217

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

فكر الذي لم يعرف الزجر منهم ... وأيقن قلبي أنهن نوائح ثم شارفوا مقصدهم، فألفوا الرئيس قد نهشته أفعى، فأتت عليه.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وهذا من غريب الزجر، وذلك أن السانح مرجو عند العرب، والبارح: هو المخوف ، وأظن عبيدا إنما زجر الظباء في حالة رجوعها، ووصف الحال الأول في شعره، كما أن من شرط الواصف أن يبدأ بهوادي الأسباب فيوضح عنها، فهذا وجه زجر عبيد الراعي في شعره.

اختصاص بعض العرب ببعض هذه الأمور

ويقال: إن الكهانة لليمن، والزجر لبني أسد، والقيافة لبني مدلج وأحياء مضر بن نزار بن معد، لما كان من فعل بني نزار الأربعة في مسيرهم نحو الأفعى الجرهمي، ووصفهم الجمل الشارد، على ما ذكرنا، أو ذلك منهم قيافة؛فمن هنالك تفرقت القيافة من أحياء مضر على حسب ما تغلغل في العروق ونزع، وأهل المياه أكهن، وأهل البر الفائح أقوف، وبأرض الجفار - وهي بلاد الرمل بين بلاد مصر وأرض الشام - أناس من العرب في تلك الجفار يتناول الإنسان من تمر نخلهم فيغيب عنهم السنين ولم يروه ولا شاهدوه، فإن رأوه بعد مدة علموا أنه الآخذ لتمرهم، ولا يكادون يخطئون وهذا من فعلهم مشهور، ولا يكاد تخفى عليهم أقدام أي الناس هم.

ورأيت بهذه الأرض أناسا قد رتبهم ولاة المنازل يطوفون في هذا الرمل، يعرفون بالقصاص، يقصون آثار الناس وغيرهم، فيخبرون ولاة المنازل أي الناس هم ممن طرق تلك البلاد، وهم لم يروهم، بل رأوا اثر أقد أمه م، وهذا معنى لطيف وحس دقيق.

القيافة

وقد قفت القافة بقريش حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، حتى أتت باب الغار على حجر صلد وصخر صم وجبال لا رمل عليها ولا طين ولا تراب تتبين عليه الأقدام، فحجبهم الله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم بما كان من نسج العنكبوت، وما سفت عليه الرياح، وما لحق القائف من الحيرة، وقوله: إلى هنا انتهت الأقدام، ومعه الجماعة من قريش، لا يرون على الصلد ما يرى ولا على الضفوان ما يشاهد، وأبصارهم سليمة، والآفات عنها مرتفعة، والموانع زائلة، ولولا أن هنالك لطيفة لا يتساوى الناس في علمها، ولا يتفقون بالأبصار إحصاء إدراكها، لما استأثر بذلك طائفة دون أخرى، وأهل الجبال والقفار والدهاس أزجر وأعرف.

القيافة عند أهل الشرع

وقد ذهب قوم من أهل الشريعة، من فقهاء الأمصار وغيرهم ممن سلف، إلى الحكم بالقيافة؛ استدلالا على شرف القيافة، وعظم خطرها وكبر محلها، وتحقيق فضلها؛لتعجب النبي صلى الله عليه وسلم منها، وتصديقه محرز المدلجي.

وقد أنكر جماعة من فقهاء الأمصار، ممن سلف وخلف، الحكم بالقيافة، والدليل على فساد الحكم بها إلحاق النبي صلى الله عليه وسلم الولد بأبيه حين شك فيه لعدم التشابه، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي وضعت غلاما وإنه لأسود فقال النبي صلى الله عليه وسلم مقربا إلى فهمه وقصدا منه لفساد علته التي قصدها وشك من أجلها في ولده فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: فهل فيها من أورق؟ قال: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فمن أين ذلك؟ لعل عرقا نزع " ا وقوله صلى الله عليه وسلم في قصة شريك بن سحماء لا إن جاءت به على النعت المكروه، فهو للذي رميت به لما فلما جاءت به على النعت المكروه وجد التشابه بينه وبين من رميت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لولا حكم الله لكان لي ولك شأن " فألحق الولد مع عدم الشبه هنالك، ولم يلحق بالشبه ههنا، ولم يجعله حكما، وقضى بوجود الفراش وثبوت النص على فساد الحكم بالتشابه.

وهذا باب قصدنا فيه هذا الكلام، وإنما ذكرنا هذا الفصل لنذكر الحكم بضده من القيافة، وهذا باب يطول فيه الخطب، ويكثر في معانيه الشرح؛لغموضه ولطفه، وقد ذكرنا وجه الكلام في ذلك وما ذهبت إليه كل فرقة من الناس ممن سلف وخلف في كتابنا المترجم بكتاب الرؤوس السبعة في الإحاطة بسياسة العالم وأسراره وهو كتاب مشهور مستوعب.

ذكر الكهانة وما قيل في ذلك وما اتصل بهذا الباب مما يراه الناس وحد النفس الناطقة

أصل ادعاء علم الغيب

Bogga 236