Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
فواقع أي شخص آخر ليس حقيقة عندي، فما هو إلا «احتمال»؛ إذ لا يمكن أن يوجد تواصل مباشر بين الأفراد المحددين غير القابلين للاختزال، ولا تعاطف خيالي أو إحساس فطري بالألفة فيما بينهم. ويتضمن هذا الاعتقاد أيديولوجيا الهوية القاتلة، أسطورة أن الذات يمكن أن تتساوى مع نفسها أو مع الآخرين، وليست غير قابلة للقياس على أي شيء سواها في الكون. إن فكرة الفضيلة - الاعتياد التلقائي على فعل الخير - يتم رفضها باعتبارها عقيدة وثنية، فهي خالية تماما من الجهد مقارنة بفكر كيركجارد شديد التزمت، حتى وإن كان - كما يقول معلق - «كل اهتمامه منصب على إثبات الذات وسعي الفرد للرضا.»
22
فالمحاكاة - وهي حجر الأساس في المستوى الخيالي - مرفوضة رفضا قاطعا، فلا يوجد فرد قادر على محاكاة أو تقليد الواقع الداخلي لغيره، فكل الناس «هويتهم غير معروفة». ويمكن للمجتمع في أحسن الأحوال أن يتطلع إلى «الوحدة السلبية للتبادل المشترك بين الأفراد»، وهي تبادلية ليست جزءا جوهريا من وجودهم من أي وجه.
23
يبرز كيركجارد إذن بصورة مناصر مبكر لهذا النموذج من الأرستقراطية الروحية المعروف ب «النقد الثقافي»، وهو إرث سنلقي عليه نظرة لاحقا. فهو نخبوي عابس يهاجم «الرعاع» دون تقيد؛ إذ يؤمن بأن عددا قليلا جدا من الرجال والنساء قادرون على أن يظهروا بحقيقتهم. فالديمقراطية هي عكس الوجود الحقيقي للفرد، والمناداة بالمساواة البشرية نوع من التسوية المشينة التي تقوض الروابط الإنسانية الملموسة وتبطل الاختلاف الفردي البحت. فالذات المجردة العامة في الحضارة البرجوازية ستنبذ في احتقار، فالتقدم الاجتماعي والنظام المدني والرأي العام والإصلاح الإنساني كلها شئون وضيعة تليق بالمستوى الرمزي التابع، الذي هو أدنى من المجال الرفيع للإيمان الفارس. يكن كيركجارد احتقارا لما هو إنساني وخيري، وما هو سنراه لاحقا عند أتباع لاكان؛ إذ يقول إن «الإنسانية المتأصلة» في الإيمان «أثمن من هذا الاهتمام الأحمق بسراء الآخرين وضرائهم الذي يحترم تحت اسم التعاطف لكنه ليس إلا عبثا في الحقيقة.»
24
فالعاطفة مفهوم لاكاني خالص.
فالرجال والنساء في العصر الحديث إذ يعجزون عن «الوجود» الحقيقي قد استسلموا دون مقاومة لدائرة المجهول واللاإنساني، للعموميات الوحشية وللكليات الجامدة، في عصر قضى بنحو تناسبي على الحكمة الروحية بتراكمه للمعرفة. إنها السيادة الصماء ل «المرء» عند هايدجر، انتصار الكمي والعمومي على الفريد ومنقطع النظير. وباللجوء للإيمان السيئ، يهجر الناس قضية الوجود الشخصي الحقيقي الإشكالية لينغمسوا في حلم أو آخر بالكلية: الخير العام، روح العصر، مجرى التاريخ، تقدم الإنسانية. وهم بذلك يتماهون بطريقة خيالية مع نظام اجتماعي دائما ما تختلف معه الذات المؤمنة في تشكك، فالتاريخ بعد هيجل لم يعد المكان الذي تجد فيه الذات انعكاس صورتها ولا غايتها. على العكس فإن الناس يجب أن يستمدوا الآن إيمانهم من منطق عام أكثر وضوحا وواقعية، فينسحبون من عالم أدنى إلى أعماقهم الداخلية. وسيلاقي المصير نفسه الفن في عصر الحداثة، وما قدمه كيركجارد هو تحويل عين الحرج واللاعقلانية المحيطة بالإيمان في حقبة عقلانية إلى نوع منحرف من الدعاية له.
قد لا يكون كيركجارد بصفة عامة مناصرا للمستوى الخيالي؛ لكن ثمة موضعا يلتزم به فيه بلا تحفظ، وهو في فعل الكتابة نفسه. فالقارئ - حسبما يقول كيركجارد في عمله «وجهة نظري بصفتي مؤلفا» - يجب ألا تقدم إليه الحقيقة المطلقة بأسلوب فظ، وهو ما سيرفضه حتما، بل يجب أن يؤخذ بيده إليها بصورة غير مباشرة، ويخضع لنوع من المفارقة السقراطية لكي ينكشف وعيه الزائف من الداخل بدلا من مواجهته مباشرة. فمن خلال تقديم سلسلة من الحجج الجزئية وتقمص شخصيات مستعارة، يمكن للكاتب أن يطلق سلسلة من الغارات غير النظامية على القارئ، فيسحبه من خلال الخيال والمفارقة والحيلة إلى لحظة قرار لا يسعه سوى أن يكون قراره هو وحده. وكما يقول سارتر بعدها بقرن، فلكي تكون الكتابة مفيدة أخلاقيا عليها أن تخاطب حرية القارئ. فهي - كما يصيغها كيركجارد - مسألة «تماش مع وهم الآخر»، مسألة دخول من باب التقمص العاطفي الخيالي إلى دائرة القيمة لديه مثلما يفعل الروائي مع شخصياته. وهذا باعتراف كيركجارد يشمل عنصرا خداعيا لا بد منه، تماما مثلما الحال في المستوى الخيالي. فالكتابة من هذا المنطلق عمل حواري يسترق باستمرار السمع لنفسه في آذان متلقيه ويراجع نفسه بالتبعية. الحقيقة هي الحقيقة بكل تأكيد؛ لكن في عالم الخطاب الإنساني الحقير يجب أن تتصرف بحكمة ملتوية، مثلما يتسلل الكاتب إلى «الأرض المجهولة» للقارئ كمندس في معسكر الأعداء.
ثمة تداخلات معقدة بين مستويات كيركجارد الثلاثة كما في مستويات لاكان الثلاثة، فالمستوى الديني يجب أن ينحني أمام المستوى الجمالي، وهو ما يعني أن المادة الخام التي يعتمد عليها المبشر في دعوته هي الجوانب الرديئة للتصور والرغبة. وينبه كيركجارد إلى أن الإيمان يجب أن يستوعب ما هو لا متناه لكن عليه أيضا أن يتمسك بقوة بما هو متناه: «إن عيش الإنسان حياته اليومية في ضوء جدلية اللامتناهي الحاسمة، واستمراره في الحياة مع ذلك، لهو فن الحياة وصعوبتها معا.»
Bog aan la aqoon