Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
إن كنت أنا وأنت مرتبطين بوسيط (الآخر الكبير) يتخطى كلا منا، فهذه حقيقة لها تبعات تتعلق بفرص الفهم المشترك بيننا؛ فالآخر الكبير - باعتباره مكانا أسطوريا يرقد فيه كثير من المعاني المجهولة المتشابكة - غامض وملتبس؛ وبما أنه هو المكان الذي نستمد منه أنا وأنت الحديث الذي نتواصل به، فإن كلا منا يصير غامضا أمام الآخر بدوره. أو بلغة لاكان المبهمة فإن الآخر يصير الآخر الكبير. (مثال حقيقي: سألني صديق أخطأ في سماع موضوع هذه الدراسة فظنه عن مقاطعة إسيكس
Essex ، بدلا من الأخلاق
Ethics ، عما إذا كنت قد ذكرت كولتشستر. وقضيت عدة أيام في قلق متسائلا عما إذا كان كولتشستر فيلسوفا أخلاقيا كان ينبغي أن أعرفه أم لا.) لكن المسألة أعمق من مجرد اللبس اللفظي، فهل يرمز الثدي إلى الحب، كما نتصور الطفل الصغير وهو يتساءل، أم إلى دفع الجوع وحسب؟ هل هو استجابة لاحتياجه للاعتراف به أم استجابة لحاجته وحسب؟ يمكننا أن نتصور الطفل الذي تنهمر عليه الرسائل الملتبسة المعاني من الآخر الكبير، وقد قض مضجعه لغز ما يريده الآخر الكبير منه. وإلى هذا الحد، فإن الطفل في نفس موقف البروتستانتي الخائف، غير قادر على فك شفرة الرسائل المستمرة لكن غير المسموعة لرب يحجبه الظلام؛ فالآخر الكبير هو رب خفي، أوامره غامضة لكنها ملزمة.
إذن لا يمكن أن يوجد أي منفذ للوصول للآخرين بلا عائق؛ حيث إنهم يقبعون مثلنا خلف جدار اللغة، فإن ما يتيح لك التعرف علي هو نفسه ما يعزلك عني. ولم يعد هناك أي تناقض صارخ - كما كان عند ديفيد هيوم - بين الأقرباء والغرباء. والآن وفيما يتعلق بنظرية التواصل المتشائمة تلك، فحتى الأكثر حميمية غريب بالضرورة، فكل الجيران غرباء، وحتى الحديث الحميمي لا خصوصية فيه. إن فكرة وجود نظام اجتماعي يجري فيه الأشخاص ذوو الإرادة الحرة تبادلات شفافة متماثلة مع أشخاص آخرين على نفس القدر من الشفافية قد انكشف زيفها. ولنا أن نقول إنها خرافة مجتمع الطبقة الوسطى.
ثمة شيء محزن في هذه الرؤية جرت الإشارة إليه كثيرا، ففي مفارقة مقلقة، عندما يبدو العالم وقد بلغ اتصافه بالإنسانية أقصاه - عندما ينسجه الدال من البداية للنهاية - نجد أنفسنا وقد شعرنا بأقصى درجات الاغتراب. فقد يكون الدال وسيلة لاستحواذ بعضنا على بعض
نحصل على إنسانيتنا مما هو غير إنساني بالكلية، العلامات والآثار والأصوات والبصمات والنقوش. وفي ظل النقص الذي تزرعه اللغة في الذات مثل الفيروس، فإن الذات يمكنها أن تتعلق بالشيء السامي الذي ترغبه فقط في صورة بديل جزئي له، قطعة شاردة من فضلات أو بقايا يسميها لاكان «موضوع الرغبة المستحيل أو الآخر الصغير». وتتمزق الرابطة الخيالية بين الذات وعالمها لتترك جرحا نفسيا متقيحا يعرف بالذاتية.
يدير الواقع ظهره إلينا كحبيب سابق يرفض الآن الاعتراف بوجودنا. وتفرغ الذات الإنسانية بأسلوب كوبرنيكي أو دارويني من مركزيتها الخيالية؛ فالعالم لم يعد يدين لها بالمعاش، ولن يموت بالتأكيد كزوج يعتمد عليها عاطفيا يوم وفاتها هي؛ إذ يجب علينا الآن أن نفكر في إطار عالم من الذوات المنفصلة التي توجد - بعبارة إيمانويل ليفيناس - جنبا إلى جنب وليس وجها لوجه، وكلها عناصر متغيرة لكيان لا يتمركز على أي شيء، ولا حتى نفسه. فإن كان فضاء النظام الخيالي ولادا، فإن فضاء النظام الرمزي مجال مسطح لكنه متغاير. إن هذا الفضاء هو ما نتعرض إليه في الفروع الرئيسية للأخلاق الرمزية: الفلسفة الكانطية والليبرالية والنفعية. ويمكن لنا أن نميز بين الانغلاق الذاتي في النظام الخيالي والانفتاح اللانهائي الذي يتميز به الآخر الكبير؛ لكن هناك نوعا مكافئا من الانغلاق الذاتي في النظام الرمزي لا يتلقى أي صدى لخطابه من العالم فيما وراءه، فأي صدى من هذا النوع عليه أن يمر من خلال الدال المراوغ؛ وبذلك لن يمثل أي جزء من «الخارج» إطلاقا، فالنظام الرمزي هو عالم من الاحتمال المحض لا أساس له، فأي أساس للغة يجب أن يكون قابلا للتعبير عنه باللغة؛ وبهذا يكون جزءا من المشكلة وليس الحل. ليس ثمة دال فوقي.
إذن هل هذا ما يعنيه ما يسمى بالنضج والتنوير؛ أن نحرم من الراحة والتعزية من غير مصادرنا، وأن يعزلنا عن الواقع عين الوسيط (اللغة) الذي من المفترض أن يفتح أبوابه أمامنا؟ سيبدو أن تحررنا هو اغترابنا الذاتي في الوقت نفسه؛ فاستقلالنا يقوم على قمع اعتمادنا على الغير؛ فقد استبدلنا بالاعتماد على الطبيعة إدمانا للرغبة؛ فالجرح الموجود في ذاتنا الناتج عن تمزق اتحادنا الفطري مع العالم لن يلتئم أبدا، إلا أنه من دون هذه الخطيئة الأولى لن يكون هناك تاريخ ولا هوية ولا اختلاف ولا حب.
لقد مثلت فكرة النظام الرمزي مشكلة عند اليسار الثقافي في عصر سابق؛ فقد بدا مفهوما طليعيا لامعا، بحديثه عن النقص والرغبة والاختلاف والغيرية والتشتيت وهشاشة الهوية وسيادة الدال، فعلى عكس النظام الخيالي بتصوراته الطفولية واستثماراته النرجسية، يتمتع النظام الرمزي بلمسة من الواقعية الناضجة وإن كانت حزينة أو انهزامية. لكن من زاوية أخرى، فإن ما يمثله النظام الرمزي ليس إلا الوضع السياسي الراهن، فإن كان هذا النظام مرتبطا بالنقص والرغبة فهو مرتبط كذلك بالقانون والتماثل والتنظيم. هل كنا إذا نوجه نقدا ل «النظام الخيالي» للأيديولوجيا من رحم هذه الأزمة؟
لذا أصبح المنظرون في حاجة إلى مفهوم أو آخر يضمن تجاوز خطابي النظامين الخيالي والرمزي كليهما معا، فخرج جاك دريدا بمفهوم الاختلاف، وجوليا كريستيفا ب «النظام السيميائي»، وميشيل فوكو بفكرة السلطة، وجون-فرانسوا ليوتار في بداية مسيرته بنظرة خاصة للفورات الشهوانية. إن الرغبة التي يمجدها جيل دولوز وفيليكس جوتاري لا تخضع لشيء مقيد كالنظام الرمزي، ولا تتحمل شيئا مهينا كالنقص والإخصاء، فالنظام الرمزي عند كل هؤلاء المفكرين ينبغي تفكيكه؛ لكن ليس بالرجوع إلى النظام الخيالي. في الحقيقة، كما سنرى، كان لدى لاكان طريقته في تحقيق هذه الغاية تعرف بالنظام الواقعي. وبفضل هذا المستوى المبهم أصبح من الممكن تطويق كل من النظام الخيالي والنظام الرمزي والتغلب عليهما معا في آن.
Bog aan la aqoon