196

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ذكر عدة من رواة أخبار العرب أن نزار بن معد ولد أربعة أولاد: إيادا، وبه كان يكنى، وأنمارا - وبجيلة وخثعم من ولده على ما قيل، إذ كان فيما ذكرنا تنازع لأن من الناس من ألحقهم باليمن، ومن الناس من ذكر فيهم ما وصفنا أنهم من ولد أنمار بن نزار - وربيعه، ومضر، فلما حضرت نزارا الوفاة دعا بنيه ودعا بجارية له شمطاء، فقال لإياد: هذه الجارية وما أشبهها من مالي ذلك، ثم أخذ بيد مضر فأدخله قبة له حمراء من أدم، ثم قال: هذه القبة وما أشبهها من مالي ذلك، ثم أخذ بيد ربيعه وقال له: هذا الفرس الأدهم والخباء الأسود وما أشبهها من مالي ذلك،. ثم أخذ بيد أنمار وقال له: هذه البحرة والمجلس وما أشبهها من مالي ذلك، فإن أشكلت عليكم هذه القسمة فأتوا الأفعى بن الأفعى الجرهمي - وكان ملك نجران - حتى يقسم بينكم وتراضوا بقسمته، فلم يلبث نزار إلا قليلأ حتى هلك، وأشكلت القسمة على ولده، فركبوا رواحلهم ثم قصدوا نحو الأفعى، حتى إذا كانوا منه على يوم وليلة من أرض نجران، وهم في مفازة، إذا هم بأثر بعير فقال إياد، إن هذا البعير الذي ترون أثره أعور، فقال أنمار: وإنه لأبتر، قال ربيعه: وإنه لأزور، قال مضر: وإنه لشرود، فلم يلبثوا أن رفع إليهم راكب توضع به راحلته، فلما غشيهم قال لهم: هل رأيتم من بعير ضال في وجوهكم، قال إياد أكان بعيرك أعور؟ قال: فإنه لأعور، قال أنمار: أكان بعيرك أبتر؟ قال: فإنه لأبتر، قال ربيعه: أكان بعيرك أزور؟ قال: فإنه لأزور، قال مضر: أكان بعيرك شرودا؟، قال: إنه لشرود، ثم قال لهم: فأين بعيري؟ دلوني عليه، قالوا: والله ما أحسسنا لك ببعير ولا رأيناه، قال: - أنتم أصحاب بعيري وما أخطأتم من نعته شيئا، قالوا: ما رأينا لك بعيرا، فتبعهم حتى قدموا نجران، فلما أناخوا بباب الأفعى أستأذنوا عليه، فأذن لهم، فدخلوا، وصاح الرجل من وراء الباب: أيها الملك، هؤلاء أخذوا بعيري ثم حلفوا أنهم ما رأوه، فدعا به الأفعى فقال: ما تقول؟ فقال: أيها الملك، هؤلاء ذهبوا ببعيري وهم أصحابه، فقال لهم الأفعى: ما تقولون؟ قالوا: رأينا في سفرنا هذا إليك أثر بعير، فقال إياد: إنه لأعور، قال: وما يمريك أنه أعور؛ قال: رأيته مجتهدا في رعي الكلأ من شق قد لحسه والشق الأخر واراف كثير الإلتفاف لم يمسه فقلت: إنه أعور، وقال أنمار: رأيته يرمى ببعره مجتمعا ولو كان أهلب لمصع به فعلمت أنه أبتر، وقال ربيعه: رأيت أثر إحدى يديه ثابتا والأخر فاسدا فعلمت أنه أزور، وقال مضر: رأيته يرعى الشقة من الأرض ثم يتعداها فيمر بالكلأ الملتف الغض فلا ينهش منه حتى يأتي ما هو أرق منه، فيرعى فيه، فعلمت أنه شرود، فقال الأفعى: صدقوا، قد أصابوا أثر بعيرك وليسوا بأصحابه، التمس بعيرك ثم قال الأفعى للقوم: من أنتم؟ فأخبروه بحالهم، وانتسبوا إليه فرحب بهم وحياهم ثم قال: ما خطبكم؟ فقصوا عليه قصة أبيهم، قال الأفعى: وكيف تحتاجون إلي وأنتم على ما أرى. قالوا: أمرنا بذلك أبونا، ثم أمر بهم فأنزلوا، وأمر خادما له على دار الضيافة أن يحسن إليهم ويكرم مثوأهم وإلطافهم بأفضل ما يقدر عليه أمر وصيفا له من بعض خدمه ظريفا أديبا، فقال له: أنظر كل كلمة تخرج من أفواهم فأتني بها، فلما نزلوا بيت الضيافة أتاهم القهرمان بقرص من شهد فأكلوا وقالوا: ما رأينا شهدا أعذب ولا أحسن ولا أشد حلاوة منه، فقال إياد: صدقتم لولا أن نحله ألقاه في هامة جبار، فوعاها الغلام، فلما حضر غداؤهم وجيء بالشواء فإذا بشاة مشوية فأكلوها وقالوا: ما رأينا شواء أجود شئا ولا أرخص لحما ولا أسمن منه، فقال إنمار: صدقتم لولا أنه غني بلبن كلبة. ثم جاءهم بالشراب فلما شربوا قالوا: ما رأينا خمرا أرق ولا أعنب ولا أصفى ولا أطيب رائحة منه، فقال ربيعه: صدقتم لولا أن كرمها نبت على قبر. ثم قالوا: مارأينا منزلا أكرم قرى ولا أخصب رحلا من هذا الملك. قال مضر: صدقتم لولا أنه لغير أبيه. فذهب الغلام إلى الأفعى فأخبره بما كان منهم، فدخل الأفعى على أمه ، فقال: أقسمت عليك إلا ما أخبرتني من أنا ومن أبي، فقالت: يا بني، وما دعاك إلى هذا؟ أنت ابن الأفعى الملك الأكبر، قال: حقا لتصدقني، فلما ألح عليها قالت: يا بني إن أباك الأفعى الذي تدعى له شيخا قد أثقل، فخشيت أن يخرج هذا الملك عنا أهل البيت، وقد كان قدم إلينا شابا من أبناء الملوك، فدعوته إلى نفسي، فعلقت بك منه، ثم بعث إلى القهرمان، فقال: أخبرني عن الشهد الذي بعثت به إلى هؤلاء النفر ما خطبه؟ قال: أنا أخبرنا بدير في طف. فبعثت إليه من يشوره،، فأخبروني أنهم هجموا على عظام نخرة منكرة في ذلك الطف، فإذا النحل قد عسلت في جمجمة من تلك العظام، فأتوا بعسل لم أرمثله فقدمته إلي القوم لجودته، ثم بعث إلى صاحب مائدته فقال: ما هذه الشاة التي شويتها لهؤلاء القوم؟ قال: أنى بعثت إلى الراعي أن ابعث إلي بأحسن شاة عندك، فبعث بها إلي، وما سألته عنها، فبعث إلى الراعي أن أعلمني خبر هذه الشاة، قال: إنها أول ما ولدت من غنمي عام أول، فماتت أمه ا، فبقيت، وكانت كلبة لي قد وضعت فأنست السخلة بجراء الكلبة، فكانت ترضع من الكلبة مع جرائها، فلم أجد في غنمي مثلها، فبعثت بها إليك، ثم بعث إلى صاحب الشراب، فقال: ما هذا الخمر الذي سقيت لهؤلاء القوم. قال: من حبة كرم نبتت غرستها على قبر أبيك، فليس في العرب مثل شرابها، فقال الأفعى: ما هؤلاء القوم؟ إن هم إلا شياطين، ثم أحضرهم فقال: ما خطبكم؟ قصوا علي قصتكم، فقال إياد: الله أبي جعل لي خادمة شمطاء وما أشبهها من ماله، فقال: إن أباك ترك غنما برشاء فهي لك ورعاؤها مع الخادم قال أنمار: إن أبي جعل لي بدرة ومجلسه وما أشبهها من ماله، قال: ذلك ما ترك أبوك من الرقة والحرث والأرض، فقال ربيعه: إن أبي جعل لي فرسا أدهم وبيتأ أسود وما أشبهها من ماله، قال: فإن أباك ترك خيلا دهما وسلاحا فهي لك وما فيها من عبيد، فسمي ربيعه الفرس، فقال مضر: إن أبي جعل لي قبة حمراء من أدم وما أشبهها من ماله، فقال: إن أباك ترك إبلأ حمراء فهي لك وما أشبهها من ماله، فصارت لمضر الإبل والقبة الحمراء، والذهب، فسمي مضر الحمراء، وكانوا على ذلك مع أخوالهم جرهم بمكة فأصابتهم سنة أهلكت الشاء وعامة الإبل، وبقيت الخيل، وكان ربيعه يغزو عليها ويصل أخوته، وذهب ما كان لأنمار من شاء في تلك السنين، ثم عاود الناس الخصب والغيث، فرجعت الإبل وثابت إليها أنفسها ومشت، فتناسلت وكثرت وقام مضر بأمر أخوته، فبينما هم كذلك وقد قدم الرعاء بابلهم فتعشوا ليلا وعشوا رعاءهم فقام مضر يوصي الرعاء وفي يد أنمار عظم يتعرقه فرمى به في ظلمة الليل وهو لا يبصر فأوتد في عين مضر وفقأه فتأوه مضر وصاح: عيني، عيني، وتشاغل به أخوته، فركب أنمار بعيرا من كرائم إبله، فلحق بديار اليمن، وكان بين أخوته ما ذكرنا من التنازع.

Bogga 215