سيظل جيمي ما دام حيا يتذكر رد فعل الكشافة الصغير على ذلك السؤال. فقد انتصبت قامته النحيفة. ورفع رأسه عاليا للغاية. وشمخ بذقنه. وراح يطرف بعينيه. ووضع يدا على صدره أسفل عنقه؛ ثم فتح فمه وأغمض عينيه، وجعل الكشافة الصغير يمثل ابتلاع لقمة كبيرة أكبر ما يمكن نزوله على الإطلاق في حلق صغير. ثم تكلم بصراحة من دون مواربة، وقد بدأ جيمي يدرك أن ذلك شأن الكشافة الصغير في كل تصرفاته. «حسنا، بالقطع سيتركها لي بطبيعة الحال!»
جاءت الكلمات بهدوء وعفوية واقتناع من شفتين مطمئنتين. «سيتركها لي، وربما يترك لك بعضا منها لأنك التزمت بالعمل حين كنت تكاد لا تكون قادرا على ذلك، وواجهت النحل كما يجدر برجل حقيقي أن يفعل، وكنت أمينا في رعايتك شئونه. بإمكانك أن تدون إجابتي على ذلك السؤال: سوف يترك لي جزءا، وإذا فعل الصواب، كما كان يفعل دائما، فسيترك لك جزءا.»
فقال له جيمي: «حسنا، يا لك من بارع في التخمين يا جين! هذا ما فعله سيد النحل بالضبط. فقد ترك رسالة يعتقد الدكتور جرايسون أن المحاكم ستعمل بها، وتقول الرسالة إن الفدان الغربي من تلك الحديقة البديعة والقفائر التي عليه من حقك، والفدان الشرقي وما عليه من قفائر من حقي. من ناحيتك لك حرية أن تفعل أيا ما تراه أنت ووالداك مناسبا. أما أنا، فهي تبدو لي كهدية لا يمكنني قبولها.» «كيف ذلك؟»
وجه الكشافة الصغير السؤال لجيمي بحزم.
فقال جيمي: «مهلا، إنني لم أفعل أي شيء لأستحقها. كل ما فعلته هنا هو نقطة في بحر مقارنة بقيمة فدان الأرض الواقعة أسفل ذلك المنحدر، بما فيها من زرع، والنحل الذي يملؤها. إنه ببساطة بمثابة الانتقال إلى منزل ومعيشة مريحة ومهنة أعلم يقينا أنني مؤهل ذهنيا لإتقانها خلال بضع سنوات من العمل بحب واجتهاد، ولدي كل الكتب التي أحتاج إليها وكل المواد التي أحتاج إليها، واسم رجل سيساعدني. الأمر في غاية السهولة! كأنها قصة خيالية! إنه حلم! والأمور لا تجري هكذا في الواقع.»
هنا جعل الصغير يقلب الأمر على وجوهه.
ثم قال بصوت رصين: «فلتصغ إلي» ووضع يده الصغيرة على خد جيمي وحول إليه وجهه فورا بحيث يتلقى نظرات المتحدث. ثم تابع: «أصغ إلي! ربما تظن أن الضمادات التي ترتديها لا تظهر من وراء القميص على ظهرك؛ لكنها تظهر حين تنحني. إنك تحسن إخفاءها ولا تتذمر، لكنك ما كنت سترضى أن تصبح مقيدا تماما هكذا لو لم تكن مضطرا إلى ذلك. وذلك معناه أنك واجهت في طريقك متاعب وأشياء آذتك وضرتك ضررا بالغا، وكان ذلك من أجلنا جميعا، «من أجلك يا بلادنا.» لكنك ثابرت وتحملت آلامك، ولم تشتك، ونجوت منها. فقد عرفت، وحدك تماما، أنه قد تنالك أشياء بشعة وأشياء بغيضة، وربما أشياء لم تكن تستحقها على الإطلاق. فلماذا إذن لا يحدث لك شيء رائع وجميل بنفس الطريقة؟ لماذا لا يمكن لشيء جميل أن يحدث لك تماما كما ألم بك أمر بغيض؟ لماذا لا يمكن أن تحصل على فدان أرض بقفائر نحل وزهور تماما كما أصابتك كارثة كدت أن تموت منها كمدا؟ هلا تغاضيت عن هذا الأمر؟»
فقال له جيمي: «حسنا، بعد تأمل الأمر، تذكرت قانون التعويض. حسب قانون التعويض حين تمضي الأمور في اتجاه ما حتى تبلغ أقصاه، فإنها أحيانا ما ترتد وتمضي بالقدر نفسه في الاتجاه الآخر.»
جاءه رد الصغير: «بالتأكيد!» ثم قال: «ذلك هو الصواب! هكذا تنظر إلى الأمر! فلا تجلس وتقول إنك لا تفهم ما حدث ولا تستحق هذه الأشياء. لأنك تستحقها، وإلا ما كنت ستحصل عليها ! ما دامت فيك صفات مميزة، وأعتقد أنك ولدت بها تماما كما ولد بها أخي الصغير. فمنذ جاءوا به من المستشفى وترى فيه صفات من أبي، وترى فيه أشياء من أمي، وأرجو من الله أن تصبح به صفة واحدة تشبهني! حين ركبت قاربا ومررت بالكهف الكائن في الصخور، حيث تستطيع أن ترى الضوء، إن أمعنت النظر، قالت مولي إنني إن تمنيت أكثر شيء أرغب فيه في الدنيا عند رؤية الضوء فسوف يتحقق. لذلك فقد تمنيت أمنية وأرادت مولي أن تعرف ما تمنيته، لكنني لم أخبرها. إنني أحب مولي، لكنه ليس من شأنها. إنني أحبها، لكنها ليست كاتمة أسراري كما كان سيد النحل وكما ستصبح أنت الآن من بعده. لذلك سأخبرك بما تمنيته من أجل أخي الصغير حين رأيت الضوء الذي يجعل الأمنيات تتحقق. لقد خطر لي هو فقط لحظة أن رأيت الضوء؛ لأن رغبتي في الشيء الذي أتمناه لأخي الصغير أكبر حتى من رغبتي في حصان. لذلك بأسرع وبأقوى ما استطعت، قلت بنية صادقة موجها نظري إلى الضوء مباشرة: «أتمنى ألا يصبح صغيرنا جيمي شخصا نذلا حين يكبر أبدا»!»
نهض جيمي وأخذ الكشافة الصغير من يده.
Bog aan la aqoon