Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وفي سنة عشر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقال: " ألا أن الزمان. قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " ، وفيها كانت وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام، وقيل غيم ذلك، وفيها كان بعثه عليه الصلاة والسلام بعلي إلى اليمن، وأحرم كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم. وفي سنة إحدى عشرة كانت وفاته صلى الله عليه وسلم على حسب ما قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب قبل هذا الباب من ذكر وفاته ومقدار عمره وما قاله الناس في ذلك، وفيها كانت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسب ما ذكرنا من تنازع الناس في مقدار عمرها ومدة بقائها بعد أبيها، ومن الذي صلى عليها: العباس بن عبد المطلب أم بعلها علي؟ ولما قبضت جزع عليها بعلها علي جزعأ شديدا واشتد بكاؤه وظهر أنينه وحنينه، وقال في ذلك:
لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي فاطما بعد أحمد ... دليل على أن لا يدوم خليل
أولاده عليه السلام
وكل أولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة خلا إبراهيم: ولد له صلى الله عليه وسلم: القاسم، وبه كان يكنى، وكان أكبر بنيه سنا، ورقية وام كلثوم، وكانتا تحت عتبة وعتيبة ابني أبي لهب عمه فطلقاهما لخبر يطول ذكره، فتزوجهما عثمان بن عفان واحدة بعد وحدة، وزينب، وكانت تحت أبي العاص بن الربيع، وفرق الإسلام بينهما، ثم أسلم فردها عليه بالنكاح الأول، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم في كيفية رده عليه الصلاة والسلام لزينب على أبي العاص، وولدت من أبي العاص امامة، وتزوجها علي بعد موت فاطمة عليهم السلام.
وولد له عليه الصلاة والسلام بعد ما بعث عبد الله وهو الطيب والطاهر، الثلاثة الأسماء له لأنه ولد في الإسلام، وفاطمة، وإبراهيم.
وقد أتينا في كتابنا أخبار الزمان والكتاب الأوسط على ما كان في سنة سنه من مولده عليه الصلاة والسلام إلى مبعثه، ومن مبعثه إلى هجرته، ومن هجرته إلى وفاته، ومن وفاته إلى وقتنا هذا - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة - وما كان في ذلك من المغازي والفتوح والسرايا والبعوث والطرائق والأحداث، وإنما نذكر في هذا الكتاب لمعا منبهين - بذلك على ما سلف من كتبنا، ومذكرين لما تقدم من تصنيفنا، وبالله التوفيق.
ذكر ما بدأ به عليه الصلاة والسلام من الكلام مما لم يحفظ قبله عن أحد من الأنام
قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله المسعودي: بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ومبشرا للناس أجمعين، وقرنه الله بالايات، والبراهين النيرات، وأتى بالقرآن المعجز؛ فتحدى به قوما وهم الغاية في الفصاحة، والنهاية في البلاغة، واولو العلم باللغة والمعرفة بأنواع الكلام من الرسائل والخطب والسجع والمقفى والمنثور والمنظوم والأشعار في المكأرم وفي الحث والزجر والتحضيض والإغراء والوعد والوعيد والمدح والتهجين، فقرع به أسماعهم، وأعجز به أذهانهم وقبح به أفعالهم، وذم به آراءهم وسفه به أحل أمه م وأزال به دياناتهم، وأبطل به سنتهم، ثم أخبر عن عجزهم مع تظاهرهم أن لا يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، مع كونه عربئا مبينا.
وقد تنازع الناس في نظم القرآن وإعجازه، وليس الغرض من هذا الكتاب وصف أقاويل المختلفين، والإخبار عن كلام المتنازعين؛إذ كان كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر.
آتاه الله الحكمة
ثبت عنه عليه الصلاة والسلام بالعلم الموروث، ونقل إلينا الباقي عن الماضي من بعد قيام الأدلة على صدقه، وما أورد من المعجزات والدلائل والعلامات التي أظهرها الله على يديه ليؤدي رسالات ربه ألى خلقه - أنه قال: أوتيت جوامع الكلم، وقال: اختصر لي الكلام، مخبرا عما أوتيه من الحكمة والبيان غير القرآن المعجز، وهو ما أوتيه عليه الصلاة والسلام من الحكمة والنطق اليسير، والكلام القصير المفيد للمعاني الكثيرة والوجوه المتفرقة مع ما فيه من الحكمة وتمام المصلحة.
وكان كل أمه صلى الله عليه وسلم أحسن المقال وأوجزه؛لقلة ألفاظه وكثرة معانيه.
من موجز كل أمه
Bogga 286