Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وأصبح الناس في اليوم الثالث وهم على مصافهم، وهو يوم عماس، وأصبحت الأعاجم على مواقفها، وأصبح بين الفريقين كالرجلة الحمراء - يعني الحرة - في عرض ما بين الصفين، وقد قتل من المسلمين ألفان وخمسمائة ما بين رثيث وميت، وقت من الأعاجم ما لا يحصى، فقال سعد: أيها الناس، من شاء غسل الشهيد الميت والرثيث، ومن شاء فليدفنهم بدمائهم، وأقبل المسلمون على قتلاهم فأحرزوهم وجعلوهم وراء ظهورهم، وكان ا لنساء والصبيان يدفنون الشهيد ويحملون الرثيث إلى النساء ويعالجونهم من كلومهم، وكان بين موضع الوقعة مما يلي القادسية وبين حصن العذيب نخلة، فإذا حمل الجريح وفيه تمييز وعقل ونظر إلى تلك النخلة - ولم يكن هنالك يومئذ نخلة غيرها، واليوم بها نخل كثير - قال لحامله: قد قربت من السوداء، فأريحوني تحت ظل هذه النخلة، فيراح تحتها ساعة، فسمع رجل من الجرحى يقال له بجير من طيى، وهو يجود بنفسه ويقول: ألا يا اسلمي يا نخلة بين قاس ... وبين العذيب، لا يجاورك النخل
وسمع آخر من بني تيم الله - وقد أريح تحتها وحشوته خارجة من جوفه - وهو يقول:
أيا نخلة الجرعا، ويا نخلة العدا ... سقتك الغوادي والغيوث الهواطل
وأنخن الأعور بن قطبة، فحمل من المعركة، فسأل حماله أن يريحه تحتها حتى إذا بلغ إليها قال:
أيا نخلة بين العذيب فتلعة ... سقتك الغوادي الدجنات من النخل
وأصبح الناس صبيحة يوم القادسية، وهي صبيحة ليلة الهرير وهي: تسمى ليلة القادسية من تلك الأيام، والناس حيارى ولم يغمضو ليلتهم كلها، وحرض رؤساء القبائل عشائرهم، واشتد الجلاد إلى أن جاء وقت الزوال، فكان أول من زال حين قام قائم الظهيرة الهرمزان والنيرمران، فتأخرا، وثبتا حيث أنتهيا، وانفرج القلب حين قام قاف الظهيرة، وهبت ريح عاصف فقطعت طيارة رستم عن سريره، فهوت في نهر العتيق والريح دبور، فمال الغبار عليهم وانتهى القعقاع وأصحابه إلي سرير رستم فعثروا به وقد قام رستم عنه حين طارت الريح بالطيارة إلى بغال قد قدمت عليهم بمال يومئذ فهي واقفة فاستظل في ظل بغل منها وحمله وضرب هلال بن علقمة الحمل الذي رستم في ظله فقطع حباله، ووقع على رستم أحد العدالين ولا يراه هلالى ولا يشعر به، فأزال من ظهم فقارة وضربه هلال ضربة فنفخت مسكا، ومضى رستم إلى نحو نهر العتيق فرمى بنفسه فيه، واقتحم هلال عليه فتناوله برجله، ثم خرج به إلى الخندق وضربه بالسيف حتى قتله، ثم جاء به يجره حتى رماه بين أرجل البغال وصعد السرير ونادى: قتلت رستم ورب الكعبة، إلي إلي، فطاف به الناس لا يحسون السرير ولا يرونه، وتنادوا، وتجبنت قلوب المشركين عندها وانهزموا وأخذهم السيف، فمن غريق وقتيل، وقد كان ثلاثون ألفا منهم قرنوا أنفسهم بعضهم إلى بعض بالسلاسل والحبال وتحالفوا بالنور وبيوت النيران لا يبرحون حتى يقتحموا أو يقتلوا، فجثوا على الركب، وقرع بين أيديهم قناديل النشاب، فقتل القوم جميعا.
وقد تنوزع فيمن قتل رستم: فذهب الأكثر إلى أن قاتله هلال بن علقمة من تيم الرباب على ما قدمنا، ومنهم من رأى أن قاتله رجل من بني أسد، ولذلك يقول شاعرهم في ذلك اليوم - وهو عمرو بن شاس الأسدي - من أبيات:
جلبنا الخيل من أكناف نيق ... إلى كسرى فوافقهارعالا
تركن بهم على الأقسام شجوا ... وبالحقوين أياما طوالا
قتلنا رستما و بنيه قسرا ... تثير الخيل فوقهم الهيال
تركنا منهم حيث التقينا ... قياما لا يريدون ارتحالا
وأخذ ضرار بن الخطاب في ذلك اليوم من فارس الرايه العظمى المقدم ذكرها أنها من جلود النمور المعروفة بمرفش كاويان، وكانت مرصعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر، فعوض منها بثلاثين ألفا، وكانت قيمتها الفى ألف ومائتي ألف، وقتل في ذلك اليوم حول هذه الراية - غير ما ذكرنا من المقرنين وغيرهم - عشرة آلاف.
تحديد تاريخ القادسية
Bogga 298