Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
5
إن تلك الرؤية الأخلاقية التي خطها قلم مهرطق يهودي مطارد باهرة بقدر ما هي فاسدة؛ فلم يكن سبينوزا ليعتبر الغضب أو الامتعاض استجابة ملائمة لاضطهاده؛ إذ لم يعتبر الأخلاق قضية عاطفية في المقام الأول؛ فالحب والكره البشريان ينبعان من جهودنا أو سعينا الفطري للبقاء؛ وبذلك فهي لا تخضع لسيطرتنا مثلما الحال مع اللاوعي عند فرويد أو نمط الإنتاج الرأسمالي. يجب علينا أن نتبنى مذهبا تأويليا متشككا في أحكامنا، وأن نمحو باستمرار أي إشارة للذات، وأن نعتبر حديث الفرد عن مشاعره ودوافعه عرضا (بالمعنى الفرويدي) أو تبريرا (بالمعنى الفرويدي الماركسي). فالحقيقة لا ترتكز على تجربة الفرد بل تكمن في الأسباب الطبيعية والمادية التي تشكل حالات الوعي تلك، ولا يمكن معرفتها أبدا تحت مظلتها، فكون الذات ذاتا يعني إساءة التفسير.
يصعب التهوين من شأن التأثير الثوري لهذه النظرة؛ فقد رأى لوي ألتوسير أن سبينوزا «أشعل ثورة نظرية غير مسبوقة في تاريخ الفلسفة، ربما كبرى الثورات الفلسفية في كل العصور.»
6
فهذه الأفكار الهدامة بصورة كبيرة - التي أعلنها صانع عدسات طبية مغمور يتمتع بمنزلة القديس وسط الفلاسفة - تقوض عقائد أخلاقية كاملة وتهدم نطاقات كاملة من التحيز الإنساني؛ فالتجارب اليومية - وهي عين مكمن الأخلاق عند لوك وهتشسون وهيوم - مضطربة وغير عقلانية وسابقة على العلم الحديث وتهتم بالذات تلقائيا، فكلمات مثل «شرير» و«فاضل» - وهي كالأحكام الجمالية عند كانط - لا تشير للخصائص الموضوعية للأشياء بل لموقف المتحدث منها؛ فالمصطلحات الأخلاقية لا تنطبق على البشر؛ إذ إنهم لا يتمتعون بحرية أكبر مما تتمتع به سمكة الزينة، والنفس لا تستعبدها السببية بصورة أكبر إلا عندما تظن أنها حرة؛ فالرجال والنساء أشياء طبيعية تحكمها السببية، وفي تعلم هذه الحقائق وتقبلها يكمن الطريق إلى الورع والخلاص.
إن القادرين على التنزه عن المصلحة والرغبة وحدهم يمكنهم تقبل هذه العقيدة الحكيمة القائمة على كشف الوهم، ويعني سبينوزا ب «التنزه عن المصلحة » شيئا يختلف عما يقصده الفلاسفة العاطفيون في القرن الثامن عشر، فهم - كما رأينا - يرون أن التنزه عن المصلحة لا يعني ممارسة نوع من اللامبالاة المعتدلة بل الشعور بالتعاطف مع شخص آخر عندما لا يكون هناك عائد من ذلك. أما في فلسفة سبينوزا فهذا الشعور بجسد شخص آخر من الداخل ليس نوعا وافيا من المعرفة؛ حيث إن معرفتنا بالأشياء التي تؤثر فينا من خلال أجسادنا - وهو ما يتضمن معرفتنا بالآخرين - معرفة من نوع «مشوش ومشوه». وكذلك لا يمكننا أن نحصل معرفة وافية عن أجسادنا، وهو ما يدق مسمارا في نعش أعمال الفلاسفة العاطفيين؛ فالعواطف صورة مشوهة من الإدراك، وعلى الفكر أن يسمو فوقها. (ورغم ذلك يشير سبينوزا بصفة عارضة - وهو بالشيء الغريب - إلى أنه لا يمكن للسرور أن يكون زائدا عن الحد.) فاللغة المستخدمة يوميا غامضة بقدر حياتنا العاطفية؛ حيث يحكمها الخيال بدلا من أن تحكمها أفكار مميزة وواضحة، فنحن نعيش في عالم من المعاني الهلامية والأشياء الملتبسة، لا أمل في الخلاص منه إلا بجهود الفلسفة والرياضيات واللاهوت مجتمعة.
لذا فما اعتبره أنصار مذهب الخير عين منبع الأخلاق - الشعور - رأى سبينوزا أنه ينبوع الإدراك الزائف، فهو يتفق معهم في أن الشعور كله أساسه في الصور الخيالية؛ لكنه يرفض اعتباره مصدرا للمعرفة الأصيلة.
7
وهذا لأن الإدراك الحقيقي للأشياء غير ممكن إلا «عند الرب»؛ فهو معرفة مطلقة وخالدة، شأنها شأن النظرية عند ألتوسير لا تاريخ لها. فالرؤية السليمة للعالم تعني رؤيته من منظوره الذاتي إن جاز التعبير، وهذا يتضمن تحولا من النظام الخيالي - الذي تحرف فيه الرغبة المعرفة - إلى النضج الأخلاقي للنظام الرمزي؛ إذ يجب علينا أن نتوقف - بكلمات القديس بولس - عن النظر من عدسة معتمة، وأن ننظر بدلا من ذلك بعين الرب الخاصة بنا، مطمئنين بمعرفة أنه لا يمكن لنا أو لأي شيء آخر في الكون أن يكون على غير ما هو عليه.
إن هذا عند سبينوزا هو ما يمثل الحكمة والفضيلة الحقيقيتين، فقد مارس انعزالا قاسيا في حياته مؤمنا (على عكس معاصره لايبنتس العظيم والطموح) بأن الفلسفة لا ينبغي أن يعوقها تطوير الذات وسلطة الدولة. وكان هذا هو السبب في رفضه عرضا بالحصول على كرسي الأستاذية في هايدلبرج، مفضلا العيش عاملا يدويا بسيطا؛ فهو يؤمن إيمانا ذا صبغة متعلقة بالتحليل النفسي بأن الرغبة هي «عين جوهر الإنسان» (125)، وهو يعني بالرغبة «أيا من مساعي الإنسان وبواعثه وشهواته واختياراته التي تختلف تبعا للتكوين المختلف لهذا الإنسان وتتعارض في أغلب الأحيان مع بعضها نتيجة لانجذاب الإنسان في اتجاهات مختلفة وعدم معرفته لأيها يلتفت» (126).
Bog aan la aqoon