48

Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

Noocyada

18 (إن الإشارات اللاحقة لأرقام الصفحات من عمل هيوم هذا ستوضع بين قوسين بعد الاقتباسات المعروضة منه.) ويرجع هذا إلى أن الكرم يتضمن الفضائل الرجولية للتضحية بالذات وضبط النفس وإنكار الذات، وهي مفاهيم وسطية نادرا ما تجد لها سبيلا إلى عقول السيدات الصغيرة الطائشة. وقد يمثل الجندي الذي يضحي بحياته دفاعا عن حياة قائده مثالا على هذا الكرم، فالأفعال المتسمة بسعة الصدر وحب المصلحة العامة حكر على الرجال؛ إذ يرى سميث مثل بيرك أن هناك حاجة لضبط حلاوة التعاطف بقليل من التستوستيرون، فالقيم النسائية كلها في محلها تماما؛ لكنا بحاجة لمعرفة الخيط الفاصل بين رقة القلب وانعدام الرجولة.

لم يكن آدم سميث أحد فلاسفة «الحس الأخلاقي» بالمعنى المعروف؛

19

إذ استبعد فكرة هتشسون عن وجود ملكة أخلاقية خاصة، إلا أنه اتفق مع شافتسبري وهتشسون وهيوم في أننا نعنى في غير أنانية بمصائر الآخرين ونعتبر سعادتهم ضرورية لسعادتنا. «إن هذا السرور - كما هو الحال مع ألم الشعور بحزن شخص آخر - آني جدا لدرجة أنه لا يكاد يوجد أي وقت لتدور عجلة المصلحة الشخصية. وفي ظل وجود تعاطف - سواء مع صديق أو مع غريب - فإننا ندخل بصورة ما إلى جسمه ونتحد بدرجة ما مع ذاته» (258). وتعج عبارة «بدرجة ما» دون شك بالمشكلات، كما سنرى بعد قليل. مرة أخرى، تكمن الأخلاق حقيقة في المحاكاة؛ فعندما نواجه صديقا أو غريبا في كرب، «نتبادل الأماكن مع المكروب في الخيال» (258)، وهو مكافئ أخلاقي نوعا ما للعبورية.

وبالعكس: «لا يسرنا أكثر من أن نرى في الآخرين تعاطفا مع كل المشاعر التي تختلج في صدورنا» (264)؛ إذ يتطلب الشعور الأخلاقي الصادق شيئا يشبه الروافد الخيالية عند الكاتب الروائي؛ حيث علينا أن نسعى لتصور وضع الشخص الذي نقابله في أذهاننا بكل ما فيه، وصولا إلى التفاصيل الأكثر دقة. يكتب سميث: «يجب على الشخصية المتعاطفة أن تتبنى قضية من معها بكل تفاصيلها الصغيرة، وتسعى قدر الإمكان لتتصور تبادل المواضع الذي ينبني عليه تعاطفها» (275). فالتبادل العاطفي عند هذا الاقتصادي الأخلاقي والسياسي معا هو سبب في الازدهار مثل تبادل السلع. صحيح أن سميث الاقتصادي السياسي يشتهر باعتقاده أن حب النفس - وليس الخير - هو ما يدفع الجزار وصانع المشروبات والخباز لتوفير الطعام والشراب لنا، إلا أن السوق في رأيه له قوة تهذيبية؛ إذ لا يوجد أي صراع جوهري في هذه المرحلة المبكرة من الحياة البرجوازية بين التجارة والعاطفة، كما هو الحال عند ديكنز وراسكين مثلا.

مع ذلك، فإن «التبادل الخيالي للمواضع» يشبه في النهاية المقامرة، فبالنظر إلى أننا نعجز عن الوصول إلى خلجات الآخرين العاطفية بسبب جدران أجسادهم المنيعة، فإن التصور العاطفي لحالتهم الذهنية لا يسعه إلا أن يكون تقريبيا، ففي الأحوال العادية لا يمكننا تكوين تصور مرئي تماما لما يشعر به الآخرون، ولا يمكننا تكوين أي فكرة عن كيفية تأثرهم بالمواقف التي يمرون بها، وهو ما يجعل التحول الخيالي ضروريا. ومهما بدا ذلك كريما فإن هذا التقمص العاطفي في حقيقته وسيلة لتعويض اغترابنا الطبيعي عن بعضنا، فهذا التماثل كما يرى سميث يستحيل تمامه، وإن كان ثمة تعاطف خارجي كاف لضمان التناغم الاجتماعي: «رغم استحالة التطابق التام فالتوافق الجزئي ممكن، وهذا هو كل المطلوب أو الضروري» (276).

مع ذلك لا يزال سميث وزملاؤه بحاجة لمنع السرور الذي نشعر به عند رؤية السعادة لدى شخص آخر من أن يبدو مهتما بالمصلحة الشخصية بدرجة مشينة. ومن الضروري بالقدر نفسه مواجهة الفكرة الأنانية القائلة إننا لا نضمد جراح الآخرين الروحية إلا لتجنب الشعور بالانزعاج عند رؤيتهم. أو لأن خيالنا يرسم صورة جلية للألم الذي سنشعر به في موضعهم، فالخيال عند هؤلاء المفكرين الذي في عصر ما قبل الرومانسية يمكن استغلاله لصالح قضية المصلحة الشخصية بنفس السهولة التي يمكن بها استغلاله لخدمة قيمة الإيثار. فالنفس والآخر، والأثرة والإيثار، وسرور النفس وألمها بسرور الآخر، وسرور الآخر وألمه لألمي، كل هذا يساهم في حميمية النظام الخيالي واغترابه.

يطرح سميث القضية التي صارت مألوفة الآن، وهي أن التعاطف يجب أن ينشأ عن تخيل الإنسان لوجوده موضع شخص آخر. ويرى كذلك - كما أشرنا منذ قليل - أن هذه العملية لا يمكن أن تكون كاملة، فمشروع تحول النفوس الكلي ينهار على صخرة حب النفس، فمن الحتمي أن يكون شعوري بسعادتك وحزنك أقل من شعورك، ببساطة بسبب حبي لنفسي. فإن كنا نشعر بعواطف صديقة بصفة أضعف من شعورها هي بها، فستوجد إذن مشكلة أكبر في التعاطف مع الغرباء. فالرجل إن كان سيفقد إصبعه الصغير غدا - كما يلفت سميث - فلن ينام ليله؛ لكنه سيتذمر إن جاءته أخبار عن زلزال ابتلع الصين كلها وأودى بملايين لا تحصى من إخوانه من البشر مثلا، أو سيتذمر على الأقل - كما يصر سميث - إن لم ير الحدث بأم عينه. وكما الحال عند هيوم، فإن الصور الحية للظواهر البعيدة هي صاحبة الأثر. والأخلاق تعتمد في النهاية على الحواس؛ فالقضية متعلقة في الحقيقة بالتصوير.

يسعى سميث لأن يتجنب الاتهام بأن السرور لسرور شخص آخر معني بالمصلحة الشخصية في الباطن من خلال طرح نظرية غريبة بعض الشيء عن التعاطف، فعندما نتصور أنفسنا مكان شخص آخر فإننا لا نشعر بما يشعر به بشخصه إن جاز التعبير، بل هي مسألة الشعور كما لو كنا موضع الآخر. إن هذه الافتراضية العاطفية أو تبدل الموقف الخيالي «ليس من المفترض أن يحدث لي بذاتي وصفتي بل بذات الشخص الذي أتعاطف معه» (323). ويكتب روسو بصورة مشابهة في عمله «إميل» عن «انتقالنا إلى خارج أنفسنا وتماثلنا مع المكروب تاركين ذواتنا - إن جاز التعبير - لنتقمص ذاته ...»

20

Bog aan la aqoon