70

Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Noocyada

22

وهو الحال الذي لا ينطبق على النبي إبراهيم وحده. يوصي ما يسمى العهد الجديد، الذي لا يهتم بإمكانية الحساب، بأنه إن صفعك رجل على خدك فأدر له الآخر، وأنك إن أجبرك أحد أن تسير ميلا، فسر اثنين؛ وأنه إن أراد أحد أن يحاكمك ليأخذ ثوبك، فدعه يأخذ رداءك أيضا. فهذه الوصايا مثلها مثل عمل «أمثال الجحيم» لويليام بليك مبالغ فيها عمدا بما يفوق الحدود، وتهدف إلى الهجوم على البرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق في كل عصر. إلا أن تلك الوصايا الأخروية - التي تسعى لتحرير المسيحيين من منطق «الوضع القائم» في ضوء نهايته المنتظرة - لا ينبغي أن يفهم أنها تفرغ المطالبة بتحقيق العدل من معناها، فجاك دريدا نفسه يلتف حول هذه الإشكالية بجعل العدالة هي الأخرى مسألة التزام لا متناه بدلا من إعطاء الحقوق لأصحابها، ففي المسيحية، ينعكس الحب الذي هو عطاء فائض أو مجاني بوضوح في فضائل الرحمة والتسامح، وهو ما يطيح بمفهوم عدالة رد الشيء بالشيء العين بالعين المنتظرة، فحب الإنسان لأعدائه عار على مفهوم قيمة التبادل.

كل هذا - بعبارة القديس بولس - هراء عند الأغيار، باختصار عند هؤلاء الذين يسعون مثل كانط لبناء اقتصاد أخلاقي أو رمزي حسن الإدارة. هناك بالتأكيد جانب مظلم لهذا التهور الخلاق المعروف بالانتقام الذي يمكن أن يكون مفرطا وهداما بكل الأشكال السلبية؛ ولهذا لا يمكن غض الطرف ببساطة عن العدالة القائمة على رد الصاع بالصاع - وكذلك عن النظام الرمزي الذي تنتمي إليه - كما يفضل بعض مناصري النظام الواقعي. يأمرنا العهد القديم بأن نتبع سياسة العين بالعين، وهي أمر مستنير تماما في هذا السياق. فهي ليست (كما تراها الحكمة الشائعة) تفويضا مطلقا للثأر الشنيع، بل محاولة لتحديد الجزاء بقدر الإساءة، فعلينا أن نأخذ العين بالعين، وليس الجسد كله. ليس تجاوز هذا الحد محبذا دائما. وهذا هو ما تعجز عن إدراكه أي نظرية أخلاقية للنظام الواقعي، وذلك كما سنرى لاحقا.

لا يناصر كانط القانون بسبب حبه للتشريع؛ فالفوضويون والأرستقراطيون وحدهم هم من يرفضون التسليم للقانون. لكنه يناصر القانون لأنه يؤمن بأن القانون ينبغي حبه واحترامه لذاته وليس لما يأمر به؛ فالفعل السليم أخلاقيا لا يجب أن يقتصر على الالتزام بالقانون بل يجب أن يكون في سبيل القانون ذاته. إن القانون عند كانط في الحقيقة لا يلزم بأي شيء على الإطلاق إلا أن تتخذ أفعالنا صورة معينة، فهو معلم سلوك أكثر منه واعظ لعقيدة. في المقابل يرى القديس بولس أن القانون نظام يناسب الأطفال أو حديثي العهد بالأخلاق؛ المستجدين الذين يحتاجون التوجيه في ظل وصاياه قبل أن ينضجوا على نحو كاف ليستوعبوا معناها الحقيقي، فهم كالأطفال الذين يجب أن يتحملوا ملل تعلم جداولهم عن ظهر قلب إن أرادوا أن يصيروا علماء رياضيات مشهورين. فالقانون وسيلة لا غاية في ذاته؛ فهو بالتأكيد نموذج أولي ضروري للحياة الجيدة، لكنه ليس كذلك بالنسبة للذين بلغوا النضج الأخلاقي، الذين لا أحد منا من بينهم. إن الذين في حاجة للقانون باعتباره كتيب الإرشادات بالنسبة للعامل الفني لا يزالون في طفولتهم الأخلاقية، كالمتحدث الجديد للعربية مثلا الذي يحتاج للرجوع إلى المعجم باستمرار. وعندما يستطيع هؤلاء التخلي عن هذا القانون سيرون العالم على الوجه السليم. ولكن لأن الطفولة الأخلاقية هي حالة إنسانية مزمنة فإن القانون لسوء حظنا وجوده دائم مثل دوام وجود الفقراء.

يرى القديس بولس أن الفضيلة هي الاعتياد التلقائي لفعل الخير الذي يؤدي إلى نقش القانون على القلب بدلا من ألواح الحجر. ويبدو أنه يعتبر القانون الأخلاقي - مثل كبش الفداء أو الفارماكوس - جيدا وسيئا في نفس الوقت لأسباب من بينها أنه ينبهنا دون قصد إلى احتمالية الخطيئة، كمقال بإحدى صحف الإثارة يخبئ شهوانيته وراء ستار السخط الأخلاقي، وكذلك لأنه يوجهنا إلى الخير دون أن يكون خيرا في ذاته. إذا يمكن للقانون وهو إذ يضعنا على الطريق الصحيح أن يحول دائما بيننا وبين ما يدعو إليه، فيصبح هو ذاته ما تتعلق به رغبتنا، وهذا ما يجعل القانون بوجهين من الناحية الأخلاقية؛ إذ يمكننا دائما أن نقع في حب القانون بدلا مما يمليه، مثلما قد نجد أنفسنا مفتونين بالمدرب وليس من محبي اللعبة. ومن بين الذين يقعون في حب القانون لذاته - ناظرين للشكل على حساب المضمون - الفيتيشيون أو الفريسيون الذين لا يمكنهم تحمل سلبية الرب السامية ويسعون لملء فراغ الغيرية غير المحتمل بصورة واضحة للرب. إن الفيتيشية هذه هي التي حرمتها الوصية الأولى من الوصايا العشرة؛ حيث إن الصورة الوحيدة الحقيقية ليهوه هي الصورة البشرية.

بعبارة أخرى فإن الوصية موجهة ضد عالم النظام الخيالي، ضد الذين يفخرون بعلاقتهم غير المتكلفة مع الرب والذين لا يعتبرونه إرهابيا عنيفا في سبيل الحب كما هو بل يرونه مخلوقا متحضرا يشبههم هم أنفسهم. وكما يقول لاكان بوضوح فريد: «إن الإنسان باعتباره صورة مثير للانتباه بالنظر إلى الفراغ الذي تتركه هذه الصورة؛ بسبب أن الفرد لا يرى في الصورة - فيما وراء ظاهرها - فراغ الرب المفترض أن ينكشف. ربما يرجع لذلك لاكتمال الإنسان، لكن الرب كذلك يترك فراغا في داخل الإنسان.»

23

فالقول إن الرجال والنساء خلقوا على صورة الرب يعني من بين عدة أشياء أنهم في بحر من اللاوجود؛ حيث إن الرب لا يرى باعتباره ذاتا من أي نوع؛ لذلك فإن فراغ النظام الواقعي وليس اكتمال النظام الخيالي، وعزلة الدين وليس عزاء الوثنية، هي التي من خلالها يكون ظهور الرب المتأخر كثيرا بين الناس.

إن تخليص النفس من القوة القسرية للقانون لا يكون بجعله أمرا داخليا، وهو ما لن يؤدي إلا إلى تعميق القسر المرضي الناتج عنه، فالتحرر من هذا الفرض الخبيث والحميد معا لا يعني تثبيته بداخل أنفسنا في صورة أنا عليا مستبدة من أجل أن نرضخ لأوامره بتلقائية تحاكي عادة التحلي بالفضيلة ظاهرا. وهذا تقريبا هو رد شيلر على كانط: فالقانون يظل ذا سيادة لكن يجب تلطيف صرامته بغرسه تماما في الحواس.

24

Bog aan la aqoon