Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
من الدأرميين الذين دماؤهم ... شفاء من الداء المجنة والخبل واستصفت دمه، وجعلته في برنية، وقال بعضهم: دخل عليها جذيمة في قصر لها ليس فيه إلا الجواري، وهي على سريرها، فقالت للإماء: خذن بيد سيدكن، ثم دعت بنطع فأجلسته عليه فعرف الشر وكشفت عن عورتها فإذا هي قد عقدت شعر استها من وراء؛فقالت: أشوار عروس ترى؟ فقال: بل شوار أمه بظراء، فقالت: أما والله ما ذاك من عدم مواس، ولا قلة أواس، ولكنها شيمة ما أناس، ثم أمرت برواهشة فقطعت، فجعل دمه يشخب في النطع كراهة أن يفسد مقعدها، فقال جذيمة: لا يحزنك دم أراقه أهله.
عمرو بن عدي يأخذ بثأر خاله
ونجا قصير، فأورد الخبر على عمرو بن عبد الجن التنوخي بالحيرة، فأشفق لذلك، فقال له قصير: اطلب بثأر ابن عمك، وإلا سبتك العرب، فلم يحفل بذلك، فخرج قصير إلى عمرو بن عدي، فقال له: هل لك في أن أصرف الجنود إليك على أن تطلب ثأر خالك؟. فضمن له ذلك، فصرف وجوه الجنود إليه، ومناهم بالمال والحال ، فانصرف إليه منهم بشر كثير، فالتقى هو والتنوخي، فلما خافوا الفناء تابعه التنوخي، وتم الأمر لعمرو بن عدى، فقال له قصير: انظر ما وعدتني به في الزباء، فقال عمرو: وكيف لنا بها وهي أمنع من عقاب الجو؟؛ فقال: أما إذ أبيت فإني جادع أنفي وأذني ومحتال لقتلها جهدي، فأعني وخلاك ذم، فقال له عمرو: أنت أبصر، وعلئ معونتك، فجدع أنفه، فقيل: لأمر ما جدع قصير أنفه، ثم انطلق حتى دخل على الزباء، فقالت: من أنت؟ فقال: أنا قصير، لا ورب المشارق ما كان على وجه الأرض بشر كان أنصح لجذيمة ولا أغش لك مني، حتى جدع عمرو بن عدي أنفي وأذني، فعرفت أني لا أكون مع أحد هو أثقل عليه مني معك، فقالت: أي قصير، نقبل منزلتك ونصرفك في بضائعنا، فأعطته مالا للتجارة، فأتى بيت مال الحيرة، فاستخف ما فيه بأمر عمرو بن عدي، وانصرف به إليها، فلما رأت ما جاءها به فرحت بذلك، وزادته ما لا إلى ما جاء به، وقال: إنه ليس من ملك إلا وهم يتخنون في مدائنهم أنقابا تكون لهم عددا، فقالت له: أما إني قد فعلت ذلك، قد نقبت سربا وبنيته من تحت سريري هذا حتى أخرج من تحت الفرات إلى سرير أختي رحيلة ففرح بذلك قصير، ثم ظعن حتى أتى عمرا، فركب عمرو في الذي رجل على ألف بعير في الصناديق، حتى صار إليها، فتقدم قصير وسبق الأبعرة، فقال لها: اصعدي حائط مدينتك. وانظري إلى مالك، وتقدمي إلى بوابك فلا يتعرض لشيء من أموالنا، فإني قد جئت بمال صامت. وكانت قد أمنته، فلم تكن تخافه وصعدت وفعلت ما أمرها، فلمال نظرت إلى ثقل مشي الجمال قالت:
ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانأ باردا شديدا ... ام الرجال جثما قعودا
ودخلت الإبل المدينة، حتى إذا بقي آخرها جملا عيل صبر البواب، فطعن بمنخسة كانت في يدى خاصرة رجل فضرط، فقال البواب: بشتابشتا، وهي بالنبطية أي: في الجوالق شر، وثار الرجال من الجوالق ضربا بأسيافهم، فخرجت الزباء هاربة إلى سربها، فأبصرت قصيرا عند نفقها مصلتا سيفه، فانصرفت راجعة، وتلقاها عمرو بن عدي، فضربها وقال بعضهم: مصت خاتمها، وكان فيه سم ساعة، !وقالت: بيدي لا بيد عمرو، وخربت المدينة، وسبيت الفراري، فقالت الشعراء في أمرها وأمر قصير فأكثرت ؛ فمن ذلك قول المتلمس:
ومن طلب الأوتار ماحز أنفه ... قصير، ورام الموت بالسيف بيهس
نعامة لما صرع القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس
ومن ذلك قول عدي بن زيد التميمي يصف ذلك من أمرهم:
ألا يأيها الملك المرجى ... ألم تسمع بخطب الأولينا
دعا بالبقة الأمراء يوما ... جذيمة عام ينجوهم ثببنا
وطاوع أمرهم، وعصا قصيراوكان يقول لو وقع اليقينا
لخطبته التي غدرت وخانت ... وهن فوات غائلة، لحينا
مع أشعار كثيرة قيلت في ذلك.
Bogga 207