Murur Fi Ard Hana
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Noocyada
فأجابه المأمور: تطلب الرحمة يا شقي، كنت ترحم على الأقل امرأتك وبنيك، عندما كنت تتركهم النهار بطوله بدون زاد، وتأتي في المساء «عميان» من السكر، فتطعمهم بدل الخبز ضربا ولكما، وبدلا من أن تقابلهم بالكلام اللين والعاطفة الأبوية ، كنت تنفجر كالبركان بالسباب والشتائم والقول المعيب، حتى اضطررتهم أخيرا إلى التسول، وقدتهم إلى التعاسة، وجعلتهم من أولاد الأزقة، وصيرت امرأتك التي يجب أن تكون وإياها جسدا واحدا، بحالة لا يرضاها لها العدو فضلا عن الصديق، وفوق كل ذلك فقد هدمت بناء جسدك بما أدخلته فيه من الكحول، وجعلته أن يتلاشى وينحط، الأمر الذي ألبسك جناية القتل.
فقال السكير وهو يتلعثم: إنني أتوب يا سيدي، اعف عني، فإني لا أعيدها مرة ثانية، «وعيب علي» إذا كنت أذوق العرق بعد أو النبيذ أو الكاشاصا أو الويسكي، وغير البيرا وقليل من الفرموت قبل الأكل لا أشرب، فأشهد علي بذلك، والله خير الشاهدين.
فقال له المأمور: «إنشا الله تضل بخير». وحالا أمر الجراح بتشريحه، وبأسرع من لمح البصر بنج الجراح السكير، ومدده على طاولة، وشقه من أعلى صدره إلى أسفل بطنه، ثم نادى رصيفه لكي يساعده، وينظر إلى العلل التي أورثها شرب المسكرات، فأول ما تناول فحص الرئة، فكانت متكمشة من الخلل الحاصل من وقوف حركة الدم فيها، وعدم تمكنها من الحصول على الهواء النقي، لانسداد شعبها، وفي أثناء الزفير والشهيق كان يسمع صوتا كصوت الصفارة تماما، وكان لون الرئة قاتما قبيحا.
ثم مد يده إلى القلب فوجده مضطربا، وضرباته غير منتظمة، وهو أشبه بحالة صاحبه المتعبة، ثم فحص المعدة فوجدها مفحمة محترقة من تأثير الكحول عليها، وهي لا تقوى على هضم الطعام، فتتركه للأمعاء بدون أن تأخذ منه شيئا مما يحتاجه الجسم من الغذاء.
وبعد ذلك أخذ بفحص الكبد، ذلك العضو الكبير الحجم، والأكثر قبولا لأضرار المسكر؛ نظرا لقربه من المعدة، فوجد الالتهاب قد تطرق إلى كل أجزائه، وأصبح منظره مخيفا، وهو أشبه بكتلة من اللحم المنتن الفاسد.
ثم فحص دم العليل فوجد المادة الليفية ضعيفة فيه؛ ولذلك لا يمكن لهذه المادة بعد أن تمسك قوام الدم في حالة نزفه، ولو كان من أصغر جرح في الجسم.
وفي أثناء العملية تصاعدت رائحة كريهة من جوف السكير، ملأت المكان حتى تعسر على الناس التنفس؛ ولذلك سمع صوت من الداخل يقول: «ما هذا يا حضرة المأمور؟! فقد زهقت أرواحنا من هذه الرائحة الكريهة، وصرنا نخاف أن تتفشى الأوبئة بيننا، فاعلم أن المسئولية عليك وحدك.»
فالتفت المأمور إلى الداخل وقال: من هذا الذي تجاسر ورفع صوته؟ فقال جندي: إنه أحد المحامين. قال: تحفظوا عليه ريثما ننهي محاكمة الطبيب.
وأخاط الجراح جراح السكير، وعمل كل ما هو واجب لحفظ حياة العليل، ثم تحول إلى فحص الرأس، فشقه من الجهة الخلفية، فظهر الدماغ للعيان يشبه خارطة مرتسما عليها خطوط وزوايا وتعرجات وعلامات.
فقال الجراح لرصيفه: انظر كيف فعل الخمر بالرأس، انظر كيف أن خطوط الفطنة والإدراك قد فقدت بالكلية، وزوايا الحافظة قد تكسرت، انظر الاضطراب الحاصل فيه، انظر إلى الأوعية الدموية كيف هي مائتة، ومكان العقل فيه قد صار في ظلمة مدلهمة، وقد أصبح كدماغ الخنزير تماما.
Bog aan la aqoon