Dhibaatooyinka Iyo Shisheeyaha: Daraasad Ku Saabsan Falsafadda Akhlaaqda
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Noocyada
كما أنه من الممكن، كما يرى، صياغة قواعد ومبادئ قد تساعد على الخير العام، وهي مهمة كانت جزءا من تراثه الذي تركه لأتباع بنثام؛ فالذين يبنون الأخلاق بنسبة كبيرة على المشاعر من أمثال هتشسون كانوا يحذرون من التحول الزائد إلى النظام الرمزي الذي تشكل فيه الأخلاق مسألة قوانين عامة والتزامات محضة؛ إذ إن مجرد ذكر تلك الواجبات المجردة إساءة لدوافع القلب العفوية. لكن إن أردنا التعميم بحق، فمن الصعب تصور كيف يمكن تجنب الحديث عن مثل هذه القواعد؛ وبذلك نتعدى على نطاق الفلسفة الكانطية أو البنثامية، فلا تكفي المشاعر لتشكيل مجتمع عام مكون من أفراد ملتزمين أخلاقيا. وما بين شافتسبري وبنثام، يريد هتشسون التمسك بفكرة الطبيعة الخيرة الفطرية مع الإقرار في الوقت ذاته بأن الأخلاق العامة التي يوصي بها يجب أن تحكمها القواعد.
أما ديفيد هيوم فهو أقل اقتناعا بكثير من هتشسون بحقيقة الخير العام. صحيح أنه تحدث في عمله «بحث في مبادئ الأخلاق» عن «حس أو شعور داخلي (بالخير والشر) عممته الطبيعة في النوع البشري كله.» وتحدث عن الخير باعتباره وسيلة لتحقيق مصالح الإنسانية ككل.
54
لكن إن كانت مؤسسات العدالة لازمة؛ فهذا لأن الناس ليسوا «متشربين بالصداقة والكرم؛ بحيث يحنو كل إنسان على سائر الناس ولا يهتم بمصالحه أكثر مما يهتم بمصالح أقرانه.»
55
تبدو رؤية هيوم للعدالة شبيهة جدا برؤية ماركس؛ فهي فضيلة واجبة في حالات الوفرة المحدودة التي علينا فيها أن نختلف حول ما يملكه كل فرد؛ لكنها لا تنطبق على حالات العوز الشديدة؛ حيث يمد الرجال والنساء أيديهم لما يطالون. ويرى ماركس أن العدالة لا تنطبق كذلك على مجتمع ينعم بالوفرة المادية المفرطة التي لا داعي فيها للعدالة بسبب عدم الحاجة لتوزيع محكوم للسلع. وغني عن القول أن هيوم يظل عن وعي غير خاضع لإغراء هذه المثالية.
في عمله «رسالة في الطبيعة الإنسانية»، يستبعد هيوم بالتحديد فكرة الحب العام؛ إذ يكتب على طريقة سويفت: «عامة قد يتأكد انعدام وجود عاطفة في أذهان البشر كحب البشرية، هكذا بذاتها دون سمات شخصية أو خدمات تحصل عليها أو علاقات ترتبط بأفرادها» (231). إن حدود الكرم الإنساني - ما يسميه «الخير المقيد» - هو ما يسعى هيوم لإلقاء الضوء عليه هنا، فهذه العاطفة في رأيه نادرا ما تمتد إلى ما وراء أسرة الفرد وأصدقائه، «فنحن نحب أبناء بلدنا وجيراننا والمشتغلين بنفس المهنة أو الحرفة وحتى من يشاركوننا الاسم» (401)، ولا يسعنا إلا أن نفضل صحبة حتى أقل أصدقائنا توافقا معنا على صحبة الغرباء، فهي أخلاق المقهى. اتفق فرويد قلبا وقالبا مع هذه العاطفة الحصيفة؛ إذ لم يوجد في نظره هذا القدر من الرغبة الذي يستحق الإشباع، فسعي الإنسان من أجل حب الجميع - كما يقول في «قلق في الحضارة» - نوع من الظلم؛ حيث إنه يبدد على من لا يستحق عاطفة ينبغي أن يدخرها «لمعارفه». ويتابع قائلا إن الغرباء أولى بكراهيتنا وعداوتنا من عطفنا. فالجار عند فرويد عدو في السر، وهذا صحيح على نحو آخر في المسيحية أيضا. وهذه هي السابقة التي يشبه فيها حب شخص لجاره حبه لعدوه، فكل إنسان يمكنه أن يحب صديقا، فيمكن لأي شخص أن يحب صديقا له. وإن كان الجار مصدر أذى للإنسان - كما أدرك فرويد - فذلك يرجع جزئيا (كما لم يتفهم فرويد تماما) إلى أن بعض الأنشطة الإنسانية تكون أكثر بغضا وتطلبا وجحودا وفتكا من الحب. يروج كتاب «قلق في الحضارة» لصراع مباشر بين الجنس والمجتمع؛ فالعدد المثالي للأول هو اثنان، بما أن وجود ثالث - كما يقول فرويد الرافض بتشدد لممارسة الجنس بين ثلاثة أشخاص - إما مخل أو زائد عن الحاجة، أما المجتمع ككل فيتضمن وجودنا مع عدد كبير من الأفراد، وبذلك يخاطر بتوزيع عواطفنا وإفقادها قوتها؛ إذ يخلط فرويد بطابع حديث متميز بين الحب بمعنى «العشق» والحب بمعنى «المحبة» أو الإحسان.
يرى هيوم أن مثل هذه العصبية العاطفية أصلها في طبيعتنا؛ فهناك حدود مشددة الحراسة تفصل بين الأصدقاء والغرباء، حدود ترتبط بدرجة ما مع الفروق الطبقية (بما أن الأصدقاء في الغالب مهذبون بقدر الفرد نفسه) وكذلك الفروق بين النظامين الخيالي والرمزي. فالمجتمع عند هيوم يتكون من دوائر متحدة المركز متمددة باطراد لما يسميه هتشسون «الحب الضعيف»، وتقل كثافة العاطفة كلما ابتعدنا عن ذوي أرحامنا: «فالفرد بطبيعته يحب أولاده أكثر من أولاد إخوته، وأولاد إخوته أكثر من أبناء عمومته، وأبناء عمومته أكثر من الغرباء ...» (535). ويزعم هيوم - كما لو كان يتتبع صعودا متدرجا بدقة من طبقات الجو السفلى إلى طبقات الجو العليا - أن عواطفنا تجاه من هم أقرب إلينا «أكثر خفوتا» من حبنا لذاتنا، بينما تعاطفاتنا مع البعيدين عنا «أكثر خفوتا» بدورها. ويبدو أنه لم يخطر بباله أن الرجل قد يحب زعيما سياسيا لم يقابله وجها لوجه قط حبا أعنف من حبه لزوجته.
هناك سبل لتعويض انحياز تعاطفنا الضيق؛ إذ يمكننا إجراء تعديلات أخلاقية - إن جاز التعبير - لعدم مبالاتنا بالغرباء، مثلما يمكننا أن ندرك إذا تفكرنا أن الأشياء البعيدة ليست صغيرة كما تبدو. كما أننا «نقابل كل يوم أشخاصا في موقع مختلف عن موقعنا، ولا يمكن أن يتناقشوا معنا بأي صورة معقولة إن بقينا في ذلك الموقع ووجهة النظر التي هي خاصة بنا» (653). فبتعديل منظورنا بهذا الشكل فإننا نكون تقييمات لأقراننا أكثر موضوعية منها إن بقينا مختبئين في محرابنا الاجتماعي الخاص. إلا أن المذهب التجريبي الذي يرى أن الحقيقة - بوجه عام - هي ما يمكن إدراكه بالحواس من الأرجح أنه سيواجه إشكالية مع العلاقات الاجتماعية المجهولة الهوية، ومن ثم مع السياسة؛ إذ يكتب سلافوي جيجك إن «الشفقة هي عجز قوة التجرد»،
56
Bog aan la aqoon