Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وكانت وقعة القادسية في المحرم سنة أربع عشرة، ومال من الفيلة سبعة عشر فيلا على كل فيل عشرون رجلا، وعلى الفيلة تجافيف الحديد - القرون مجللة بالديباج والحرير نحو بجيلة، وحول الفيلة الرجال الخيول، فبعث سعد إلى بني أسد لما نظر إلى المراكب والفيول قد مالت لى بجيلة ، فأمرهم بمعونتهم، ومالت عشرون فيلا نحو القلب، فخرج طلحة بن خويلد الأسدي مع فرسان بني أسد فقتل منهم خمسمائة رجل سوى من قتل من غيرهم فباشروا قتال الفيلة حتى أوقفوها، واشتد الجلاد على بني أسد في هذا اليوم من سائر الناس، وهذا اليوم يعرف بيوم غواث. فلما أصبح الناس في اليوم الثاني أشرف على الناس خيول لمسلمين من الشام، والإمداد سائرة قد غطت بأسنتها الشمس عليها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص في خمسة آلاف فارس من بني ربيعه ومضر إلف من اليمن، ومعهم القعقاع بن عمرو، وذلك بعد فتح دمشق بشهر، وقد كان عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح بصرف أصحاب خالد بن الوليد إلى العراق، ولم يذكر في كتابه خالدا، فشح أبو عبيدة بتخلية خالد عن يده، وبعث برجاله وعليهم هاشم بن عتبة على ما ذكرنا، إذ كان في نفس عمر على خالد أشياء من أيام أبي بكر في قصة مالك بن نويرة، وغير ذلك، وكان خالد بن الوليد خال عمر، فتقدم القعقاع في أوائك المدد، فأيقن أهل القادسية بالنصر على فارس، وزال عنهم ما لحقهم بالأمس من القتل والجراح، وبرز القعقاع حين وروده أمام الصف ونادى: هل من مبارز؛ فبرز إليه عظيم منهم، فقال له القعقاع: من أنت؟ قال: أنا بهمن بن جاذويه، وهو المعروف بذي الحاجب، فنادى القعقاع: يالثارات أبي عبيد وسليط وأصحابهم يوم الجسر!! وقد كان ذو الحاجب مبارزا لهم على ما ذكرنا من قتله إياهم، فجالا، فقتله القعقاع قتل في ذلك اليوم ثلاثين رجلا في ثلاثين حملة، كل حملة يقتل فيها رجلا، وكان آخر من قتل - عظيما من عظمائهم يقال له بزرجمهر، ففيه يقول القعقاع:
حبوته جياشة بالنفس ... هدارة مثل شعاع الشمس
في يوم أغواث قتيل الفرس ... أنخس بالقوم أشد نخس
حتى يفيض معشري ونفسي
وبارز في ذلك اليوم الأعور بن قطبة شهريار سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه فقال أخو الأعور في ذلك:
لم أر يوما كان إحدى وأمر ... من يوم أغواث إذا افتر الثغر
من غير ضحك كان أسوا وأبر
واعتل سعد فتخلف في حصن العذيب، وجلس في أعلاه يشرف على الناس، وقد تواقف الفريقان جميعا، وأمسى الناس ينتمون، فلما سمع ذلك سعد قال لمن كان عنده في أعلى القصر: إن تم الناس على الانتماء فلا توقظوني فإنهم أقوياء على عدوهم، وإن سكتوا فأيقظوني فإن ذلك شر، واشتد القتال في الليل.
أبو محجن الثقفي
وكان أبو محجن الثقفي محبوسا في أسفل القصر، فسمع انتماء الناس إلى آبائهم وعشائرهم، ووقع الحديد وشدة البأس، فتأسف على ما يفوته من تلك المواقف، فحبا حتى صعد إلى سعد ستشفعه وشتقيله، وسأله أن يخلي عنه ليخرج، فزجره سعد ورده، فانحدر راجعا، فنظر إلى سلمى بنت حفصة زوجة المثنى بن حارثة الشيباني، وقد كان سعد تزوجها بعده، فقال: يا بنت حفصة، هل لك في خير؟ فقالت: وما ذاك؟ قال: تخلين عني وتعيريني البلقاء ولله علي إن سلمني الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في القيد، فقالت: وما أنا وذلك؟ فرجع يرسف في قيده وهو يقول:
كفى حزنا أن ترتدي الخيل بالقنا ... وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد فأغلقت ... مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير و ثروة ... فقد تركوني واحدا لا أخاليا
Bogga 296