدانة. فإن كانت الأفعال الأخلاقية تقتصر على الأفعال الناشئة عن حرية الإرادة - كما يعلق نيتشه ساخرا في عمله «الفجر» - فليس إذن ثمة أفعال أخلاقية على الإطلاق. إن تصور أن الناس يتحركون بإرادتهم ويقررون مصيرهم بصفة كلية؛ ومن ثم فهم مسئولون مسئولية كاملة عن أفعالهم، لهو بقعة عمياء للأخلاق «الرمزية». على العكس، فإن كل ما هو واع ومعروف ومرئي ومقصود في الفعل - كما يكتب نيتشه عمله في «ما وراء الخير والشر» على طريقة فرويد - يخص ظاهره فقط. وما يسمى بالإنسان الحر ما هو إلا شخص يستوعب بداخله قانونا بربريا؛ ومن ثم يوجه نفسه باعتباره مواطنا خاضعا؛ ومن ثم لم يعد في حاجة إلى قسر خارجي. وحيث إن القانون في حاجة لموضع كي يزرع نفسه فيه، فهو يطرق بداخلنا باب الندم والمرض والضمير الفاسد الذي يفضل البعض تسميته بالذاتية. إن هذه الجوانب من فكر نيتشه - من بين أخرى - هي ما سيرثه لاحقا ميشيل فوكو؛ إذ يتوسع العالم الداخلي ويتمدد مع انقلاب الغرائز - الصحية في الوضع الطبيعي - الموجهة للخارج على نفسها تحت سطوة قوة القانون القهرية لتتمخض عن «الروح» والضمير، هذا الشرطي الموجود بداخلنا جميعا. وفي نفس الوقت تحصل الذات المتعة المازوخية من القانون التأديبي أو الأنا العليا المثبتة بداخلنا. فالحرية هي معانقة الإنسان للأغلال المصفد فيها.

لا يقصد من هذا القول أن نيتشه مؤمن متعصب بالجبرية، بل يقصد أنه يسعى لوضع نظرية في علم النفس أكثر دقة من الأفكار شديدة التبسيط التي يجدها جاهزة أمامه، نظرية تنقض التعارض التقليدي بين الحرية والضرورة. وسيقوم بهذا من خلال دراسة عملية الإبداع الفني، التي هي من ناحية دافعه من البداية إلى النهاية، والتي لا ترتبط بأفعال الإرادة ولا بالضرورة، فمعظم الناس على أي حال لا يرقى فكرهم إلى هذه المثل العظيمة كالاستقلال والمسئولية، فما أفعالهم إلا ردود فعل شرطية لطبائعهم، بحيث يصير المدح أو الذم الأخلاقي في حالتهم في غير محله إطلاقا. فالجموع ليس من الممكن تحميلها المسئولية عن الشبكة المعقدة من القوى الخفية التي تشكل شخصيتهم شأنهم في هذا شأن النمر مثلا.

إن كان نيتشه قد هاجم النظام الرمزي، فقد هاجم أيضا النظام الخيالي. ومثلما يزعم سبينوزا أن أخلاق الجماهير تكمن في التعامل مع العالم باعتباره مرآة لتحيزاتهم وميولهم، فإن نيتشه يعتبر أن الأحكام الأخلاقية تنبع من النزعة إلى الشعور بأن كل ما يؤذي النفس شر وأن كل ما ينفعها خير. كما تتخذ هذه الأنوية صورة جماعية في المجتمع نفسه؛ إذ يرى أن فكرة وجود ملكة أخلاقية فطرية هي فكرة في قمة السذاجة. فعندما يتصور الإنجليز أنهم يعرفون ما الخير وما الشر على نحو فطري، كما يقول متهكما في كتابه «أفول الأصنام»، فهم ضحايا الخداع الذاتي. فالفضيلة التقليدية أكثر من مجرد «محاكاة» كما يقول في نفس الكتاب؛ ومن ثم فهو ينكر رؤية بيرك الخاصة بالتبادلية الأخلاقية، بل إن إحدى نقاط اتفاقه النادرة مع فلاسفة أخلاقيين مثل هيوم هي معاداته الشديدة للواقعية، فالقيم الأخلاقية عنده - كما عند سلفه في القرن الثامن عشر - ليست موجودة مسبقا في العالم، فهي أجزاء من محتويات العالم التي نصنعها بأنفسنا، وليست أشياء نجدها على نحو مسبق أمامنا.

كما أنه رافض بنفس القدر للإحساس والعاطفة، فالعواطف ما هي إلا أعراض شعورية لما تعلمنا اعتقاده، فإن بدت طبيعية وتلقائية كما الحال عند هيوم وهتشسون فذلك لأننا ببساطة نجحنا في أن نستوعب بداخلنا قانونا أخلاقيا لا أساس له. ويقول نيتشه في عمله «الفجر»: إن وراء الافتراض المهذب بأن الأفعال الأخلاقية أفعال تقوم على التعاطف مع الآخرين يكمن خوف أساسي مما يمثله الآخرون من تهديد لنا. فحب الجار، كما يشير نيتشه في عمله «ما وراء الخير والشر»، سببه الأساسي الخوف من الجار. فهو حذر ثانوي اعتباطي تقليدي تماما؛ فالخوف هو «أبو الأخلاق» لكنه يتنكر عادة في صورة حب. ولا يختلف هذا المنطق كثيرا عن فرويد الذي يتبنى عددا من أفكار نيتشه.

إذا فالإيثار عند أنصار مذهب الخير مرفوض باعتباره كله خرافة، فأفكار التضحية والإيثار وإنكار الذات والنزاهة زائفة تماما، فالذات العاطفية هي ذات تعرضت للإخصاء؛ إذ ما من قدرة ذاتية داخلية على فعل الخير، فالناس بطبيعتهم حيوانات تنافسية أنانية، ودائما ما تنبع أي نزعة لإفادة الآخرين من المصلحة الشخصية. وإن كانت الأفعال الأخلاقية هي الأفعال التي نقوم بها بالكامل لمصلحة الآخرين، فهي إذن غير موجودة. فالشفقة الإنسانية مبالغ في قيمتها جدا، فهي رابطة تجمعنا بمن هم أقرب لإفسادنا؛ فالعاطفيون يتمتعون بالمعاناة البشرية، وهي ظاهرة يرى نيتشه أن أهميتها مبالغ فيها، فالإنسان الأعلى أو الأرقى يتقبل المحن، معتبرا إياها درسا ضروريا للإنجاز الإبداعي. من الممكن - قطعا - أن يقدم المساعدة للمحتاج، لكنه يقدمها بكرم الأرستقراطي الذي لا ينحني لا بحماس الشخص المحب للخير المنتمي للطبقة الوسطى. إن هذه الكائنات الروحية الضعيفة التي لا ترى أن الأخلاق هي السيطرة على النفس والتغلب عليها هم من «يمجدون العواطف الطيبة التعاطفية الخيرة لذلك النظام الأخلاقي الفطري الذي لا عقل له، بل هو ببساطة مكون فقط من قلب وأيد مساعدة.»

28

وفيما يتعلق بهذه المسألة، يميل نيتشه الذي ألف كتاب «في جنيالوجيا الأخلاق» لتمجيد «كل ما هو رفيع وشجاع ومقدام ومهيمن.»

29

فإرادة الخطر والإخضاع والألم و«المكر السامي» تستنزفها على نحو ماكر الإنسانوية الأخلاقية الجبانة؛ فالتعاطف والرحمة كما نعرفهما هما الفضيلتان المريضتان لدين العوام هذا - المسيحية اليهودية - وعرضا كره الذات والاشمئزاز من الحياة، اللذين أقنعت الطبقات الدنيا، ببغضها وحقدها، أسيادها بأن يتبنوهما. وبضربة عبقري شرير، نقل الضعفاء إلى الأقوياء عدوى عدميتهم المتقرحة وأطلقوا على هذه الحالة الكارثية اسم الأخلاق. وردا على ذلك يجب على الإنسان الأعلى أن يحصن نفسه ضد معاناة الآخرين، داهسا بركبه المرضى والضعفاء .

إن كانت الشفقة والتعاطف مقصورين على العوام، فكذلك مثل السعادة والمنفعة والرفاهية والخير العام. يكتب نيتشه ساخرا في عمله «ما وراء الخير والشر» قائلا: «وكيف يمكن ل «الخير العام» أن يوجد؟! فالمصطلح يناقض نفسه: فكل ما هو عام قيمته دائما ضئيلة.»

Bog aan la aqoon