Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وبينا طريفة الكاهنة ذات يوم نائمة إذ رأت فيما يرى النائم أن سحابة غشيت أرضهم وأرعدت وأبرقت ثم صعقت فما حرقت ما وقعت عليه، ووقعت إلى الأرض، فلم تقع على شيء إلا حرقته، ففزعت طريفة لذلك، وذعرت ذعرا شديدا، وانتبهت وهي تقول: ما رأيت مثل اليوم، قد أذهب عني النوم، رأيت غيما أبرق، وأرعد طويلا ثم أصعق، فما وقع على شيء إلا أحرق، فما بعد هذا إلا الغرق، فلما رأوا ما داخلها من الرعب خفضوها وسكنوا من جأشها حتى سكنت، ثم إن عمرو بن عامر دخل حديقة من حدائقه ومعه جاريتان له فبلغ ذلك طريفة، فأسرعت نحوه، وأمرت وصيفا لها يقال له سنان أن يتبعها، فلما برزت من باب بيتها عارضها ثلاث مناجد منتصبات على أرجلهن واضعات أيديهن على أعينهن، وهي دواب تشبه اليرابيع يكن بأرض اليمن، فلما رأتهن طريفة وضعت يدها على عينها وقعدت، وقالت لوصيفها: إذا ذهبت هذه المناجد عنا فأعلمني، فلما ذهبت أعلمها، فانطلقت مسرعة، فلما عارضها خليج الحديقة التي فيها عمرو وثبت من الماء سلحفاة، فوقعت على الطريق على ظهرها وجعلت تريد الإنقلاب فلا تستطيع، فتستعين بذنبها وتحثو التراب على بطنها وجنبها وتقذف بالبول، فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض، فلما عادت السلحفاة إلى الماء مضت طريفة إلى أن دخلت على عمرو الحديقة حين انتصف النهار في ساعة شديد حرها، فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح، فنفذت حتى دخلت على عمرو ومعه جاريتان له على الفراش، فلما رآها استحيا منها، وأمر الجاريتين فنزلتا عن الفراش، ثم قال لها: هلمي يا طريفة إلى الفراش، فتكهنت، وقالت: والنور والظلماء، والأرض والسماء، إن الشجر لتالف، وسيعود الماء لما كان في الدهر السالف، قال عمرو: من خبرك بهذا؟ قالت: أخبرني المناجد، بسنتين شدائد، يقطع فيها الولد والوالد، قال: ما تقولين؟ قالت: أقول: قول الندمان لهفا، قد رأيت سلحفا، تجرف التراب جرفأ، وتقذف بالبول قذفأ، فدخلت الحديقة فإذا الشجر يتكفا، قال عمرو: وما ترين ذلك؛ قالت: هي داهية ركيمة، ومصائب عظيمة، لأمور جسيمة، قال: وما هي؟ ويلك؟ قالت: أجل إن لي الويل، ومالك فيها من نيل، فلي ولك الويل، مما يجي به السيل، فألقى عمرو نفسه على الفراش وقال: ما هذا يا طريفة؟ قالت: هو خطب جليل، وحزن طويل، وخلف قليل، والقليل خير من تركه، قال عمرو: وما علامة ذلك؟ قالت: تذهب إلى السد فإذا رأيت جرذا يكثر بيديه في السد الحفر، ويقلب برجليه من الجبل الصخرة فاعلم أن النقر عقر، وأنه وقع الأمر، قال: وما هذا الأمر الذي يقع؟ قالت: وعد من الله نزل، وباطل بطل، ونكال بنا نزل، فبغيرك يا عمرو فليكن الثكل، فانطلق عمرو إلى السد يحرسه، فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلا فرجع إلى طريفة فأخبرها وهو يقول:
أبصرت أمرا عادني منه ألم ... وهاج لي من هوله برح السقم
من جرذ كفحل خنزير الأجم ... أو تيس مرم من أفاريق الغنم
يسحب صخرا من جلاميد العرم ... له مخاليب وأنياب قضم
مافاته سحلا من الصخر قصم ... كأنما يرعى حظيرا من سلم
فقالت له طريفة: إن من علامة ما ذكرت لك أن تجلس في مجلسك بين الجنتين، ثم تأمر بزجاجة فتوضع بين يديك، فإنها ستمتلئ بين يديك من تراب البطحاء من سهلة الوادي ورملة، وقد علمت أن الجنان مظلمة ما يدخلها شمس ولا ريح، فأمر عمرو بزجاجة فوضعت بين يديه، فلم يمكث إلا قليلا حتى امتلأت من تراب البطحاء، فذهب عمرو إلى طريفة فأخبرها بذلك، وقال: متى ترين هلاك السد. قالت: فيما بينك وبين السبع السنين، قال: ففي أيها يكون؛ قالت: لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، ولو علمه أحد لعلمته، ولا يأتي عليك ليلة فيما بينك وبين السبع السنين إلا ظننت هلاكه في غدها أوفي تلك الليلة.
عمرو بن عامر يتحيل للخروج من بلاده
ورأى عمرو في النوم سيل العرم، وقيل له: إن آية ذلك أن ترى الحصباء قد ظهرت في سعف النخل، فذهب إلى كرب النخل وسعفه فوجد الحصباء قد ظهرت فيها، فعلم أن ذلك واقع بهم، وأن بلادهم ستخرب، فكتم ذلك وأخفاه، وأجمع أن يبيع كل شيء له بأرض سبأ، ويخرج منها هو وولده، ثم خشي أن يستنكر الناس ذلك، فصنع طعاما وأمر بإبل فنحرت، وبغنم فذبحت، وصنع طعاما واسعا، ثم بعث إلى أهل مأرب أن عمرا صنع يوم مجد وذكر فاحضروا طع أمه ، ثم دعا ابنا له يقال له مالك، ويقال: بل كان يتيما في حجره، فقال: إذا جلست أطعم الطعام الناس ففجلس عندي ونازعني الحديث، واردده علي، وافعل بي مثل ما أفعله بك، وجاء أهل مأرب، فلما جلسوا أطعم الناس وجلس عنده الذي أمره بما أمره به، فجعل ينازعه الحديث، ويرذ عليه، فضرب عمرو وجهه وشتمه، فصنع الصبي بعمرو مثل ما صنع به فقام عمرو وصاح: واذلأه يوم فخر عمرو ومجده يضرب وجهه صبي، وحلف ليقتلنه، فلم يزالوا بعمرو حتى تركه ففي ذلك قال حاجز الأزديى:
Bogga 243