174

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال المسعودي: ولما خرج عمرو بن عامر وولده من مأرب انخزع بنو ربيعه ، فنزلوا تهامة، فسموا خزاعة لانخزاعهم، ولما ثارت الحرب بين أياد ومضر ابني نزار، وكانت على إياد قلعت الحجر الأسود ودفنته في بعض المواضع، فرأت ذلك امرأة من خزاعة، فأخبرت قومها، فاشترطوا على مضر أنهم إن رفوا الحجر جعلوا ولاية البيت فيهم، فوفوا لهم بذلك، ووليت خزاعة أمر البيت، وكان أول من وليه منهم عمرو بن لحي، واسم لحي حارثة بن عامر، فغير دين إبراهيم وبدله، وبعث العرب على عبادة التماثيل؛ لخبر قد ذكرناه في هذا الكتاب وغيره، حين خرج إلى الشام ورأى قوما يعبدون الأصنام، فأعطوه منها صنمأ فنصبه على الكعبة، وقويت خزاعة، وعم الناس ظلم عمرو بن لحي، وفي ذلك يقول رجل من جرهم كان على دين الحنيفية:

يا عمرو لا تظلم بمكة ... ؛إنها بلد حرام

سائل بعاد أين هم ... وكذاك تخترم الأنام

بني العامليق الذين ... لهم بها كان السوام

ولما أكثر عمرو بن لحي من نصب الأصنام حول الكعبة وغلب على العرب عبادتها، وانمحت الحنيفية منهم إلا لمعا، قال في ذلك شحنة بن خلف الجرهمي:

يا عمرو، إنك قد أحدثت الهة ... شتى بمكة حول البيت أنصابا

وكان للبيت رب واحد أبدا ... فقد جعلت له في الناس أربابا

لتعرفن بأن الله في مهل ... سيصطفي دونكم للبيت حجابا

وعمر عمرو بن لحي ثلثمائة سنه وخمسا وأربعين سنة.

خصال ولاية البيت ثلاث خصال

وكانت ولاية البيت في خزاعة وفي مضر ثلاث خصال: الإجازة بالناس من عرفة، والإفاضة بالناس غداة النحر إلى منى، فانتهى ذلك منهما إلى أبي سيارة، فدفع أبو سيارة من مزدلفة إلى منى أربعين سنة على حمار له، ولم يعتل في ذلك، حتى أدركه الإسلام، فكانت العرب تتمثل به فتقول أصح من عير أبي سيارة.

وفي أبي سيارة يقول قائلهم:

نحن دفعنا عن أبي سيارة ... حتى أفاض محرما حماره

مستقبل القبلة يدعو جاره

النسء والنسأة

والنسء للشهور الحرم،، وكانت النسأة في بني مالك بن كنانة، وكان أولهم أبو القلمس حذيفة بن عبد، ثم ولده قلع بن حذيفة وورد الإسلام وآخرهم أبو ثمامة، وذلك أن العرب كانت إذا فرغت من الحج وأرادت الصدر اجتمعت إليه، فيقوم فيهم، فيقول: اللهم إني ؤ أحللت أحد الضفرين الصفر الأول، وأنسأت الأخر للعام المقبل، وظهر الإسلام وقد عادت الشهور الحرم إلى بدئها على ما كانت عليه في أصلها، وذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض وما ذكر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلي آخره، فأخبر الله عز وجل عنهم بذلك بقوله تعالى: " إنما النسىء زياد في الكفر - الآية " ، وقد فخر بذلك عمير بن قيس بن جذل الطعان فقال:

ألسنا الناسئين على معد ... شهور الحل نجعلها حراما؟

ولاية البيت تؤول إلى قصى بن كلاب

وقد كان قصى بن كلاب بن مرة تزوج ابنة حليل، وحليل هو آخر من ولي البيت من خزاعة، وقد كان عمرو بن لحي - حين عمر ما ذكرنا من السنين - مات وله من الولد وولد الولد ألف، ولما حضرت حليلا الوفاة - وهو آخر من ولي البيت من خزاعة - وقد كان عمرو على ما ذكرنا جعل ولاية البيت إلى - ابنته زوج قصى بن كلاب، فقيل له: إنها لا تقوم بفتح الباب وغلقه، فجعل ولاية البيت إليها، وفتح الباب وغلقه إلى رجل من خزاعة يعرف بأبي غبشان الخزاعي، فباعه أبو غبشان إلى قصي ببعير وزق خمرة فأرسلت العرب ذلك مثلا، فقالت أخسر من صفقة غبشان وفي بيعه لولاية البيت ببعير وزق من الخمر ونقله ولاية البيت من قومة من خزاعة إلى قصي بن كلاب، يقول الشاعر:

أبو غبشان أظلم من قصي ... وأظلم من بني فهر خزاعه

فلا تلحوا قصيا في شراه ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه

وقال في ذلك آخر:

Bogga 192