77

Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Noocyada

كان النظام الواقعي في العقدين السابع والثامن من القرن الماضي - على الأقل في النظرية الثقافية الإنجليزية - بدرجة كبيرة العنصر الأقل تقديرا في ثلاثية لاكان، والأقل حظا من الفهم بالتأكيد. ولم تظهر الأهمية المتزايدة لهذا النظام في فكر لاكان إلا في العقود الأخيرة فقط خاصة من خلال عمل ممثل لاكان على ظهر الأرض: سلافوي جيجك.

1

وكما يقال إن النظام الواقعي نفسه دائما ما يعود إلى مكانه، فكذلك يفعل في كتابات جيجك الطويلة، التي بالنظر إلى تعدديتها البراقة المتسمة بقليل من الهوس تعود من جديد في أسلوب تكراري ساخر من الذات إلى هذا الكيان الغامض، فتدور باستمرار في فلك شيء ناقص تأمله لكنها تعجز عن التعبير عنه. إن كتب جيجك - كما في مفهوم فرويد عن الشيء العجيب - مألوفة وغير مألوفة معا، مدهشة في تجديدها ومقروءة في الوقت ذاته، مليئة بالأفكار الجديدة الخلابة لكنها إعادة إنتاج بعضها لبعض. فإن كان جيجك يقرأ عمل لاكان باعتباره سلسلة من المحاولات للتركيز على نفس اللب الثابت الصادم، فيمكن قول الشيء نفسه عن أعماله هو، التي تنبثق فجأة في صورة جديدة مع شيلنج أو هيتشكوك أو الشغب العرقي أو ألعاب الكمبيوتر، لكنها لا تنفك تركز على نفس المشهد المخيف والرائع.

2

إن قدوم هذا التلميذ المخلص للاكان من العالم الشيوعي السابق على الأرجح أمر ذو صلة في هذا السياق، فمن الغريب أن يجد جيجك ورفاقه من أتباع لاكان في مدرسة ليوبليانا للتحليل النفسي أنفسهم منجذبين في العهد الستاليني الجديد إلى نظرية تهدم السلطة الزائفة لما يسمى بالدال الأكبر. لا شك أنهم كانوا متحمسين بنفس القدر للإصرار على غموض الذات البشرية وتدهور هويته، في ظل نظام اجتماعي سادت فيه الشفافية الزائفة وعقيدة الفردية الجوهرية. في الوقت ذاته، بدا أن نقص الشفافية الفعلي في النظام اليوغوسلافي وغموضه المعقد قد أديا دورهما في جعل الفكر اللاكاني ذا صلة . كما أنه في دول البلقان المتسمة بالنزعة القومية والانقسام العرقي، المنطقة التي طالما مثلت آخر كبيرا مهددا في أوروبا، يمكن للتحليل النفسي - وهو علم يدرس كيفية تكوين الذاتية الإنسانية - أن يكون ذا صدى سياسي أكبر مما هو الحال في روما أو نيويورك. فإن كان الهروب من المسئولية والتأليه والانقسام والانغلاق والتنصل والإسقاط والأمثلة آليات نفسية مألوفة بالقدر الكافي، فهي أيضا مادة النزاع العرقي والصراعات العسكرية.

يرى جيجك وزملاؤه لاكان باعتباره المناصر المتأخر للنظام الواقعي المتصلب أكثر منه ذلك الرجل الباريسي العصري المتبني لما بعد البنيوية الذي يرى أن العالم يمكن تحليله إلى خطاب («بنيوية الاسباجيتي» كما يسميها جيجك بازدراء)، وهذه النزعة مفهومة بقدر ما في ظل ظروفهم السياسية، فليس من العجيب أن الذين يكتبون وتحيط بهم صراعات قاتلة هم أكثر استجابة لما يقاوم الترميز أكثر من نظرائهم في جامعتي كورنيل وكنيسة المسيح. إنه هذا التضارب بين دائرتهم المهنية - اللغة، في المجمل - وما يتجاوزها مما يحتمل أن يخطر بذهن المفكرين في المواقف المضطربة سياسيا. وليس من العجيب أن يمثل النظام الواقعي أهمية كبيرة لأصحاب الهدف السياسي الساعين لهزيمة الكل، بصرف النظر عن كيفية إلزام السلطة المستبدة إلزاما ساديا لضحاياها بتقبل أغلالهم، فكل هذا يمكن بالتأكيد النظر إليه في ضوء هذا الحظر الجماعي للرغبة التي كانت الشيوعية البيروقراطية.

ثمة تشابه بين هؤلاء والمهرطق الأوروبي الشرقي الآخر الذي يدعى ميلان كونديرا، فقد رأينا من قبل كيف أن كونديرا يستخدم مصطلحي «الملائكي» و«الشيطاني» بأسلوب ذي صلة بالأخلاق؛ لكن يمكن تطبيقهما بنفس القدر على السياسة؛ إذ يرى في روايته «كائن لا تحتمل خفته» الدول الشمولية دولا «ملائكية»، خائفة من الغموض، وعازمة على ألا يفلت أي سلوك إنساني من شباك الفهم، وواضعة كل شيء في إطار من الدلالة اللامعة والوضوح الآني. وفي طرفة ساخرة، تحكي الرواية كيف يقترب مواطن من سكير تشيكي يتقيأ في وسط براغ في العهد الستاليني الجديد فيهز رأسه ويتمتم: «أعرف تماما ما تقصده.» وفي عالم الوضوح المباشر هذا المصاب بجنون الارتياب ، فإنه حتى القيء يجب أن يحمل دلالة معينة. أما ما يصفه كونديرا ب «الشيطاني» في المقابل فيتميز بثرثرة ساخرة تثور على مخططات الطغيان المنظمة، وترتع في مستنقع فراغ الأشياء من معناها. ليس من الصعب رؤية نظام لاكان الرمزي في الوضع الأول ونظامه الواقعي في الوضع الآخر، أو استيعاب السبب في أن احتمالية النظام الواقعي المطلقة - اعتياده قصم الأنظمة الرمزية المغلقة ببقايا الرغبة التي لم يتم إشباعها - كان لها أن تتمتع بجاذبية وتلهف عند مفكري أوروبا الشرقية في حقبة الحرب الباردة. إن ما سنراه بعد قليل باعتباره أمرا أخلاقيا عند لاكان - التوصية بعدم تخلي الفرد عن رغبته مهما بدت مستحيلة - يشبه البيان الرسمي لحركة التضامن البولندية في أحلك الأوقات التي مرت بها.

إن العلاج المتعلق بالتحليل النفسي من وجهة النظر اللاكانية ليس مختلفا عن تحقيق الاستقلال السياسي، وهو ما قد يكون سببا آخر في أن البلقان ثبت أنه بيئة شديدة الخصوبة لمجال التحليل النفسي. إن المريض الذي يخرج «بنجاح» من التحليل اللاكاني هو مريض تعلم ألا يرضى أبدا، تعلم أن يقر بأن رغبته لا يدعمها الآخر الكبير وأن أساسها ذاتي بالكلية؛ ومن ثم فهي مطلقة وسامية في كل جوانبها تماما كما أشيع عن الرب لبعض الوقت. إن كانت الرغبة متعدية - أي إن كان لها شيء تتعلق به أمام ناظريها - فسيمكننا أن ندرس السياقات التي تغذي مثل هذه التطلعات؛ ومن ثم لن تعود الرغبة جذرية. إن انعدام وجود هدف حقيقي للرغبة فيما وراءها هي في حد ذاتها هو ما يجعلها أساسا لا يمكن الغوص إلى مستوى أعمق منه. فمثلما يمثل الروح القدس سرور الرب الأبدي بصورة نفسه التي هي ابنه، لا تتوقف الرغبة أبدا عن تأمل صورتها الذاتية ومطاردة ذاتها، مزدرية الأشياء التافهة التي تخطف الأنظار، والتي توجد هنا وهناك لتحقق لها الإشباع الفوري. وبما أن الرغبة - مثل الرب - هي أرضية بلا قاع؛ ومن ثم ليست أساسا على الإطلاق، فإن الخاضع للتحليل النفسي يجب أن يفترض احتمالية وجوده، فيتخلى عن المسعى غير ذي الجدوى لإيجاده، وقد صدق عليه آخر كبير يعتبر وجوده على أي حال سرابا. إن كان هذا يشبه قليلا الخروج من تحت سيطرة حاكم قمعي، فهو يحمل أيضا أكثر من مجرد شبه بالقديس. ولا شك أن هذا من بين الأسباب التي تجعل العلاج بالتحليل النفسي مسألة مطولة بصفة عامة، في الواقع طويلة بالقدر الكافي لتحقق مجموعة كبيرة من الشعوب الصغيرة استقلالها.

وبرغم شروح جيجك الواضحة على نحو يثير الإعجاب للنظام الواقعي، يظل هذا النظام مفهوما غامضا، وكذلك متناظرا (بلغة الأكويني)؛ إذ يعمل على عدة مستويات بصورة متزامنة. ومن العلامات على مراوغته أن ناقدا بقدر ذكاء فريدريك جيمسون يخلط بينه وبين التاريخ الفعلي، وهو آخر ما قد يكون. يكتب جيمسون: «ليس من الصعب أن نحدد ماذا يقصد لاكان بالنظام الواقعي، إنه ببساطة التاريخ نفسه ...»

3

Bog aan la aqoon