Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
شرد كل أبطال سوفوكليس الأقوياء - كما يشير لاكان - فيما وراء درع النظام الرمزي الحامي إلى منطقة الروح التي بلا معالم، يدفعهم احتياج راسخ أو نقاء خارق للطبيعة بخروجهم من حواجز الاحترام المهذب إلى مكان يتسم بالانعزال الشديد والانكشاف الذاتي، يبرزون فيه على غرار المقدس. فالمقدس يمثل تلك الأشياء الملعونة والمباركة على نحو غامض المعينة للموت، والتي إذ تقترن هكذا بالعلامات الخافتة على فنائها يمكنها أن تطلق قوة تحول شديدة. إن أتباع النظام الواقعي هؤلاء هم كلهم الكائنات البينية، تجسيدات محضة لدافع الموت، كائنات حية وغير حية معا، رجال ونساء موتى لكنهم لن يرقدوا. هي كائنات تتخلف في صالة مغادرة الحياة، أفراد يتحركون كما الأبطال التراجيديين دون رؤية بين مراتب الأموات الأحياء، والذين يمكن من خلال عذابهم الصامت الشعور بالموت ينتهك خلسة نطاق الأحياء. وبذلك فهم نماذج على حقيقة مفادها - بتعبير لاكان نفسه - أن «كل الكائنات تعيش في حالة من عدم الوجود» (294). فالرغبة في النهاية هي رغبة للا شيء، فهي لا تعدو أن تكون الشيء الذي يربط الرجال والنساء مع انعدام وجودهم؛ «اللاوجود» الذي يبقيهم في حركة مستمرة؛ فالتحليل النفسي هو البعث الجديد لحس الحياة التراجيدي لكن في صورة علمانية علمية. وقد صار في أيدي لاكان شكلا إلحاديا من الدين، يتعلق - مثل مشردي صامويل بيكيت - بخلاص لن يأتي أبدا؛ إذ يوضع مرتكز الدين - الرب - تحت الرقابة، لكن البناء الكلي الظاهر يظل سليما على نحو كبير، فما الرغبة في النظام الواقعي إلا ما عرفه أوجستين أو كيركجارد بالإيمان؟
إذا ليس ثمة خير أسمى، كما يبدو، فيما وراء التمسك العسير بالتوق إليه. ولاستنساخ بعض من تلاعب لاكان المتكلف بالألفاظ، فإن أي نظرية أخلاق للنظام الواقعي يمكن تلخيصها في الأمر التالي: استمر في نقصك! سأطرح بعض الشكوك حول هذا الأمر لاحقا؛ لكن في الوقت الحالي من المهم أن نفهم أن تحقيق رغبة الفرد «في النهاية» لا يعني تحقيق هدفها؛ فهدفها في النهاية لا شيء سوى ذاتها. فالبطل الأخلاقي اللاكاني - شأنه شأن شخصية فاوست لجوته - «لن يصل لذلك الخير (الأسمى) هذا إلا إذا نقى أمنياته في كل لحظة، في نفس اللحظة من الخير الزائف، واستبعد الزيف ليس فقط من احتياجاته - بالنظر إلى أنها كلها ما هي إلا احتياجات ارتدادية - وإنما أيضا من هباته أيضا» (300). وكما الحال مع قانون كانط الأخلاقي، فإن رغبة النظام الواقعي لا ناقة لها ولا جمل في عالم الاحتياجات والرغبات والاهتمامات، فهي زاهدة ومنكرة للذات كراهب كارتوزي. إن الأخلاق الكلاسيكية لا توجه نظرها لشيء أكثر غرابة من عالم الممكن، أما أخلاق النظام الواقعي ففي المقابل لا تهتم ب «شيء أقل من المستحيل الذي نعرف به خريطة رغبتنا» (315). وسنستعرض المميزات والعيوب الخاصة بهذا النظام الأخلاقي الخاص بالفشل البطولي في الفصل الأخير من الكتاب .
هوامش
الفصل السابع
شوبنهاور وكيركجارد ونيتشه
من الممكن بلا شك وضع نظم لاكان الثلاثة في صورة سرد تاريخي، سرد يتتبع في مجاز ماركسي سوقي صعود وأفول نجم الحضارة البرجوازية. وسيمثل هتشسون وهيوم والنظام الخيالي لحظة تفاؤل وثقة بالنفس بارزة؛ حيث لا يزال على الطبقة الوسطى، التي لا تزال متفائلة وتغمرها روح البهجة، أن تسجل كاملا النتائج الموحشة لأنشطتها، وتستمتع بمشاعرها الإنسانية، وتظل قادرة على تصور المجتمع باعتباره مجتمعا قائما على الروابط الشخصية. أما ما تلا ذلك مع كانط وهيجل فهو النظام الرمزي الأكثر تجريدا وتنظيما وموضوعية، وهو نظام - للمفارقة - اجتماعي وغير اجتماعي في نفس الوقت. وهذا هو ما يمثل أوج ثقافة الطبقة الوسطى، بأسسها الليبرالية والنفعية العظيمة، وحماسها للمساواة والخير الإنساني، ودعمها الباسل لحقوق الإنسان والحريات الفردية.
ومع نهاية القرن التاسع عشر وظهور أفكار شوبنهاور وكيركجارد وماركس ونيتشه التراجيدية أو المتشككة أو الثورية، أخذت تبرز تدريجيا أفكار الجمود والتأزم والتناقض، لتصل لأوجها، في نهاية عهد الأزمة الرأسمالية والصراع الإمبريالي البربري، في تأملات سيجموند فرويد الشديدة التشاؤم. إن هذه الحقبة بالكامل هي ما تمثل - إن جاز التعبير - فترة سطوة النظام الواقعي؛ حيث إن الرغبة، التي كانت مبهجة وإيجابية، قد كشفت الآن عن شيء مريض في جوهرها لا يمكن علاجه، وأخذت المفاهيم الحميدة عن السلطة تتراجع أمام مفاهيم القوة المفترسة أو السادية. ومع مجزرة الحرب العالمية الأولى وما خلفته من تبعات سياسية، يدخل النظام الرمزي الأوروبي في أزمة مطولة، في حالة تأمل الفاشية أن تنقذه منها بإجبار موارد النظام الخيالي (الدم والأرض والشعب والأمومة) على خدمة النظام الرمزي. وفي خلط قاتل بين النظم اللاكانية، يستغل ما هو بدائي ومهجور في سبيل السيادة والتأويل العقلاني. وتطوع الأساطير لخدمة عقلانية ذرائعية على نحو وحشي. وفي قلب هذه التجربة البربرية، في معسكرات الموت في وسط أوروبا والافتتان الفاشي بالموت يكمن الجانب المرعب في النظام الواقعي الذي يستعصي على التصوير.
يعج هذا السرد - شأنه شأن معظم الأساطير الكبرى - بما هو شاذ، فماذا عن كبار الفلاسفة العقلانيين في القرن السابع عشر؟ ماذا عن ديكارت ولايبنتس وسبينوزا؟ هل كانت فلسفة القرن الثامن عشر بكاملها أكثر وعيا؟ هل كان كل ما جاء بعد هيجل قصة بالغة الرعب؟ مع ذلك ما من شك بالتأكيد في أن المشروع الكبير للتنوير بدءا من شوبنهاور إلى فرويد قد رسا على شاطئ عالم واقعي عصي أو على جوهر صلب لإرادة أو رغبة أو دين أو تاريخ مادي، وهو ما يخل بتوازنه على نحو مقلق. فما يظهر عند هيجل في صورة العقل الخير يتحول على يد شوبنهاور إلى الإرادة المتلهفة التي لا تشبع، وهو ما أثر في أفكار فرويد نفسه عن اللاوعي. في حقيقة الأمر، يمكننا قراءة كتاب شوبنهاور المبالغ في الكآبة «العالم إرادة وتمثلا» باعتباره سخرية مريعة من فكر زميله الأكاديمي هيجل، سخرية أبقي فيها على الصور العامة لعدد من مفاهيم هيجل (الحرية، والعدل، والعقل، والتقدم)، لكنها فرغت من مضمونها الجليل، وملئت في المقابل بمحتويات الحياة اليومية المنحطة للطبقة الوسطى؛ الطمع والشهوة والصراع وما شابه. إذ لم تزل الفلسفة مع شوبنهاور تتمتع بثقة كافية في صورها بحيث تقوم بالتوحيد والتعميم، لكن مضمونها لا عظة فيه. الأمر يبدو وكأن الضراوة الفظة للبرجوازي العادي قد ترقت لتكتسب مكانة كونية، لتعتبر المحرك الغيبي الأساسي للكون بكامله.
1
إن الإرادة عند شوبنهاور - شأنها شأن الرغبة عند لاكان - يحركها النقص: «كل «الإرادة» تنبع من النقص، من العوز؛ ومن ثم من المعاناة.»
Bog aan la aqoon