241

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

فأما علة تشابه صور الترك فإنه لما استوى هواء بلدانهم في البرد استوت صورهم وتشابهت، وكذلك أهل مصر لما استوت أهواؤهم تشابهت صورهم، ولما كان الغالب على هواء الترك البرد وعجزت الحرارة عن تنشيف رطوبات أبدانهم كثرت شحومهم، ولانت أبدانهم، وتشبهوا بالنساء في كثير من أخلاقهم، فضعفت شهوة الجماع فيهم، وقل ولدهم؛لبرد مزاجهم، وللرطوبة الغالبة عليهم، وقد يكون ضعف الشهوة أيضا لكثرة ركوب الخيل، وكذلك نساؤهم: لما سمنت أبدانهن ورطبت ضعفت أرح أمه ن عن جذب الزرع إليها.

وأما ألوانهم فللبرد كما ذكرنا؛لأن البياض إذا ألحت عليه البرودة صار إلى الحمرة، وبيان ذلك أن أطراف الأصابع والشفة والأنف إذا أصابها برد شديد احمرت.

وذكر الحكيم أبمراط أن في بعض البلدان من الجنوب بلدة كثيرة الأمطار كثيرة النبات والعشب، وأن أشجارها ذاهبة في الهواء، ومياهها عذبة ودوابها عظيمة، وهي مخصبة؛لأن تلك البلاد لم يلحقها حر الشمس، ولم يلحقها يبس البرد، فأجسام أهلها عظيمة، وصوره جميلة، وأخلاقهم كريمة؛فهم - في صورهم وقاماتهم واعتدال طبائعهم يشبهون باعتدال زمان الربيع، غير أنهم أصحاب دعة لا يحتملون الشدائد والكد.

وقال أبقراط في معنى ما وصفنا وما إليه قصدنا، من بيان الأهوية وتأثيرها في الحيوان والنبات: إن الروح المطبوعة فيها هي التي تجذب الهواء إلينا، وإن الرياح تقلب الحيوان من حال إلى حال، وتصرفه من - إلى برد، ومن يبس إلى رطوبة، ومن سرور إلى حزن، وكما تغير ما في البيوت من بزر أو عسل أو فضة أو شراب أو سمن فتسخنها مرة وتبرده أخرى وترطبها مرة وتيبسها أخرى، وعلة ذلك أن الشمس والكواكب تغير الهواء بحركاتها، وإذا تغير الهواء تغير بتغيره كل شيء، فمن تقدم وعرف أحوال الأزمنة وتغيرها والدلائل التي فيها عرف السبب الأعظم من أسباب العلم وتقدم في حفظ صحة الأبدان.

أثر الجنوب

وقال أيضا: إن الجنوب إذا هبت أذابت الهواء وبردته، وسخنت البحار والأنهار، وكل شيء فيه رطوبة، وتغير لون كل شئ وحالاته، وهى ترخي الأبدان والعصب، وتورث الكسل، وتحدث ثقلا في السماع وغشاوة في البصر؛لأنها تحلل المرة، وتنزل الرطوبة إلى أصل العصب الذي يكون فيه الحس.

أثر الشمال

وأما الشمال فإنها تصلب الأبدان، وتصح الأدمغة، وتحسن اللون، وتصفي الحواس، وتقوي الشهوة والحركة، غير أنها تحرك السعال ووجع الصدر.

وقد زعم بعض من تأخر في الإسلام من الحكماء أن الجنوب إذا هب بأرض العراق تغير الورد، وتناثر الورق وتشقق القنبيط وسخن الماء، واسترخت الأبدان، وتكدر الهواء، قال: وذلك شبه ما قال أبقراط ا: إن الصيف أوبأ من الشتاء،لأنه يسخن الأبدان فيرخيها ويضعف قواها، وإن أهل العراق يكون الرجل منهم نائما في فراشه فيحس بهبوبها، وإنه إذا هبت الشمال برد الخاتم في إصبعه واتسع لانضمام البدن بها، وإذا هبت الجنوب سخن الخاتم وضاق، واسترخى البدن، وحدث فيه الكسل، وهذا يجده سائر من بالعراق ممن له حسن، إذا صرف همته إلى تأمل ذلك، وكذلك يجده من تأمل ما وصفناه في سائر الأمصار في بقاع الأرض والبلدان، وإن كان ذلك بالعراق أظهر لعموم الاعتدال.

الرياح الأربعة

ثم قال الحكيم أبقراط في معنى ما ذكرناه: إن الرياح العامة أربعة: إحداها تهب من جهة المشرق، وهي القبول، والثانية تهب من المغرب، وهي الدبور، والثالثة من التيمن، وهي الجنوب، والرابعة من التيسر، وهي الشمال.

فأما الريح التي تهب في بلد دون بلد فإنها تسمى الريح البلدية.

قال المسعودي: وقد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب جوامع من الأخبار عن الأرض والبحر، وكثير من الممالك والبلدان، وذكرنا في هذآ الباب جوامع من الأخبار عن الطبائع والأهوية والبلدان وأرباع الأرض من العامر والغامر، وغير ذلك مما تقدم ذكره وانتظم تصنيفه واتسق بحمد الله إيراده؛ فرأينا أن نختم هذا الباب بجوامع من مساحات الممالك، وما بينها من البعد والقرب، على حسب ما حكاه الفزاري صاحب كتاب الزيج والقصيدة في هيئة النجوم والفلك:

Bogga 260