Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
25
وثمة بعض من هذه المفارقة - مفارقة الوجود في هذا العالم دون أن نكون جزءا منه: الانفصال عنه وفي نفس الوقت المبالاة به - في فكر أتباع لاكان. عندما يلفت كيركجارد في كتابه «خوف ورعدة» إلى أنه «من العظيم أن يزهد المرء في رغبته، لكن الأعظم أن يلازمها بعد أن يزهد فيها»،
26
فهو يفكر في حب النبي إبراهيم لابنه إسحاق وأمله في سلامته، وهما حب وأمل يتمسك بهما حتى وهو يتخلى عنهما باسم إيمانه بيهوه. وكذلك يؤمن لاكان هو الآخر بوجود الرغبة التي هي مستحيلة والتي ينبغي مع ذلك التمسك بها.
ثمة علاقات أخرى بين الأبعاد الثلاثة؛ فقد يكون الإيمان والجمال في صراع لكنهما مشتركان في قرب يفتقر إليه البعد الأخلاقي، فاختيار النفس هو العمل الأخلاقي الأسمى، وهو يؤذن بظهور الذات القوية في إيمانها؛ لكن بما أنه يتوق للنفس بكل ما فيها من انحلال «جمالي» مخيف، فهو لا يغادر هذا النطاق. وكذلك فإن البعد الديني «يعلق» البعد الأخلاقي بدلا من أن يصفيه. مع ذلك لا يفهم كيركجاردر العلاقة بين الأخلاق والبعد الواقعي بالطريقة المسيحية التقليدية، فالإيمان في العهد الجديد ليس شيئا يتجاوز البعد الأخلاقي بقدر ما هو كشف لأساسه المطلق، المتمثل في حقيقة أن الذين يحبون دون تحفظ مآلهم الموت. ومن هذا المنطلق يمثل المسيح تحقق القانون الأخلاقي؛ إذ يكشف عن منطقه الداخلي المريع بدلا من أن يهدمه، فالإيمان لا يتعارض مع الأخلاق لأنه إيمان برب العدالة والحرية والصداقة والمساواة. إن ما يفرق الالتزام الإنسانوي بهذه القيم في الإيمان بالمفهوم المسيحي هو أن الأخير يتمسك بافتراض لا عقلاني هو أنه برغم كل الشواهد التاريخية فالغلبة لتلك القيم. وهذا - كما يرى هذا الإيمان في حمق أكثر - يرجع إلى أنها قد غلبت فعلا من وجه ما. •••
أما نيتشه فهو مفكر راديكالي على نحو مدهش، وليست نظرته للأخلاق استثناء في هذا الإطار، فبدلا من أن يتدخل في النقاش الأخلاقي ويزن هذه القيمة أمام تلك، فهو أحد أوائل المفكرين المعاصرين الذين تحدوا مفهوم الأخلاق في حد ذاته. وثمة متشكك آخر هو معاصره كارل ماركس الذي يرى أن الأخلاق في جوهرها أيديولوجيا. وهكذا هي عند نيتشه، وإن كان لا يستخدم هذا المصطلح. فالأخلاق عند هذين الفيلسوفين ليست قضية تتعلق بالمشكلات بقدر ما هي مشكلة في حد ذاتها. وكلاهما يربط بين الأخلاق والقوة بروابط جديدة لافتة للانتباه، فإن كان الخطاب الأخلاقي في نظر ماركس ينتمي للبنية الفوقية الاجتماعية التي تعيق - من بين أشياء أخرى - تطور قوى الإنتاج، فإن وظيفته الأساسية في نظر نيتشه هو منع ازدهار إرادة القوة. فالأخلاق كما نعرفها هي أخلاق «القطيع»، وهي تناسب بقدر كاف الجموع الجبانة المتدنية روحيا لكنها عائق أمام تلك الأرواح النبيلة الاستثنائية التي تتسم بأكثر من مجرد شبه عابر بنيتشه نفسه. فالأخلاق مؤامرة على الحياة من جانب الخائفين من المتعة والمخاطرة والبهجة والمشقة والوحدة والمعاناة والتغلب على الذات، فهي وهمية بقدر الخيمياء. ويجب أن تنهار هذه المنظومة المتعفنة الآن؛ حيث إن دعاماتها الغيبية آخذة في الضعف بصفة متزايدة.
إن كان كيركجارد يحتقر العامة، فإن نيتشه يتخطاه بسهولة في ذلك وبحقد بالغ، فكلا المفكرين يريان في الأعراف الاجتماعية تجنبا جبانا للمخاطرة المميتة التي هي أن يكون الفرد إنسانا. فالأخلاق في نظر نيتشه طغيان وحماقة وإذعان عبودي وكراهية سادية مازوخية. فهي غريزة القطيع الموجودة بداخل كل فرد التي تضبطه لئلا يكون أكثر من مجرد جزء من كيان جماعي بلا هوية. فهو كيان، إذ يخلو تماما من أي حقيقة أو أساس ويمثل انتصارا للجماعي على الفردي، لا يوجد إلا من أجل نمو المجتمعات والحفاظ عليها وحمايتها وليس التعزيز الضروري للحياة في حد ذاتها. وبذلك فإن الأخلاق من وجهة نظر نيتشه، المناصرة بشدة للمذهب الطبيعي، وظيفة علم الأحياء وعلم النفس والفسيولوجيا والأنثروبولوجيا والصراع اللانهائي على الهيمنة. فجذورها لا تكمن في الروح بل في الجسد، فهي لا يمكن اعتبارها بأسلوب كانط ظاهرة في ذاتها، بل لا يمكن تفسيرها إلا من منظور خارجها باعتبارها وظيفة ل «الحياة والطبيعة والتاريخ». يهتم نيتشه شأنه شأن ماركس بالتاريخ الطبيعي أو بالظروف المادية للأخلاق، ويرى أن الأخلاق لا تمثل سوى عرض لها، فالأعراف الأخلاقية ليس فيها أي شيء مهذب بل هي طاعة عمياء للعادات والتقاليد وما يمكن أن نسميه اللاوعي الاجتماعي؛ إذ تنبع القيم الأخلاقية المطلقة من الخضوع المستسلم للتقاليد والعواطف التي هي عشوائية كليا، فتاريخ الحكم الأخلاقي كله كان خطأ واحدا استمر طويلا، وإن كان - كما سنرى بعد قليل - خطأ بناء على بعض الجوانب. فعلينا أن ندمر الأخلاق إن أردنا تحرير الحياة، وذلك كما يؤكد نيتشه في كتابه «إرادة القوة».
لا يكاد يوجد جانب واحد في نظم الأخلاق التقليدية إلا واستنكره نيتشه بتعجرف؛ فالقيم الأخلاقية تضرب بجذورها في تاريخ من المعاناة والصراع والاستغلال: «فكم من الدم والقسوة يكمنان في أساس كل «الأشياء الجيدة» كما يعلق في كتابه «في جنيالوجيا الأخلاق» بأسلوب فالتر بنجامين.
27
إذا فكل نظام أخلاقي يكون غير أخلاقي عندما يقيم بمعاييره الرفيعة الخاصة. فانتصار فكرة أخلاقية كما يشير نيتشه في كتابه «إرادة القوة» يتحقق بنفس الطريقة التي يتحقق بها أي انتصار آخر؛ بالقوة والأكاذيب والافتراء والظلم. فما من حقائق ولا دوافع ولا نوايا ولا سمات أخلاقية ولا حتى ظاهرة أخلاقية على وجه التحديد من أي نوع.
Bog aan la aqoon