بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن ميمون ﵀ بعد ما حمد الله ﷿، وسأله التوفيق في كل أحواله وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله.
هذا كتاب جمع فيه ألف قصيدة، اخترتها من أشعار العرب الذين يستشهد بأشعارهم، وسميته: منتهى الطلب من أشعار العرب وجعلته عشرة أجزاء، وضمنت كل جزء منها مائة قصيدة، وكتبت شرح بعض غريبها في جانب الأوراق، وأدخلت فيها قصائد المفضليات، وقصائد الأصمعي التي اختارها، ونقائض جرير والفرزدق، والقصائد التي ذكرها أبو بكر بن دريد في كتاب له: سماه: الشوارد، وخير قصائد هذيل، والذين ذكرهم ابن سلام الجمحي في كتاب الطبقات، ولم أخل بذكر أحد من شعراء الجاهلية والإسلاميين الذين يستشهد بشعرهم إلا من لم أقف على مجموع شعره، ولم أره في خزانة وقف ولا غيرها، وإنما كتبت لكل أحد ممن ذكرت أفصح ما قال وأجوده، حتى لو سبر ذلك علي منتقد بعلم عرف صدق ما قلت.
واخترت هذه القصائد وقد جاوزت ستين سنة بعد أن كنت مذ نشأت ويفعت مبتلي بهذا الفن حتى أني قرأت كثيرًا منها على شيخي أبي محمد عبد الله ابن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب ﵀ حفظًا وعلى شيخي أبي الفضل ابن ناصر وغيره ممن لقيته، ونسخت معظم دواوينها.
ولما أردت أن أجمع هذا الكتاب على ترتيب الشعراء وتقديم بعضهم على بعض لم يمكنني لأنه لم يتفق أني أقف على ذلك على ترتيب فاعذر في ذلك، وإنما قدمت كعب بن زهير وختمته بهاشميات الكميت تيمنًا وتبركًا بمدح رسول الله ﷺ في قصيدة كعب وذكره صلى الله عليه وآله في شعر الهاشميات التي ختمت بها الكتاب.
وكان جمعي لهذا الكتاب في شهور سنتي ثمان وتسع وثمانين وخمس مائة بمدينة السلام، ولقد وقفت على كتب كثيرة جمعت من الشعر، فلم أر من بلغ إلى ما بلغت فيه من الاستكثار والعدد، فأسأل الله تعالى أن يصلي على محمد وآله وأن يبارك فيه ويوفق المتشاغل به، وأسأله التوبة والمغفرة وإنه وليّ ذلك.
كعب بن زهير
قال كعب بن زهير يمدح رسول الله ﷺ: وقرأت هذه القصيدة في سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة على الشيخ أحمد بن علي بن السمين. ورواها لي عن أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي، عن أبي محمد الحسن بن علي الجوهري، عن أبي عمرو محمد بن العباس بن حيويه الجزاز، عن أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير المزني، عن أبيه عن جده عن كعب: البسيط
بانتْ سعادُ فقلبِي اليومَ متبولُ ... متيمٌ إثرها لم يفدَ مكبولُ
وما سعادُ غداةَ البينِ إذ ظعنوا ... إلا أغنُّ غضيضُ الطرفِ مكحولُ
تجلو عوارضَ ذي ظلمٍ إذا ابتسمتْ ... كأنه منهلٌ بالراحِ معلولُ
شجتْ بذِي شبمٍ منْ ماءِ محنيَةٍ ... صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمولُ
تنفي الرياحُ القذَى عنهُ وأفرطَه ... من صوبِ ساريةٍ بيضٌ يعاليلُ
يا ويحها خلةً لو أنها صدقتْ ... موعودَها أو لوَ أنَّ النُّصحَ مقبولُ
لكنها خلةٌ قد سيطَ من دمِها ... فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديلُ
فما تدومُ على حالٍ تكونُ بها ... كما تلونُ في أثوابها الغُولُ
وما تمسكُ بالعهدِ الذي زعمتْ ... إلا كما يمسكُ الماءَ الغرابيلُ
كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلًا ... وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ
أرجُو وآملُ أن يعجلنَ من أبدٍ ... وما لهنَّ طوالَ الدهرِ تعجيلُ
فلا يغرنكَ ما منتْ وما وعدتْ ... إنَّ الأمانيَّ والأحلامَ تضليلُ
أمستْ سُعادُ بأرضٍ لا يبلغُها ... إلا العتاقُ النَّجيباتُ المراسيلُ
ولن يبلغها إلا عذافرةُ ... فيها على الأينِ إرقالٌ وتبغيلُ
منْ كلِّ نضاخةِ الذفرَى إذا عرقتْ ... عرضتُها طامسُ الأعلامِ مجهولُ
ترمي الغيوبَ بعيني مفردٍ لهقٍ ... إذا توقدَتِ الحزانُ والميلُ
ضخمٌ مقلدُها فعمٌ مقيدُها ... في خلقها عن بناتِ الفَحلِ تفضيلُ
حرفٌ أخوها أبوها من مهجنَةٍ ... وعمُّها خالها قوداءُ شمليلُ
1 / 1
يمشي القرادَ عليها ثم يزلقُه ... منها لبانٌ وأقرابٌ زهاليلُ
عيرانةٌ قذفتْ باللحمِ عنْ عُرضٍ ... مرفقُها منْ بناتِ الزورِ مفتولُ
كأنّ ما فاتَ عينيها ومذبحها ... من خطمِها ومن اللحيينِ برطيلُ
تمرُّ مثلَ عسيبِ النخلِ ذا خصلٍ ... في غارزٍ لم تخونهُ الأحاليلُ
قنواءُ في حرتيها للبصير معًا ... عتقٌ مبينٌ وفي الآذان تآليلُ
تخدِي على يسراتٍ وهي لاحقةٌ ... ذوابلٌ وقعهنَّ الأرضَ تحليلُ
سمرُ العجاياتِ يتركنَ الحصا زيمًا ... لم يقهنَّ رؤوسَ الأُكمِ تنعيلُ
يومًا تظلُّ حدَابُ الأرضِ يرفعها ... من اللوامعِ تخليطٌ وتزييلُ
يومًا يظلُّ به الحرباءُ مصطخِمًا ... كأنّ ضاحيَه بالنَّارِ مملُولُ
كأنَّ أوْبَ ذراعيها إذا عرقتْ ... وقدْ تلفعَ بالقورِ العساقيلُ
وقالَ للقومِ حاديهم وقدْ جعلتْ ... ورقُ الجنادبِ يركضنَ الحصى قيلُوا
شدَّ النهارٍ ذراعا عيطلٍ نصفٍ ... قامتْ فجاوبَها نكدٌ مثاكيلُ
نواحةٌ رخوةُ الضبعيْنِ ليسَ لها ... لما نعى بكْرَها النّاعونَ معقولُ
تفري اللِّبَانَ بكفيها ومدرعُها ... مشققٌ عنْ تراقيها رعابيلُ
تسعى الوشاةُ بجنبَيْها وقولُهُم ... إنكَ يا بنَ أبي سلمَى لمقتولُ
وقالَ كلُّ خليلٍ كنتُ آملهُ ... لا ألهينكَ إني عنكَ مشغولُ
فقلتُ خَلُّوا سبيلي لا أبَا لكمُ ... فكلُّ ما قدَّر الرحمنُ مفعولُ
كلُّ ابنِ أنثَى وإنْ طالتْ سلامتهُ ... يومًا على آلةٍ حدباءَ محمولُ
أنبئتُ أن رسولَ اللهِ أوعدنِي ... والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلًا هداكَ الذي أعطاكَ نافلةَ ال ... قرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
لا تأخذنّي بأقوالِ الوشاةِ ولمْ ... أذنبْ وإن كثرتْ في الأقاويلُ
لقدْ أقومُ بأمرٍ لوْ يقومُ بهِ ... أرَى وأسمَعُ ما لو يسمعُ الفيلُ
لظلَّ يرعدُ إلا أن يكون لهُ ... منَ الرسولِ بإذنِ اللهِ تنويلُ
حتى وضعتُ يمنيي لا أنازعُهُ ... في كفِّ ذي نقماتٍ قيلُهُ قليلُ
لذاكَ أهيبُ عندِي إذْ أكلمهُ ... وقيلَ إنكَ منسوبٌ ومسؤولُ
منْ ضيغمٍ منْ ضراءِ الأُسدِ محذرهُ ... ببطنِ عثرَ غيلٌ دونهُ غيلُ
يغدو فيلحمُ ضرغامينِ عيشُهُما ... لحمٌ من القومِ معفُورٌ خراذيلُ
إذا يساورُ قرنًا لا يحلُّ لهُ ... أنْ يتركَ القرنَ إلاَّ وهو مفلولُ
منه تظلُّ حميرُ الوحشِ ضامزةً ... ولا تمشي بواديهِ الأراجيلُ
ولا يزالُ بواديه أخو ثقةٍ ... مطرحُ البزِّ والدرسانِ مأكولُ
إنَّ الرسولَ لسيفٌ يستضاءُ به ... مهندٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عصبةٍ من قريشٍ قالَ قائلهمْ ... ببطنِ مكةَ لمَّا أسلمُوا زولُوا
زالوا فما زالَ أنكاسٌ ولا كشفٌ ... عندَ اللقاءِ ولا ميلٌ معازيلُ
شمُّ العرانينِ أبطالٌ لبوسهمُ ... من نسجِ داوودَ في الهَيجا سرابيلُ
بيضٌ سوابغُ قد شكتْ لها حلقٌ ... كأنهُ خلقُ الفقعاء مجدولُ
يمشونَ مشيَ الجمالِ الزهرِ يعصمهم ... ضربٌ إذا عردَ السودُ التنابيلُ
لا يفرحونَ إذا نالتْ رماحهمُ ... قومًا وليسوا مجازيعًا إذا نيلُوا
لا يقعُ الطعنُ إلاَّ في نحورهمِ ... وما لهمْ عنْ حياضِ الموتِ تهليلُ
وقال كعب يمدح الأنصار: الكامل
منْ سرَّهُ كرمُ الحياةِ فلا يزالْ ... في مقنبٍ من صالِحي الأنصارِ
المكرهينَ السمهريَّ بأذرعٍ ... كسوافلِ الهنديِّ غيرِ قصارِ
والناظرينَ بأعينٍ محمرةٍ ... كالجمرِ غيرِ كليلةِ الإبصارِ
والذائدين الناسَ عنْ أديانهم ... بالمشرفيّ وبالقنا الخطار
والباذلينَ نفوسهم لنبيِّهم ... يومَ الهياجِ وقبَّةِ الجَبَّارِ
دربُوا كما دربتْ أسودُ خفيةٍ ... غلبُ الرقابِ من الأسودِ ضواري
وهمُ إذا خوتِ النجومُ وأمحلوا ... للطائفينِ السائلينَ مقاري
وهمُ إذا انقلبوا كأنَّ ثيابهم ... منها تضوُّعُ فأرَةِ العطارِ
1 / 2
للصلبِ من غسانَ فوقَ جراثمٍ ... تنبو خوالدُها عن المنقارِ
والمطعمينَ الضيفَ حينَ ينوبهمْ ... من لحمِ كومٍ كالهضابِ عشارِ
والمنعمينَ المفضلينَ إذا شتوا ... والضاربينَ علاوةَ الجبارِ
بالمرهفاتِ كأنَّ لمعَ ظباتهَا ... لمعُ البوارقِ في الصبيرِ الساري
لا يشتكونَ الموتَ إنْ نزلتْ بهمْ ... شهباءُ ذاتُ معاقرٍ وأوَارِ
وإذا نزلتَ ليمنعوكَ إليهمِ ... أصبحتَ عندَ معاقِلِ الأغفارِ
ورثُوا السيادَةَ كابرًا عنْ كابرٍ ... إنَّ الكِرَام همُ بنُو الأخيارِ
لوْ يعلمُ الأحياءُ علميَ فيهمِ ... حقًا لصدقَني الذينَ أُمارِي
صدمُوا عليًَّا يومَ بدرٍ صدمةً ... دانتْ عليٌّ بعدها لنزارِ
يتطهرونَ كأنَّهُ نُسُكٌ لهمْ ... بدماءِ منْ علقُوا من الكفارِ
وإليهمِ استقبلتُ كلَّ وديقةٍ ... شهباءَ يسفَعُ حرُّها كالنارِ
ومريضةٍ مرضَ النعاسَ دعوتها ... بادرتُ علةَ نومِها بغرارِ
وعرفتُ أني مصبحٌ بمضيعةٍ ... غبراءَ تعزفُ جنُّها مذكارِ
فكسوتُ كاهِلَ حرةٍ منهوكةٍ ... كالفحلِ حاريًَّا عديمَ شوارِ
سلستْ عراقيهِ لكلِّ قبيلةٍ ... من حنوِهِ علقَتْ على مسمارِ
فسدتْ مهملجَةً علالَةَ مدمجٍ ... منْ فالقٍ حصيدٍ من الإمرارِ
حتى إذا اكتستِ الأبارقُ نقبةً ... مثل الملاءِ من السرابِ الجارِي
ورضيتُ عنهَا بالرضاءِ وسامحتْ ... منْ دونِ عسرةِ ضغنِها بيسارِ
تنجو بها عجرٌ كنازٌ لحمُها ... حفزَتْ فقارًا لاحقًا بفقارِ
في كاهلٍ وشجتْ إلى أطباقهِ ... دَأياتُ منتفجٍ من الأزوارِ
وتديرُ للخرقِ البعيدِ نياطُهُ ... بعدَ الكلالِ وبعدَ نومِ السَّاري
عينًا كمرآةِ الصناعِ تديرُها ... بأناملِ الكفينِ كلَّ مدارِ
لجمالِ محجرها لتعلمَ ما الذي ... تبدِي لنظرةِ روحها وتواري
وقال كعب أيضًا: المتقارب
لمنْ دمنةُ الدارِ أقوتْ سنينا ... بكيتَ فظلتَ كئيبًا حزينَا
بها جرتِ الريحُ أذيالها ... فلمْ يبقَ منْ رسمها مُستبينَا
وذكرنيها على نأيها ... خيالٌ لها طارقٌ يعترينَا
فلمَّا رأيتُ بأنَّ البكاءَ ... سفاهٌ لدى دمنٍ قد بلينَا
زجرتُ على ما لديَّ القلُو ... صَ منْ حزنٍ وعصيتُ الشؤونا
وكنتُ إذا ما اعترتنِي الهُمومُ ... أكلفُها ذات لوثٍ أمونَا
عذافرةً حرةَ الليطِ لا ... سقوطًا ولا ذات ضغنٍ لجوناَ
كأني شددتُ بأنساعِها ... قويرحَ عامينِ جأبًا شنونا
تقلبُ حقبًا ترى كلهنَّ ... قدْ حملتْ فأسرَّتْ جنينا
وحلاءهُنَّ وخبَّ السفَا ... وهيجهُنَّ فلمَّا صدينَا
وأخلفهنَّ ثمادُ الغمارِ ... وما كنَّ منْ ثادقٍ يحتسينَا
جعلنَ القنانَ بإبطِ الشمالِ ... وماءَ العنابِ جعلنا يمينَا
وبصبصنَ بينَ أداني الغضَا ... وبينَ عنيزةَ شأوًا بطينَا
فأبقينَ منهُ وأبقى الطرا ... دُ بطنًا خميصًا وصلبًا سمينَا
وعوجًا خفافًا سلامَ الشظَا ... وميظَبَ أكمٍ صليبًا رزينا
إذا ما انتحاهنَّ شؤبوبهُ ... رأيتَ لجارِ عتيهِ غضونَا
يعضِّضُهنَّ عضيضَ الثقافِ ... بالسمهريةِ حتى تلينَا
ويكدمُ أكفالها عابسًا ... فبالشدِّ منْ شرهِ يتقينَا
إذا ما انتحتْ ذاتُ ضغنٍ لهُ ... أصرَّ فقدْ سلَّ منها الضُّغونَا
لهُ خلفَ أكسَائِها أزملٌ ... مكانَ الرّقيبِ من الياسرينَا
يحشرجُ منهنَّ قيدَ الذِّرا ... عِ ويضربنَ خيشومهُ والجبينَا
يثرنَ الغبارَ على وجههِ ... كلونِ الدواخِنِ فوقَ الإرينَا
فأوردَهَا طامِياتِ الحمامِ ... وقد كدنَ يأجنَّ أو كنَّ جونَا
ويشربنَ من باردٍ قدْ علم ... نَ إلا دِخالَ وإلا عُطونَا
فصادفنَ ذا حنقٍ لاصقًا ... لصوقِ البرامِ يظنُّ الظنونَا
قصيرَ البنانِ دقيقَ الشوَا ... يقولُ أيأتينَ أم لا يجينَا
يؤمُّ الغَيايَةَ مستبشرًا ... يصيبُ المقاتلَ حتفًا رصينَا
1 / 3
فجئنَ فأوجسنَ من خشيةٍ ... ولم يعترفنَ بنفرٍ يقينَا
وتُلقي الأكارِعَ في باردٍ ... شهيٍّ مدافنهُ يشتفينَا
يبادرنَ جرعًا يواثرنهُ ... كقرعِ القليبِ حصى الحاذفِينَا
فأمسك ينظر حتى إذا ... دنونَ منَ الريِّ أو قد روينَا
تنحَّى بصفراءَ منْ نَبْعةٍ ... على الكفِّ تجمعُ أرزًا ولينَا
مغذًا على عجسها مرهفًا ... فتيقَ الغرارينِ حشرًا سنينَا
فأرسلَ سهمًا على فقرةٍ ... وهنَّ شوارِعُ ما يتقينَا
فمرَّ على نحرِهِ والذِّراعِ ... ولمْ يكُ ذاكَ لهُ الفِعلُ دينَا
فلهَّفَ مِنْ حسرةٍ امَّهُ ... وولينَ من رَهَجٍ يكتسينَا
تهادَى حوافِرهنَّ الحَصَى ... وصمُّ الصخورِ بها يرتَمينَا
فقلقلَهنَّ سراةَ العِشَاءِ ... أسرعَ منْ صدرِ المصدِرينَا
يزرُّ ويلفظُ أوبارَهَا ... ويقرُو بهنَّ حزونًا حزونَا
فأصبحَ بالجزْعِ مستجذِلًا ... وأصبحنَ مجتمعاتٍ سكونَا
وتحسبُ بالفجرِ تعشيرهُ ... تغردَ أهوجَ مِنْ مُنتَشِينَا
وقال كعب أيضًا: الطويل
أمِنْ أمِّ شدادٍ رسومُ المنازلِ ... توهمتُها منْ بعدِ سافٍ ووابلِ
وبعدَ ليالٍ قدْ خلونَ وأشهرٍ ... على إثرِ حولٍ قد تجرمَ كاملِ
أرى أمَّ شدادٍ بها شبهَ ظبيةٍ ... تطيفُ بمكحولِ المدامعِ خاذلِ
أغنَّ غضيض الطرفِ رخصٍ ظلوفهُ ... ترودُ بمعتمٍّ من الرِّملِ هائلِ
وترنو بعينيْ نعجةٍ أمّ فرقَدٍ ... تظلُ بوادي روضةٍ وخمائلِ
وتخطُو على برديتينِ غذاهمَا ... أهاضيبُ رجافِ العشياتِ هاطلِ
وتفترُّ عنْ عذبِ الثنايا كأنهُ ... أقاحٍ تروَّى منْ عروقٍ غلاغلِ
لياليّ تحتلُّ المراضَ وعيشُنا ... غريرٌ ولا نُرعي إلى عذلِ عاذلِ
فأصبحتُ قد أنكرتُ منها شمائلًا ... فما شئتَ من بخلٍ ومن منعِ نائلِ
وما ذاكَ من شيءٍ أكونُ اجترمتُه ... سوى أن شيبًا في المفارقِ شاملي
فإن تصرميني ويبَ غيرك تُصرَمي ... وأوذِنْتِ إيذانَ الخليطِ المزايلِ
ومستهلكٍ يهدي الضَّلولَ كأنَّه ... حَصيرٌ صَناعٌ بينَ أيدِي الرواملِ
متى ما تشأْ تسمعْ إذا ما هبطته ... تراطُنَ سربٍ مغربَ الشمسِ نازِلِ
روايا فراخٍ بالفلاةِ توائمٍ ... تحطمُ عنها البيضُ حمرِ الحواصلِ
توائمَ أشباهٍ بغيرِ علامةٍ ... وضعنَ بمجهولٍ من الأرضِ خاملِ
وخرقٍ يخافُ الرَّكبُ أن يدلجُوا بهِ ... يعضونَ منْ أهوالِهِ بالأَناملِ
مخوفٍ به الجنانُ تعوي ذئابُهُ ... قطعتُ بفتلاءِ الذراعَيْنِ بازلِ
صموتِ البُرَى خرساءَ فيها تلفتٌ ... لنبأَةِ حقٍّ أو لتشبيهِ باطلِ
تظلُّ نسوعُ الرَّحلِ بعد كلالِها ... لهنّ أطيطٌ بين جوزٍ وكاهلِ
رَفيعِ المحالِ والضلوعِ نمتْ بها ... قوائمُ عوجٌ ناشزاتُ الخصائلِ
تجاوبُ أصدَاءً وحينًا يرومُها ... تضوُّرُ كسابٍ على الرَّحْلِ عائلِ
عذافرةٍ تختالُ بالردفِ حرةٍ ... تبارِي قلاصًا كالنعامِ الجوافلِ
بوقعٍ دراكٍ غيرِ ما متكلفٍ ... إذا هبطَت وعْثًا ولا متخاذِلِ
كأنَّ جريرِي ينتحي فيهِ مسحَلٌ ... منَ الحمرِ بينَ الأنعمين فعاقلِ
يغردُ في الأرضِ الفضاءِ بعانةٍ ... خماصِ البطونِ كالصعادِ الذوابلِ
يطردُ عنها بالمصيف جحاشها ... فقد قلصت أطباؤها كالمكاحلِ
يظلُّ سراةَ اليومِ يبرمُ أمرهُ ... برابيةِ البحاءِ ذاتِ الأعابلِ
وهمَّ بوردٍ بالرُّسيسِ فصدَّهُ ... رجالٌ قعودٌ في الدجى بالمعابلِ
إذا وردتْ ماءً بليلٍ تعرضتْ ... مخافةَ رامٍ أو مخافةَ حابِلِ
كأنَّ مدَهدَا حنظلٍ حيثُ سوفَتْ ... بأعطانِها منْ لسِّها بالجحافلِ
وقال كعب يمدح أمير المؤمنين عليًا ﵇ وكانت بنو أمية تنهي عن روايتها وإضافتها إلى شعره أنشدنيها ابن خطاب صاحب الخبر وكان أديبًا من غلمان أبي زكريا التبريزي: البسيط
هلْ حبلُ رملةَ قبلَ البينِ مبتورُ ... أمْ أنتَ بالحلمِ بعدَ الجهلِ معذورُ
1 / 4
ما يجمعُ الشوقُ إنْ دارٌ بنا شحطتْ ... ومثلها في تداني الدارِ مهجورُ
نشفَى بها وهي داءٌ لوْ تصاقبنا ... كما اشتفَى بعيادِ الخمرِ مخمورُ
ما روضةٌ من رياضِ الحزنِ باكرها ... بالنبتِ مختلفُ الألوانِ ممطورُ
يومًا بأطيبَ منها نشرَ رائحةٍ ... بعدَ المنامِ إذا حبَّ المَعاطيرُ
ما أنسَ لا أنسَهَا والدَّمعُ مُنسرِبٌ ... كأنهُ لؤلؤٌ في الخدِّ محدورُ
لمَّا رأيتهمُ زمتْ جمالهمُ ... صدقتُ ما زعموا والبينُ محذورُ
يحدو بهنَّ آخو قاذورةٍ حذرٌ ... كأنهُ بجميعِ الناسِ موتورُ
كأنَّ أظعانهمْ تحدَى مقفيةً ... نخلٌ بعينينِ ملتفٌّ مواقيرُ
غلبُ الرقابِ سقاها جدولٌ سربٌ ... أو مشعبٌ من أتيِّ البَحرِ مفجورُ
هل تبلغني عليَّ الخير ذِعلبَةٌ ... حرفٌ تزللَ عنْ أصلابِها الكورُ
منْ خلفِها قلصٌ تجري أزمَّتُها ... قد مسَّهنَّ معَ الإدلاجِ تهجيرُ
يخبطنَ بالقومِ أنضاءَ السريحِ وقدْ ... لاذَتْ من الشَّمسِ بالظِّلِّ اليعافيرُ
حتى إذا انتصبَ الحربَاءُ وانتقلتْ ... وحانَ إذْ هجروا بالدوِّ تغويرُ
قالوا تنحوْا فمسُّوا الأرضَ فاحتولُوا ... ظلًاّ بمنخرقٍ تهفو بهِ المورُ
ظلوا كأنَّ عليهمْ طائرًا علقًا ... يهفو إذا انسفرتْ عنهُ الأعاصيرُ
لوجهةِ الريحِ منهُ جانبٌ سلبٌ ... وجانبٌ بأكفٍّ القومِ مضبورُ
حتى إذا أبردُوا قاموا إلى قلصٍ ... كأنهنَّ قسيُّ الشوحطِ الزورُ
عواسلٌ كرعيلِ الربدِ أقرعَها ... بالسِّيّ منْ قانصٍ شلٌّ وتنفيرُ
حتى سقَي الليلُ سقى الجنِّ فانغمستْ ... في جوزهِ إذْ دجَا الآكامُ والقُورُ
غطا النشازَ مع الأهضامِ فاشتبَها ... كلاهُما في سوادِ الليلِ مغمورُ
إنَّ عليًَّا لميمونٌ نقيبتهُ ... بالصالحاتِ من الأفعالِ مشهورُ
صهرُ النبيِّ وخيرُ الناسِ مفتخرًا ... فكلُّ منْ رامَهُ بالفخرِ مفخورُ
صلى الطهورُ مع الأُميِّ أولهمْ ... قبلَ المعادِ وربُّ الناسِ مكفورُ
مقاومٌ لطغاةِ الشركِ يضربهمْ ... حتى استقاموا ودينُ اللهِ منصورُ
بالعدلِ قمتَ أمينًا حينَ خالفهُ ... أهلُ الهوا وذوو الأهواءِ والزورُ
يا خيرَ منْ حملت نعلًا لهُ قدمٌ ... بعدَ النبيِّ لديهِ البغيُ مهجورُ
أعطاكَ ربُّكَ فضلًا لا زوالَ لهُ ... منْ أينَ أنَّى لهُ الأيَّامَ تغييرُ
خفاف بن ندبة
وقال خفاف بن عمير بن الحرث بن عمرو بن الشريد وهو عمرو بن رياح بن يقظة بن عضية السلمي: الطويل
ألا طرقتْ أسماءُ منْ غيرِ مطرقِ ... وأنِّى إذا حلتْ بنجرانَ نلتقي
سرتْ كلَّ وادٍ دونَ رهوةَ دافعٍ ... فجلذانَ أو كرمٍ بليةٍ مغدقِ
تجاوزتِ الأعراص حتى توسدتْ ... وسادِي لدى بابٍ منا لدور مغلقِ
بغرِّ الثنايا خيفَ الظلمُ بينهُ ... وسنةِ رئمٍ بالجُنيْنَةِ موثَقِ
ولمْ أرهَا إلاَّ تَئيةَ ساعةٍ ... على ساجرٍ أو نظرةً بالمشرقِ
ويومَ الجميعُ الحابسونَ براكِسٍ ... وكانَ المحاقُ موعدًا للتفرقِ
بوجٍّ وَما بالِي بوجٍّ وبالُها ... ومنْ يلقَ يومًا جدَّةَ الحُبِّ يخلَقِ
وأبدَى بئيسُ الحجِّ منها معاصمًا ... ونحرًا متى يحللْ به الطيبُ يشرقِ
فأمّا تريني اليوم أقصرَ باطلي ... ولاحَ بياضُ الشيبِ في كلِّ مفرقِ
وزايلني زينُ الشبابِ ولينهُ ... وبدلتُ منه جردَ آخرَ مخلقِ
فعثرةِ مولى قدْ نعشتُ بأسرةٍ ... كرامٍ على الضراءِ في كلٍّ مصدقِ
وغمرةِ مخمورٍ نغشتُ بشربةٍ ... وقدْ ذمَّ قبلي ليلُ آخرَ مطرقِ
ونهبٍ كجماعِ الثريَّا حويتُهُ ... غشاشًا بمحتاتِ الصفاقين خيفقِ
ومعشوقةٍ طلقتُها بمرشةٍ ... لها سننٌ كالأتحميِّ المُخرَّقِ
فآبتْ سليبًا منْ أناسٍ تحبُّهمْ ... كئيبًا ولولا طلعتِي لمْ تطلقِ
بخيلٍ تنادَى لا هوادةَ بينَها ... شهدتُ بمذلولِ المعاقمِ محنقِ
عظيمٍ طويلٍ غيرِ جافٍ نما بهِ ... سليمُ الشظا في مكرباتِ المطبقِ
1 / 5
معرضُ أطرافِ العظامِ مشرفٌ ... شديدُ مشكِّ الجنبِ فعمُ المنطقِ
من الكاتماتِ الرَّبوَ ينزعُ مقدِمًا ... سبوقٌ إلى الغاياتِ غيرُ مسبقِ
إذا ما استحمتْ أرضهُ من سمائه ... جرى وهو مودوعٌ وواعدُ مصدقِ
وناصَ الشمالَ طعنُهُ في عنانهِ ... وباعَ كبوعِ الخاضبِ المتطلقِ
وعتهُ جوادٌ لا يباعُ جنينُها ... لمنسوبةٍ أعراقهُا غيرُ محمِقِ
بصيرٍ بأطرافِ الحدابِ ترى لهُ ... سراةً تساوي بالطرافِ المروقِ
ومرقبةٍ يزلُّ عنها قتامُها ... يمامتُها منها بضاحٍ مذلقِ
تبيضُ عتاقُ الطيرِ في قذفاتهِ ... كطرةِ بابِ الفارسيِّ المغلّقِ
رَبأتُ وحرجوجٌ جهدتُ رواحَها ... على لاحِبٍ مثلَ الحصيرِ المنمَّقِ
تبيتُ إلى عدٍّ تقادمَ عهدهُ ... برودٍ تقا حرَّ النهارِ بغلْفَقِ
كأنَّ محافيرَ السِّباعِ حياضهُ ... لتعريسِها جنبَ الإزاءِ المُخرَّقِ
معرسُ ركبٍ قافلينَ بضرةٍ ... صرادٍ إذا ما نارهُم لمْ تحرَّقِ
فدعْ ذا ولكنْ هلْ ترى ضوءَ بارقٍ ... يضيءُ حبيًا في ذرأتي متألقِ
على الأتمِ منهُ وابلٌ بعدَ وابلٍ ... فقدْ رهقتْ قيعانهُ كلَّ مرهقِ
وجرَّ بأكنافِ البحارِ إلى الصِّلا ... ربابًا لهُ مثل النعامِ المعلّقِ
فأبلَى سقًا يعلو العضَاه غُشاؤُهُ ... يصفق منها الوحشُ كلَّ مصفقِ
فجادَ شرورَى فالستارَ فأصبحَتْ ... تعارُ له فالوادِيانِ بمودِقِ
كأنَّ الضبابَ بالصحارى غديةً ... رجالٌ دعاهُم مستضيفٌ لموسقِ
لهُ حدبٌ يستخرجُ الذئبَ كارِهًا ... يهزُّ الغُثاءَ عندَ غانٍ بمطْلَقِ
يخرجُها رأسٌ خَسيفٌ كأنهُ ... مخامرُ طلعٍ في ذراعٍ ومرفقِ
كأنَّ الحداةَ والمشايعَ وسطَه ... وعوذاَ مطافيلًا بأمعزَ تصدُقِ
وقال خفاف: المتقارب
ألا تلكَ عرسيَ إذْ أمعرَتْ ... أساءَتْ ملامَتَنَا والإمارَا
وقالتْ أرَى المالَ أهلكتَهُ ... وأحسبُهُ لو تراهُ معارَا
ويمنعُ منها نَماءَ الإِفالِ ... مشيُّ القداحَ ونقدي التجارا
وقولُ الألدَّةِ عندَ الفصالِ ... إذا قمتُ لا تتركنّا حِرارِا
غشيتُ حرونًا ببطنِ الضباعِ ... فألمحُ منْ آلِ سلمى دثارا
نظرتُ وأهلي على صائفٍ ... هدوًا فآنستُ بالفردِ نارا
عليها خذُولٌ كأمِّ الغَزَا ... لِ تقرُو بذروَة ضالًا قِصَارا
تنضُّ لروعاتهِ جيدها ... إذا سمعتْ منْ مغمٍّ جُؤَارا
أصاحِ ترى البرقَ لمْ يغتمِضْ ... إذا زعزعتْهُ الجنوبُ استطارا
فسلَّ مصابيحهُ بالعشاءِ ... تحسبُ في حافتيهِ المنارا
كأنَّ تكشفهُ بالنشاصِ ... بلقٌ تكشفُ تحمي مهارا
أقامَ بذي النخلِ رَيعانهُ ... وجادَ مسلحةً فالستارا
وحططَ أحمرَ بالدوْنَكَيْنِ ... يغشَيْنَ معتصِماتٍ تعارا
فأضحَى بمعتلجِ الواديينِ ... يبرقُ منهُ صبيرٌ نهارا
خسيفٌ يزيفُ كزيفِ الكَسيرِ ... ينهمرُ الماءُ منهُ انهمارا
وغيثٍ تبطنتُ قريانهُ ... يحاوبُ فيه نهيقٌ عرارا
ذعرتُ عصافيره بالسوادِ ... أوزعُ ذا ميعةٍ مستطارا
منَ الممعضاتِ لفضِّ القرونِ ... إذا كرَّ فيهِ حميمٌ غرارا
إذا نزَّعتهُ إليَّ الشَّمالُ ... راجعَ تقريبَهُ ثمَّ غَارا
كما جاشَ بالماءِ عندَ الوقُو ... دِ مرجلُ طَبّاخهِ ثمَّ فارا
يعزَّ القوافلَ سهلَ الطريقِ ... إذا طابقتْ وعثهُنَّ الحرارا
يفينَ ويحسبُهُ قافلًا ... إذا اقْورَّ حِملاجَ ليفٍ مُغارا
ومُفرِهَةٍ تامِكٍ نيها ... إذا ما تساقُ تزينُ العشارا
لقيتُ قوائمها أربعًا ... فعادتْ ثلاثًا وعادتْ ضمارَا
فجاءَ إلينا ألدُّ الرجالِ ... يقسمُ يأخذُ منها اليسارا
تفلتُ عن غلمةٍ شاربينَ ... لو طارَ شيءٌ من الجهلِ طَارا
فلما تبينَ مكروهنا ... وأيقنَّ أنَّا نهينُ السيارَا
تصدَّى لنجزيهُ مثلها ... وننظرَ ماذا يكونُ الحوارا
وقال خفاف أيضًا: المنسرح
1 / 6
أوحشَ النخلُ منْ نعاملَ فالرَّ ... وضاتُ بينَ الغِياءِ فالنُّجُدِ
بدلتِ الوحشَ بالأنيسِ لمَا ... مرَّ عليها من سالفِ الأبدِ
بعدَ سوامٍ تعلُو مسارحهُ ... تسمعُ فيهِ جوائزَ النقدِ
يحرسُ أكلاءهُ ويحفظهُ ... كلَّ عنودِ القيادِ كالمسدِ
وسابحٍ مدمجٍ نحيزتهُ ... طرفٌ كتيس الظباء منجرد
ليستْ لهُ نبوةٌ فنكرهها ... يومَ رهانٍ منهُ ولا طردِ
يا هلْ ترى البرقَ بتُّ أرقبُهُ ... في مكفهرٍّ نشاصُهُ قردِ
مالَ على قبَّةِ البَثاءِ فعزَّ ال ... مترُ بينَ الرجلاءِ فالجمدِ
يتركُ منها النهاءَ مفرطةً ... مثل الرياطِ المنشورةِ الجددِ
إذا مرتْهُ ريحٌ يمانيةٌ ... يردُّ ريعانُهُ إلى نضدِ
إنْ أمْسِ رمسًا تحتَ الترابِ فهل ... تصرفُ بعدي المنونُ عن أحدِ
كل امرئٍ فاقدٌ أحبتهُ ... ومسلِمٌ وجههُ إلى البلدِ
وقد أغادي الحانوتَ أنشرهُ ... بالرحلِ فوق العيرانةِ الأجدِ
تنفذُ عيني إلى الكياسِ ولا ... أسكرُ من ريحها ولم أكدِ
وأتركُ القرنَ في المكرّ وقدْ ... أقتلُ جوعَ المحولِ الصردِ
وأهبطُ العازبَ المخوفَ بهِ ... الموتُ نهارًا بسابحٍ نهدِ
أجردَ مدلوكةٌ معاقمهُ ... فقمٌ كشاةِ الصريمةِ العتدِ
لمْ يتخاوش من النقابِ ولمْ ... يزرِ بهِ قيظهُ ولمْ يردِ
وقال خفاف: البسيط
ما هاجَكَ اليومَ من رسمٍ وأطلالِ ... منها مبينٌ ومنها دارسٌ بالِ
بينَ سنامٍ وهضميهِ وذي بقرٍ ... كأنها صحفٌ يخطها تالي
دارٌ لقيلَةَ إذْ قلبي بها كلفٌ ... أقوت منازلُها من ْ بعدِ أحوالِ
تمشي النعاجُ بها والعينُ مطفلةٌ ... إلى رواشحَ قد حفتْ وأطفالِ
ظللتُ فيها كيئبًا غيرَ مضطلعٍ ... همي وأسبلَ دمعي أيَّ إسبالِ
وجسرةِ الخلقِ منفوجٍ مرافقُها ... عيرانةٍ كوبيلِ القسِّ شملالِ
تعدو إذا وقعت منْ غرزها قدَمي ... عدو شتيمٍ على حقباءَ مجفالِ
صعلٌ أتاهُ بياضٌ من شواكلهِ ... جونَ السراةِ أجشَّ الصوتِ صلصالِ
يغدُو على شُسُبٍ شُعثٍ عقايقُها ... كأنَّ تصويته تصويتُ إهْلالِ
أو فوقَ أحقبَ يقرو رملَ واقصةٍ ... في رعلةٍ كشقيق التجرِ أمْثالِ
قد خضبَ الكعبُ من نسفِ العروقِ بهِ ... من الرُّخامى بجنبيْ حزمِ أورَالِ
هبتْ عليهِ سمومُ الصيفِ لاهبةً ... وكفتِ الماءَ عنهُ صدرَ شوالِ
إلا التمادَ فما ينفكُّ يحفرُها ... أو طحلُبًا بأعالي اللصبِ أو شالِ
خضراَ كسينَ دوينَ الشمسِ عرمضهُ ... في رأسِ شاهقةٍ عيطاءَ مضلالِ
كأنَّ كوكبَ نحسٍ في معرَّسةٍ ... أو فارسيًَّا عليه سَحْق سِرْبالِ
فَعارضتْ بكَ في خرْقٍ لهُ قَتَمٌ ... تزقُو بهِ الهَامُ ذي قوزٍ وأميالِ
تنادِي الرَّكب جَاروا عنْ طريقهمُ ... ويتقونَ بهادٍ غيرِ مضلالِ
إنْ تعرِضي وتضني بالنوالِ لنَا ... فواصِلنَّ إذا واصلتِ أمثالِي
إني صبورٌ على مانابَ معترفٌ ... أصرفُ الأمرَ من حالٍ إلى حالِ
أنمِي إلى مجدِ أجدادٍ لهمْ عددٌ ... مذللينَ لوطءِ الحقِّ أزوالِ
القائمينَ لأمرٍ لا يقُومُ لَهُ ... إلا هُمُ ومحاميلٌ لأثقالِ
والمطعمينَ إذا هبتْ شآميةٌ ... تذري الهشيمَ وثمَّ الدندنِ البالي
ومرصدٍ خائفٍ لا يستطيفُ بهِ ... من المسامحِ إلاّ المُشفِقِ الخَالي
قدْ عودُوهُ قيادًا كُلَّ سلْهَبةٍ ... تنطو الخَميْسَ ونِعْمَ الجَوْز ذَيّالِ
يُجْذَبْنَ في قِددِ الأَرسانِ قافلةً ... مثلَ القسيِّ بَرَا أعطافها الفَالي
وقال خفاف أيضًا: الوافر
ألا صرمتُ منْ سلْمَى الزمامَا ... ولمْ تنجدْ لمَا يبغَى قواما
وفاجأنِي فراقُ الحيِّ لمَّا ... أشطَّ نواهُمُ إلاّ لمامَا
وما إنْ أحورُ العينينِ طفلٌ ... تتبعَ روضةً يقرُو السلامَا
بوجْرةَ أو ببطنِ عقيقِ بُس ... يقيلُ بهِ إذا ما اليومُ صَامَا
إذا ما اقتافَها فحنتْ عليهِ ... دنتْ من وهْدِ دانيةٍ فنَاما
1 / 7
بأحسنَ منْ سليمَى إذْ تراءتْ ... إذا ما ريعَ منْ سَدَفٍ فَقَامَا
وما إنْ يخلُ وجرُ إذا استقلتْ ... مكممةً وقاربتِ الصراما
لها سحقٌ ومنها دانياتٌ ... جوانحُ يزدحمنَ بها ازدحامَا
بأحسنَ من ظعائنَ آلِ سلمى ... غداةَ نهلنَ ضاحيةَ سنامَا
فيممنَ اليمامةَ معرقاتٍ ... وشِمْنَ بروضِ عالجَة الغمامَا
فإمَّا تعرضِي يا سلمَ عني ... وأصبِحُ لا أكلمُكُمْ كلامَا
فربَّ نجيبةٍ أعملتُ حتى ... تقومَ إذا لويتُ لها الزمامَا
وحتى تتبعَ الغربانُ منها ... ندوبَ الرَّحلِ لا تُعدي سنامَا
فتوردَني لربعٍ أو لخمسٍ ... مياةَ القيظِ طاميةً جماما
قليلًا من عليها غيرَ أني ... أثورُ من مدارجِهَا الحَمَاما
ذعرتُ الذئبَ يحفرُ كلَّ حوضٍ ... ويقضمُ من معاطنِهَا العظامَا
ويومٍ قد شهدتُ به صحابي ... يقضي القومَ غنمًا واقتسامَا
تخالُ ركابهُمْ في كلِّ فَجٍّ ... إذا قامتْ مخطمةً قِعامَا
عمرو بن قميئة
قال عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك من بني قيس بن ثعلبة: الطويل
أرى جارتي خفتْ وخفَّ نصيحها ... وحبَّ بها لولا النَوى وطموحُها
فبيني على نجمٍ شخيسٍ نحوسهُ ... وأشأمُ طيرِ الزَّاجرينَ سنيحُها
فإنْ تشغَبي فالشَّغْبُ منِّي سَجيَّةٌ ... إذا شِيمَتي لَمْ يُؤْت منها سَجيحُها
على أنَّ قومِي أشقَذُوني فأصبحتْ ... ديارِي بأرض غيرَ دانٍ نبُوحُها
أقارِضُ أقوامًا فأوفي قروضَهُمْ ... وعفٌّ إذا أردَى النفُوسَ شحيحُها
تنفذُ منهمْ نافِذاتٌ فسؤنَني ... وأضمرَ أضغَانًا عليَّ كشوحُها
فقلتُ: فراقُ الدارِ أجملُ بيننا ... وقدْ ينتئ عنْ دارِ سوءِ نزيحُها
على أنني قدْ أدَّعي بأبيهم ... إذا عمَّتِ الدعوَى وثابَ صريحُها
وأنِّي أرى ديني يوافقُ دينهم ... إذا نسكُوا أفراعُها وذبيحُها
ومنزلةٍ بالحَجِّ أخرَى عرفتها ... لها بقعةٌ لا يُستطاعُ بروحها
بودّكَ ما قومي على أنْ تركتهم ... سليمَى إذا هبتْ شمالٌ وريحُها
إذا النجمُ أمسَى مغربَ الشمسِ دائبًا ... ولم يكُ برقٌ في السماءِ يليحُها
وغابَ شعاعُ الشمسِ منْ غيرِ جلبةٍ ... ولا غمرةٍ إلا وشيكًا مصوحُها
وهاجَ عمَاءٌ مقشعرٌّ كأنهُ ... نقيلةُ نعلٍ بانَ منها سريحُها
إذا أعدمَ المحلوبُ عادَتْ عليهمُ ... قدورٌ كثيرٌ في القِصاعِ قديحُها
يثوبُ إليها كلُّ ضيفٍ وجانبٍ ... كما ردّ دهداهَ القِلاصِ نضيحُها
بأيديهم مقرومةٌ ومغالقٌ ... يعودُ بأرزاقِ العيالِ منيحُها
وملمومةٍ لا يخرقُ الطرفَ عرضَها ... لها كوكَبٌ ضخمٌ شديدٌ وضوحُها
تسيرُ وتزجي السمَّ تحت نحورِها ... كريهٌ إلى منْ فاجأتهُ صبوحُها
على مقدَحِراتٍ وهنَّ عوابسٌ ... صبائِر موتٍ لا يُراحُ مريحُها
نبذنا إليهم دعوةً يالَ عامرٍ ... لَها إربةٌ إنْ لمْ تجدْ من يريحُها
وأرماحُنا ينهزنَ نهزةَ جمةٍ ... يعود عليهم وردنا فنميحُها
فدَارَتْ رحانا ساعةً ورحاهُمُ ... وردتْ طباقًا بعْد بكءٍ لقوحُها
فَمَا أتلفَتْ أيديهم منْ نفوسنا ... وإنْ كرمَتْ فإننا لا ننوحُها
فقلنا: هي النهبَى وحلً حرامُها ... وكانتْ حمًى ما قبلنا فنبيحُها
فأبنَا وآبُوا كلَّنا بمضيضةٍ ... مهملة أجراحُنا وجُروحُها
وكُنَّا إذا أحلامُ قومٍ تغيبتْ ... نشحُّ على أحلامِنا فنريحُها
وقال عمرو بن قميئة أيضًا: الطويل
إنْ أكُ قَدْ أقصرتُ عنْ طولِ رحلةٍ ... فيا ربَّ أصحابٍ بعثتُ كرامِ
فقلتُ لهم سيروا فدًى خالتي لكمْ ... أما تجدونَ الريحَ ذاتَ سهامِ
فقاموا إلى عيسٍ قد انضمَّ لحمُها ... موقفةٍ أرساغُها بخدامِ
وقمتُ إلى وجناءَ كالفَحْلِ جبلةٍ ... تجاوبُ شدِيَّ نسعَها ببغامِ
فأوردتهمْ ماءً على حينِ وردِهِ ... عليهِ خليطٌ من قطًا وحمامِ
وأهونُ كفٍّ لا تضيرُكَ ضيرةً ... يدٌ بينَ أيدٍ في إناءِ طعامِ
1 / 8
يدٌ منْ قريبٍ أو بعيدٍ أتتْ بهِ ... شآميةٌ غبراءُ ذاتُ قتامِ
كأني وقدْ جاوزتُ تسعين حجةً ... خلعتُ بها يومًا عذارَ لجامِ
على الراحتينِ مرةً وعلى العَصَا ... أنوءُ ثلاثًا بعدهنَّ قيامِي
رَمَتنِي بناتُ الدهرِ من حيثُ لا أرى ... فكيفَ بمنْ يُرمى وليس برامِ
فلوْ أنها نَبلٌ إذنْ لاتقيتُها ... ولكنني أرمَى بغيرِ سهامِ
إذا ما رآني الناسُ قالوا ألمْ يكنْ ... حديثًا شديدَ البَزِّ غيرَ كهامِ
وأفنَى وما أُفنِي منَ الدهرِ ليلةً ... ولمْ يغْنِ ما أفنَيتُ سلكَ نظامِ
وأهلكني تأميلُ يومٍ وليلةٍ ... وتأميلُ عامٍ بعدَ ذاكَ وعامِ
وقال عمرو أيضًا: الكامل
هلاَّ يهيجُ شوقكَ الطَّلَلُ ... أمْ لا يفرّطُ شيخَكَ الغَزَلُ
أمْ ذا القطينُ أصابَ مقتلَهُ ... منهُ وخانُوهُ إذا احتمَلُوا
ورأيتُ ظُعْنَهُمُ مُقَفِّيَةً ... تعلو المخارمَ سيرها رملُ
قنأَ العهونُ على حواملِها ... ومنَ الرهاوياتِ والكللُ
وكأنَّ غزلانَ الصريمِ بها ... تحتَ الخدورِ يظلها الظللُ
تامتْ فؤادَكَ يومَ بينهمِ ... عندَ التفرقِ ظبيةٌ عطلُ
شنفتْ إلى رشاءٍ ترببهُ ... ولها بذاتِ الحاذِ معتَزِلُ
ظلٌّ إذا ضحيتْ ومرتقبٌ ... ولا يكونُ لليلهَا دغَلُ
فسقى منازلَها وحلتَها ... قردُ الربابِ لصوتهِ زجلُ
أبدَى محاسِنَهُ لناظِرِه ... ذاتَ العِشاءِ مهلبٌ خضِلُ
متحلبٌ تهوِي الجنوبُ بهِ ... فتكادُ تعدلُهُ وتنجفلُ
وضعتْ لدى الأضياعِ ضاحيةً ... فوهى السيوبُ وحطتِ العجلُ
فسقَى امرأ القيسِ بن عمرَةَ إنّ ... الأكرمينَ لذِكرِهِمْ نبلُ
كمْ طعنةٍ لك غيرَ طائشةٍ ... ما إنْ يكونُ لجرحِها خللُ
فطعنتها وضربت ثانيةً ... أخرى وتنزلُ إنْ همُ نزلوا
يهبُ المخاضَ على غواربها ... زبدُ الفحولِ معانُها بقلُ
وعشارُها بعدَ المخاضِ وقدْ ... صافتْ وغمَّ رباعها النفلُ
وإذا المجزِّئ حانَ مشربُهُ ... عندَ المصيفِ وسرّهُ النهلُ
رشفُ الذنابِ على جماجمها ... ما إنْ يكونُ لحوضها سملُ
وقال عمرو أيضًا: المتقارب
نأتكَ أمامَةُ إلا سؤالا ... وإلاَّ خيالًا يوافي خيالا
يوافي معَ الليلِ ميعادَها ... ويأبَى مع الصبحِ إلاَّ زِيالا
فذلكَ تبذلُ منْ ودها ... ولو شهدتْ لم تواتِ النوالا
وقدْ ريْعَ قلبيَ إذْ أعلنوا ... وقيلَ أجدَّ الخليطُ احتمالا
وحثَّ بها الحاديانِ النجاءَ ... مع الصبحِ لما استثارُوا الجمالا
بوازِلُ تحدَى بأحداجِها ... ويحذينَ بعدَ نعالٍ نعالا
فلما نَأوا سبقتْ عبرتي ... وأذرتْ لها بعدَ سجلٍ سجالا
تراها إذا احتثَّها الحاديانِ ... بالخبتِ يرقلنَ سيرًا عجالا
فبالظلِّ بدلنَ بعدَ الهجيرِ ... وبعدَ الحجالِ ألفنَ الرحالا
وفيهنَّ خولةُ زينُ النساءِ ... زادتْ على الناسِ طرًا جمالا
لها عينُ حوراءَ في روضةٍ ... وتقرُو مع النبتِ أرطى طوالا
وتجري السواكَ على باردٍ ... يخالُ السيالَ ليسَ السيالا
كأنَّ المُدامَ بعَيْدَ المنامِ ... علتها وتسقيك عذبًا زُلالا
كأنَّ الذَّوائِبَ في فَرعِها ... حبَالٌ توصلُ منها حِبَالا
ووجهٌ يحارُ له الناظرُونَ ... يخالونهم قدْ أهلوا هلالا
إلى كفلٍ مثل دعصِ النقا ... وكفٍّ تقلبُ بيضًا طفالا
فبانتْ وما نلتُ من ودها ... قبالًا وماذا يُساويِ قبالا
وكيف تبتينَ حبلَ الصفاءِ ... منْ ماجدٍ لا يريدُ اعتزالا
أرادَ النوالَ فمَنيتِهِ ... وأضحى الذي قلتِ فيهِ ضلالا
فتًى يبتني المجدَ مثل الحسَا ... م أخلصهُ القينُ يومًا صقالا
يقودُ الكماةَ ليلقَى الكُماةَ ... ينازلُ ما إنْ أرادُوا النزالا
تشبّه فرسانهمْ في اللقاءِ ... إذا ما رَحَى الموتِ دَارَتْ جمالا
ونمشي رجالًا إلى الدَّارِعين ... كأعناقِ خورٍ تزْجّي فصالا
1 / 9
ونكسُوا القواطِعَ هامَ الرِّجالِ ... ويحمي الفوارسُ منا الرجالا
ويأبى لي الضيمَ ما قدْ مضَى ... وعندَ الخِصَامِ فنعلوا جدالا
بقولٍ يذلُّ لهُ الرائضُونَ ... ونفضلهمْ إنْ أرادوا فضالا
وهاجرةٍ كأوَارِ الجحيمِ ... قطعتُ إذا الجندبُ الجونُ قالا
وليلٍ تعسفتُ ديجورهُ ... يخافُ به المدلجونَ الخيالا
وقال عمرو أيضًا: المتقارب
نأتْكَ أمامَةُ إلاَّ سُؤالا ... وأعقبكَ الهجرُ منها الوِصَالا
وحادتْ بها نيةٌ غربَةٌ ... تبدلُ أهلَ الصَّفاءِ الزيالا
ونادى أميرُهُمُ بالفراقِ ... ثمَّ استقلوا لبينٍ عجالا
فقربنَ كلَّ منيفِ القَرى ... عريضِ الحصير يغولُ الحِبَالا
إذا ما تسربلنَ مجهولةً ... وراجعنَ بعدَ الرسيمِ النقالا
هداهُنَّ منشمرًا لاحقًا ... شديدَ المطا أرحبيًا جلالا
تخالُ حمولهم في السرابِ ... لما تواهقنَ سُحقًا طوالا
كوارعَ في حائرٍ مفعمٍ ... تغمرَ حتى أنَى واستطالا
كسونَ هوادِجهُنَّ السدولَ ... منهدلًا فوقهنَّ انهدالا
وفيهنَّ حورٌ كمثلِ الظباءِ ... تقرُو بأعلى السليلِ الهدَالا
جعلنَ قديسًا وأعناءهُ ... يمينًا وبرقَةَ رعمٍ شمالا
نوازعَ للخالِ إذْ شمنهُ ... على الفرداتِ تحلُّ السجالا
فلما هبطنَ مصابَ الربيعِ ... بدلنَ بعدَ الرحالِ الحجالا
وبيداءَ يلعَبُ فيها السرابُ ... يخشَى بها المدلجونَ الضلالا
تجاوبتُها راغبًا راهبًا ... إذا ما الظباءُ اعتنقنَ الظلالا
بضامزةٍ كأتانِ الثميلِ ... عيرانةٍ ما تشكى الكلالا
إلى ابنِ الشقيقةِ أعملتُها ... أخافُ العتابَ وأرجُو النوالا
إلى ابنِ الشقيقةِ خيرِ الملوكِ ... أوفاهمُ عندَ عقدٍ حبالا
ألستَ أبرَّهُمُ ذمةً ... وأفضلهم إن أرادوا فضالا
فأهلي فداؤكَ مستعتبًا ... عتبتَ فصدقتَ فيَّ المقالا
أتاكَ عدوٌّ فصدقتهُ ... فهلاَّ نظرتَ هديتَ السؤَالا
فما قلتَ إذْ نطقُوا باطلًا ... ولا كنتَ أرهبهُ أن يقالا
فإنْ كانَ حقًا كما خبرُوا ... فلا وصلتَ ليّ يمينٌ شمالا
تصدقْ عليَّ فإنّي امرؤٌ ... أخَافُ على غيرِ جُرْمٍ نكالا
ويومٍ تطلعُ فيه النفوسُ ... تطرفُ بالطعنِ فيه الرجالا
شهدتَ فأطفأتَ نيرانهُ ... وأصدرتَ منهُ ظماءً نهالا
وذي لَجَبٍ يبرقُ الناظرينَ ... كالليلِ ألبِسَ منهُ ظلالا
كأنَّ سَنَا البيضِ فوقَ الكُماة ... فيهِ المصابيحُ تخبي الذُّيالا
صبحتَ العدوَّ على نأيهِ ... تريشُ رجالًا وتبري رجالا
سلامة بن جندل
وقال سلامة بن جندل بن عبد عمرو بن عُبيد بن الحرث بن عمرو بن كعب ابن سعد بن زيد مناة بن تميم، وهي مفضلية قرأتها على شيخي أبي محمد بن الخشاب: البسيط
أودى الشبابُ حميدًا ذو التعاجيبِ ... أودى وذلك شأوٌ غيرُ مطلوبِ
ولَّى حثيثًا وهذا الشيبُ يطلبهُ ... لو كانَ يدركهُ ركضُ اليعاقيبِ
أودَى الشبابُ الذي مجدٌ عواقبهُ ... فيه نلذُّ ولا لذات للشيبِ
يومانِ يومُ مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويومُ سيرٍ إلى الأعداءِ تأويبِ
وكرُّنا خيلنا أدراجهَا رجعًا ... كسَّ السَّنابكِ من بدءٍ وتعقيبِ
والعادياتُ أسابيُّ الدماءِ بهَا ... كأنَّ أعناقَها أنصابُ ترجيبِ
مِنْ كُلِّ حَتٍّ إذا ما ابتلَّ ملبدُهُ ... صافي الأديمِ أسيلِ الخدِّ يعبوبِ
يهوي إذا الخيلُ جازتهُ وثارَ لها ... هويَّ سجلٍ من العلياءِ مصبوبِ
ليس بأسفَى ولا أقنَى ولا سغلٍ ... يعطى دواءَ قفيِّ السَّكْنِ مربوبِ
في كلِّ قائمةٍ منهُ إذا انْدفَعَتْ ... فيهِ أُساهٍ كفرغِ الدلوِ أُثغوبِ
كأنهُ يرفَئيٌّ نامَ عنْ غَنَمٍ ... مستنفرٌ في سوادِ الليلِ مذؤوبِ
يرقَى الدسيعُ إلى هادٍ لهُ بتعٍ ... في جؤجؤءٍ كمداكِ الطيبِ مخضوبِ
تظاهرَ النيُّ فيه فهوَ محتفلٌ ... يعطي أساهِيَ منْ جَريِ وتقريبِ
1 / 10
يحاضرُ الجونَ مخضرًا جحافلها ... ويسبقُ الألفَ عدوًا غيرَ مضروبِ
كم من فقيرٍ بإذنِ اللهِ قدْ جبرتْ ... وذِي غنًى بوأتهُ دارَ محروبِ
ممَّا يُقدّمُ في الهيجَا إذا كرهَتْ ... عندَ الطعانِ وينجي كلَّ مكروبِ
همتْ معدٌّ بنا همًَّا فنهنهَها ... عنا طعانٌ وضربٌ غيرُ تذبيبِ
بالمشرفيِّ ومصقولٍ أسنتُها ... صمِّ العوامل صدقاتِ الأنابيبِ
يجلو أسنتَها فتيانُ عاديةٍ ... لا مقرفينَ ولا سُودٍ جعابيبِ
سوى الثقافُ قناهم فهيَ محكمةٌ ... قليلةُ الزيغِ منْ سنٍّ وتركيبِ
زُرقًا أسنتها حمرًا مثقفةً ... أطرافهنَّ مقيلٌ لليعاسيبِ
كأنها بأكفِّ القومِ إذْ لحقوا ... مواتحُ البئرِ أوْ أشطانُ مطلوبِ
كلا الفريقينِ أعلاهم وأسفلهمْ ... يشقى بأرماحنا غيرَ التكاذيبِ
إنِّي وجدتُ بني سعدٍ يفضلُهُم ... كلُّ شهابٍ على الأعداءِ مصبُوبِ
إلى تميمٍ حماةِ الثغر نسبتهمْ ... وكلُّ ذي حسبٍ في النَّاسِ محسوبِ
قومٌ إذا صرحتْ كحلٌ بيوتهمُ ... عزُّ الذليلِ ومأوى كلِّ قرضُوبِ
ينجيهمِ منْ دواهي الشرِّ إنْ أزمَتْ ... صبرٌ عليها وقبصٌ غيرُ محسوبِ
كنَّا نحلُّ إذا هبتْ شآميَةً ... بكلِّ وادٍ حطِيبِ البطنِ مجدوبِ
شيبِ المباركِ مدروسٍ مدافعهُ ... هابي المراغِ قليلِ الودقِ موظوبِ
كنا إذا ما أتانا صارخٌ فزعٌ ... كان الصراخُ لهُ قرعَ الظنابيبِ
وشدَّ كورٍ على وجناءَ ناجيةٍ ... وشدَّ سرجٍ على جرداء سرحوبِ
يقالُ محبسُها أدنَى لمرتعِها ... وإن تعادَى ببكءٍ كلُّ محلوبِ
حتى تركنا وما تثنَى ظعائننا ... يأخذنَ بينَ سوادِ الخطِّ فاللوبِ
وقال سلامة أيضًا: الطويل
لمنْ طللٌ مثلُ الكتابِ المنمَّقِ ... خلا عهدهُ بينَ الصليبِ ومطرِقِ
أكبَّ عليهِ كاتبٌ بدواتهِ ... وحادثُهُ في العَينِ حدَّةُ مهرَقِ
لأسماءَ إذْ تهوَى وصالكَ إنَّها ... كذي جدةٍ من وحشِ وجرَةَ مرشِقِ
لهُ بقرارِ الصُّلبِ بقلٌ يلسُّهُ ... وإنْ يتطامنْ للدَّكادكِ يأْنقِ
فظَلتُ كأنَّ الكأسَ طالَ اعتيادُهَا ... عليَّ بصافٍ منْ رحيقٍ مروَّقِ
كأنَّ ذكيَّ المسكِ باللَّيلِ ريحُهُ ... يصفقُ في إبريقِ جعدٍ منطقِ
ألا هلْ أتتْ أنباؤنَا أهلَ مأربٍ ... كما قدْ أتتْ أهلَ الذنَا فالخوَرنَقِ
بمحبسنا في غيرِ دارِ تئيةٍ ... وملحقنا بالعارضِ المتألقِ
بأنَّا حَبسنا بالفَروقِ نساءَنَا ... ونحنُ قتلنَا مَنْ أتانَا بِمُلْزَقِ
تبلغُهُمِ صُهْبُ الركابِ وسودُهَا ... فريقيْ معدٍّ منْ تهامٍ ومعرقِ
إذا ما علونَا ظهرَ نشزٍ كأنَّما ... على الهَامِ منا قيضُ بيضٍ مفلقِ
منَ الحُمْسِ إذْ جاؤوا إلينا بجمعهمِ ... غداةَ رميناهمْ بجأواءَ فيلقِ
كأنَّ النعامَ باضَ فوقَ رؤوسنا ... بنهي القذافِ أو بنهي مخفقِ
ضممنَا عليهم حانِبيهمِ بصادِقٍ ... من الطعنِ حتى أزمعُوا بالتفرقِ
كأنَّ مناخًا من قيونٍ ومنزلًا ... بحيثُ التقينا مِنْ بنانٍ وأسوقِ
كأنهمُ كانوا ظماءً بصفصفٍ ... أفاءتْ عليها غبيَةٌ ذاتُ مصْدَقِ
كأنَّ اخْتِلاءَ المشرَفيِّ رؤوسهمْ ... هويُّ جنوبٍ في يبيسٍ محرقِ
لدنْ غدوةً حتى أتى الليلُ دونهمْ ... فلمْ ينجُ إلا كلُّ جرداءَ خيفقِ
ومستوعبٍ في الركضِ فضلُ عنانِهِ ... يمرَّ كمرِّ الشَّادِنِ المتطلِّقِ
فألقوا لنَا أرسانَ كلِّ نجيبَةٍ ... وسابغةٍ كانها متنُ خرنقِ
مداخلةٍ منْ نسجِ داوودَ سكهَا ... كمنكبِ ضاحٍ من عمايَة مشرقِ
فمنْ يكُ ذا ثوبٍ تنلْهُ رماحُنا ... ومنْ يكُ عريانًا يوائلْ فيسبقِ
ومن يدعو فينا يعاشُ ببئسَةٍ ... ومنْ لا يغالوا بالرغائب يعتق
وأمُّ بحيرٍ في هنابثَ بيننا ... متى تأتهَا الأنباءُ تخمشْ وتحلقِ
تركنا بحيرًا حيثُ أزحفَ جدُّهُ ... وفينا فراسٌ عانيًا غيرَ مطلقِ
ولولا سوادُ الليلِ ما آبَ عامرٌ ... إلى جعفرٍ سربالُهُ لم يُمَزَّقِ
1 / 11
بضربٍ تظلُّ الطيرُ فيه جوانحًا ... وطعنٍ كأفواهِ المزادِ المخرقِ
فعزتُنا ليستْ بشعبٍ بحرةٍ ... ولكنها بحرٌ بصحراءَ فيهقِ
تقمصُ بالبُوصيِّ منهُ غواربٌ ... متى ما يخضُهُ ماهرُ القومِ يغرقِ
ومجدُ معدٍّ كانَ فوقَ علايةٍ ... سبقنا بهِ إذ يرتقونَ ونرتقي
إذا الهندوانياتُ كنَّ عصينَا ... بها نتأيَّا كلَّ شأنٍ ومفرقِ
يخلّي مصاعٌ بالسيوف طريقنا ... إذا ما التقتْ أقدامُنَا عندَ مأزقِ
فجرتُمْ علينا أنْ طردتمْ فوارسًا ... وقولُ بحيرٍ هاجَ قولي ومنطقِ
عجلتمْ علينا حجَّتين عليكمُ ... وما يشاءِ الرحمن يعقدِ ويطلقِ
هو الكاسرُ العظمَ الأمينَ وما يشأْ ... منَ الأمرِ يجمعْ بيننا ويفرقِ
هو المدخِلُ النُّعمانَ بيتًا سماؤُهُ ... نحورُ الفيولِ بعدَ بيتٍ مسردقِ
وبعدَ مصابِ المزْنِ كانَ يسوسُهُ ... ومالَ معدٍّ بعدَ مالِ محرقِ
علقمة بن عبدة
وقال علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد بن ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وقرأتها على ابن الخشاب: البسيط
هلْ ما علمتَ وما استودعتَ مكتومُ ... أم حبلها إذْ نأتكَ اليومَ مصرومُ
أمْ هلْ كبيرٌ بكى لم يقضِ عبرتهُ ... إثرَ الأحبةِ يومَ البينِ مشكومُ
لمْ أدرِ بالبينِ حتى أزمعُوا ظعنًا ... كلُّ الجمالِ قبيلَ الصبحِ مزمومُ
ردَّ الإماءُ جمالَ الحيِّ فاحتملُوا ... فكلُّها بالتزيدياتِ معكومُ
عقلًا ورقمًا تظلُّ الطيرُ تخطفهُ ... كأنهُ من دمِ الأجْوافِ مدمومُ
يحملنَ أترجةً نضخُ العبيرِ بها ... كأنَّ تطيابهَا في الأنفِ مشمومُ
كأنَّ فارةَ مسكٍ في مفارقِها ... للناشِطِ المتعاطِي وهوَ مزكومُ
فالعينُ منِّي كأنْ غربٌ تحطُّ بهِ ... دهماءُ حاركُها بالقِتْبِ مخزومُ
تسقِي مذانب قدْ طارتْ عصيفتُها ... حدورها منْ أتيِّ الماءِ مطمومُ
صفرُ الوشَاحين ملءُ الدرعِ بهكنةٌ ... كأنَّها رشاءٌ في البيتِ ملزومُ
هل تلحقني بأخرى الحيِّ إذْ شحطوا ... جلذيةٌ كأتَانِ الضَّحل علكومُ
قد عُرِّيتْ زمنًا حتى استقلَّ لها ... كترٌ كحافةِ كير القينِ ملمومُ
بمثلها تقطعُ الموماةُ عن عرضٍ ... إذا تبغمَ في ظلمائِها البومُ
تلاحظ السوطَ شزرًا وهي ضامزَةٌ ... كما توجَّس طاوي الكشحِ موشومُ
كأنها خاضبٌ زعرٌ قوادمُهُ ... أجنى لهُ باللوى شريٌ وتنومُ
يظلُّ في الحنظلِ الخُطبان ينقُفُهُ ... وما استطفَّ من التنومِ مخذومُ
فوهُ كشقِّ العصا لأيًا تبينهُ ... أسكُّ ما يسمعُ الأصواتَ مصلومُ
فلا تزيدُهُ في شدِّه نفقٌ ... ولا الزفيفُ دوينَ الشدِّ مسؤومُ
وضاعةٌ لعصيِّ الشرعِ جؤجؤهُ ... كأنهُ بتناهي الروضُ علجومُ
يأوي إلى حسكلٍ حمرٍ حواصلهُ ... كأنهنَّ إذا بركنَ جرثومُ
فطافَ طوفين بالأدحيِّ يقفرهُ ... كأنهُ حاذرٌ للنخْسِ مشهومُ
يوحِي إليه بأنقاضٍ ونقنقةٍ ... كما تراطنُ في أفدانها الرومُ
صعلٌ كأنَّ جناحيْهِ وجؤجؤهُ ... بيتٌ أطافتْ به خرقاءَ مهجومُ
بلْ كلُّ قومٍ وإن عزُّوا وإنْ كثروا ... عريشهمْ بأثافي الشرِّ مرجومُ
والحمدُ لا يشترى إلاّ له ثمنٌ ... مما يضنُّ به الأقوامُ معلوم
والجودُ نافيةٌ للمالِ يهلِكُهُ ... والبخلُ مبقٍ لأهليهِ ومذمومُ
والمالُ صوفُ قرارٍ يلعبونَ بهِ ... على نقادتهِ وافٍ ومجلُومُ
ومطعمُ الغنمِ يومَ الغنم مطعمهُ ... أنَّى توجَّهَ والمحرومُ محرومُ
ومنْ تعرضَ للغربانِ يزجرُها ... على سلامتهِ لا بُدَّ مشؤومُ
وكلُّ حصنٍ وإنْ طالتْ سلامتُهُ ... على دعائمهِ لا بُدَّ مهدومُ
قد أشهدُ الشربَ فيه مزهرٌ رنمٌ ... والقومُ تصرعُهُم صهباءُ خرطومُ
كأسُ عزيزٍ من الأعنابِ عتقها ... لبعضِ أحيانها حانيةٌ حومُ
عانيةٌ قرقفٌ لمْ تطلعْ سنةً ... يجنهَا مدمجٌ بالطينِ مختومُ
وقد أروحُ إلى الحانوتِ يصحبني ... برزٌ أخو ثقةٍ بالخيرِ موسومُ
1 / 12
كأنَّ إبريقهُمُ ظبيٌ على شرفٍ ... مقدمٌ بسبَا الكتانِ ملثومُ
أبيضُ أبرزهُ بالضحِّ راقبُهُ ... مقلدٌ قضبَ الريحانِ مفغومُ
وقد يسرتُ إذا ما الجوعُ كلفَهُ ... معقبٌ من قداحِ النبعِ مقرومُ
لو تيسرونَ بخيلٍ قد يسرتُ بها ... وكلُّ ما تيسرُ الأقوامُ مغرومُ
وقد أصاحبُ أقوامًا طعامُهُمُ ... خضرُ المزادِ ولحمٌ فيه تنشيمُ
وقدْ علوتُ قتودَ الرحلِ يسفعني ... يومٌ تجيءُ به الجوزاءُ مسمومُ
حامٍ كأنَّ أوارَ النارِ شائلةٌ ... دونَ الثيابِ ورأسُ المرءِ معمومُ
وقدْ أقودُ أمَامَ الحيِّ سلْهَبَةً ... ينمي بها نسبٌ في الحي معلومُ
لا في شظاها ولا أرساغِها عنتٌ ... ولا السنابكُ أفناهنَّ تقليمُ
سلاءةٌ كعصَى النهدِي غلَّ لها ... ذو فيئةٍ منْ نوى قرَّانَ معجومُ
تنبعُ جونًا إذا ما هيجتْ زحلتْ ... كأنَّ دفًَا على العلياءِ مهزومُ
إذا تزغمَ في حافاتِها رُبَعٌ ... حنتْ شغاميمُ في أطرافها كومُ
يهدي بها أكلفُ الخدين مختبرٌ ... من الجمالِ عظيمُ الدَّأْي عيثُومُ
وقال أيضًا: الطويل
طحا بكَ قلبٌ في الحسانِ طروبُ ... بعيدَ الشبابِ عصرَ حَانَ مشيبُ
يكلفني ليلى وقدْ شطَّ ولْيُهَا ... وعادتْ عوادٍ بيننا وخطوبُ
مناعمةٌ لا يُستطاعُ كلامُها ... على بابِها من أن تزَارَ رقيبُ
وما أنتَ أمْ ما ذكرهَا ربعيةً ... يخطُّ لها من ثرْمداءَ قليبُ
إذا غَابَ عنهَا البعلُ لم تُفْشِ سرَّهُ ... وترضِي إيابَ البعلِ حينَ يؤوبُ
فلا تعذلِي بيني وبينَ مغمرٍ ... سقاك روايا المُزْنِ حينَ تصوبُ
سَقاكِ يمانٍ ذو حبيِّ وعارِضٍ ... تروحُ به جنحَ العشيِّ جنوبُ
فإنْ تسألوني بالنِّساءِ فإنني ... خبيرٌ بأدواءِ النساءِ طبيبُ
يردنَ ثراءَ المالِ حيثُ وجدنهُ ... وشرخُ الشبابَ عندهنَّ عجيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مَالهُ ... فليسَ لهُ في ودِّهِنَّ نصيبُ
إلى الحارثِ الوهابِ أعملتُ ناقلتي ... لكلكلها والقصريين وجيبُ
تتبَّعُ أفياءَ الظّلالِ عشيَّةً ... على طرقٍ كأنهنَّ سُبُوبُ
بِهَا جيفُ الحسرَى فأمَّا عِظَامُهَا ... فبيضٌ وأمَّا جلدُهَا فصليبُ
هداني إليكَ الفرقدانِ ولا حبٌ ... لهُ فوقَ أسواءِ المتانِ علوبُ
وناجيةٍ أفنَى رَكيبَ ضُلُوعِهَا ... وحارِكِهَا تهجُّرُ ودُؤُوبُ
فأَوردتُهَا ماءً كأَنَّ جمامَهُ ... منَ الأجْنِ حناءٌ معًا وصبيبُ
ترادُ على دمنِ الحياضِ فإنْ تعفْ ... فأنَّ المندَّى رِحْلَةٌ فركوبُ
وتصبحُ عنْ غِبِّ السُّرَى وكأنَّها ... مولعةٌ تخشَى القنيصَ شبوبُ
تعفقُ بالأرطَى لها وأرَادها ... رجالٌ فبذَّتْ نبلَهُم وكليبُ
لتبلغَنِي دارَ امرئٍ كانَ نائيًا ... فقدْ قربتني من نداكَ قروبُ
فأضحى امرأً أفضتْ إليهِ أمانتي ... وقبلك ربتني فضعتُ رُبُوبُ
وواللهِ لولا فارسُ الجونِ منهمُ ... لآبوا خزايا والإيابُ حبيبُ
تقدمهُ حتى تغيبَ حجولهُ ... وأنتَ لبيضِ الدَّارِعين ضروبُ
مظاهرُ سربالي حديدٍ عليهمَا ... عقيلًا سيوفٍ مخذمٌ ورسوبُ
تجادلهمْ حتى اتقوْكَ بخيرهم ... وقد حانَ من شمسِ النهارِ غروبُ
وقاتلَ من غسانَ أهلُ حِفاظِهَا ... وهنبٌ وقاسٌ ماصعتْ وشبيبُ
تخشخشُ أبدانُ الحديدِ عليهمِ ... كما خشخشتْ يبسَ الحصادِ جنوبُ
كأنَّ رجالَ الأوسِ تحتَ لبانهِ ... وما جمعتْ جلٌّ معًا وعتيبُ
رغَا فوقهم سَقبُ السماءِ فدَاحِصٌ ... بشكتهِ لم يستلبْ وسليبُ
كأنهمُ ضافَتْ عليهمْ سحابةٌ ... صواعقُهَا لطيرهِنَّ دَبيْبُ
فلمْ تبقَ إلاّ شطبةٌ بلجامِهَا ... وإلا طمِرٌّ كالقناةِ نجيبُ
وإلاّ كميٌّ ذو حفاظٍ كأنهُ ... بما ابتلَّ منْ حدِّ الظُّباةِ خضيبُ
وفي كلِّ حيٍّ قدْ خبَطت بنعمةٍ ... وحقَّ لشأسٍ مِنْ نداكَ ذنوبُ
فلا تحرمني نائلًا عنْ جنابةٍ ... فإني امرؤٌ وسطَ القباب غريبُ
1 / 13
وقال: الطويل
ذهبتَ من الهجرانِ في غيرِ مذهبِ ... ولمْ يكُ حقًا طولُ هذا التجنبِ
وما القلبُ أمَّا ذكرهُ ربعيةً ... تحلُّ بأيرٍ أو بأكنافِ شربَبِ
لياليَ لا تبلَى نصيحَةُ بيننا ... وإذْ أهلنُا بينَ الستَارِ فغربِ
مبتلةٌ كأنَّ أنضاءَ حليهَا ... على شادنٍ منْ صاحةٍ مترببِ
وشذرٌ كأجوازِ الجرادِ ولؤلؤٌ ... من القلقيِّ والكبيسِ الملوَّبِ
إذا ألحمَ الواشونَ للشرِّ بيننا ... تبلغَ رسُّ الحبِّ غيرُ المكذبِ
أطعتُ المُشاةَ والوشَاةَ بصرمِهَا ... فقدْ وهنَت أسبَابهَا للتقضُّبِ
ألا ليتَ شعري كيفَ حادثُ وصلِهَا ... وكيفَ تظنُّ بالإخاءِ المغببِ
وقد وعدتك موعدًا لو وفت بهِ ... كموعودِ عرقوبٍ أخاهُ بيثربِ
فعشنا بهِ منَ الشبابِ ملاوةً ... فأنجحَ أقوالَ العدو المجَببِ
فقلتُ لهَا: فيئي فما يستفزني ... ذواتُ العيونِ والبنانِ المخضَّبِ
ففَاءتْ كما فاءتْ من الأُدمِ مغزِلٌ ... ببيشةَ ترعى في أرَاكٍ وحلبِ
وداويةٍ لا يُهتدَى لسبيلها ... بعرفانِ أعلامِ ولا ضوءِ كوكَبِ
تجاوزتُهَا والبومُ يدعُوَ بها الصَّدَى ... وقد ألبستْ أطرافُها ثني غيْهَبِ
بمجفرةِ الجنبينِ حرفٌ شملةٍ ... كهملكَ مرقالٍ على الأينِ ذِعلبِ
إذا ما ضربتُ الدَّفَّ أوصلتُ صولةً ... تحاذرُ مني غير أدنى ترقبِ
بعينٍ كمرآةِ الصناعِ تديرهُا ... بمحجرهَا تحتَ النصيفِ المنقبِ
كأنَّ بحاذَيهَا إذا ما تشذَّرَتْ ... عَثاكِلَ عذْقٍ من سُمَيْحةَ مرطبِ
تذبُّ بهِ طورًا وطورًا تمرُّهُ ... كذبِّ البشير بالرداءِ المهدبِ
ومرقبةٍ لا يرفعُ الصوت عندها ... مجرُّ جيوشٍ غانمين وخيبِ
هبطتُ على أهوالِ أرضٍ أخافها ... بجانبِ منفوج الشراسيفِ شرجبِ
ممرٍّ كخذرُوفِ الوليدِ يزينهُ ... مع العتقِ خلقٌ مفعمٌ غيرُ جأنبِ
قطاةٌ ككِردَوسِ المحالة أشرفَتْ ... على حاركٍ مثل الغبيطِ المُذأْبِ
وجوفٌ هواءٌ تحتَ مَتنٍ كأنَّهُ ... منَ الهضبةِ الخلقاءِ زحلُوقُ ملْعبِ
وغلبٌ كأعناقِ الظباءِ مضيغُهَا ... صلابُ الشظا يعلو بها كلَّ مركبِ
ظماءٌ يفلقنَ الظرابَ كأنها ... حجارةُ غَيلٍ وارِستٌ بطحلبِ
بغوجٍ لبانُهُ يتمُّ بريمهُ ... على نفثِ راقٍ من نفَا العينِ محلبِ
إذا أرمَلُوا زادًا فإنَّ عنانهُ ... وأكرعَهُ مستعملًا خيرُ مكسبِ
أخو ثقةٍ لا يعلنُ القومُ شخصهُ ... صبورٌ على العلاتِ غيرُ مسببِ
صبحنَا بهِ وحشًا رتاعًا كأنها ... عذارَى بني لحيان لمَّا تحطبِ
فأتبع آثارَ الشياهِ بصادقٍ ... حثيثٍ كغيثِ الرائحِ المتحلبِ
فيخرجن منْ تحتِ الغبارِ دوافقًا ... ويلحقُ في جونٍ ذراهُ عصبصبِ
وراحَ يباري في الجنابِ قلوصَنَا ... عزيزًا علينا كالحبابِ المسيبِ
فظلَّ بناتُ الرُّملِ فينا عوانيًا ... محملةً من بينِ عدلٍ ومحقبِ
عظيمٌ طويلٌ مستميلٌ كأنهُ ... بأسفلِ ذي ماوَان سرحةُ مرقبِ
لهُ عنقٌ عردٌ كأنَّ عنانَهُ ... يعالَى بهِ في رأسِ جذعٍ مشذبِ
ظللنَا نراعي الوحش بين ثعالةٍ ... وبين رحياتٍ إلى فجِّ أخرَبِ
فيومًا على بقعٍ خفافٍ رؤوسها ... ويومًا على سُفعِ المدامعِ ربرَبِ
ويومًا على صلْتِ الجبينِ مُسحَّجٍ ... ويومًا على بيدانَةٍ أمّ تولبِ
وفئنا إلى بيتٍ بعلياء مروحٍ ... سماوتهُ من أتحميٍّ معصبٍ
فظلَّ لنا يومٌ لذيذٌ بنعمةٍ ... فقلْ في مقيلٍ سعدُهُ لم يغيبِ
إلى أن تروحنَا بلا متعنتٍ ... عليه كسيدِ الردهةِ المتأوبِ
حبيبٌ إلى الأصحابِ غير ملعَّنٍ ... يفدونهُ بالأمهاتِ وبالأبِ
توبة بن الحمير
وقال توبة بن الحمير بن حزن بن خفاجة بن عمرو بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور: الطويل
نأَتكَ بليْلَى دارُها لا تزورهَا ... وشطتْ نواهَا واستمرَّ مريرُها
1 / 14
وخفتْ نواهَا منْ جنوبِ عَفيرةٍ ... كما خفَّ ممن نيلِ المرامي حفيرها
يقولُ رجالٌ لا يضيركَ نأيها ... بلى كلُّ ما شفَّ النفوسَ يضيرُهَا
أليسَ يضيرُ العَينَ أن تكثرَ البُكا ... ويمنعُ منها نومُهَا وسروروها
لكلِّ لقاءٍ نلتقيه بشاشةٌ ... وإن كانَ حولًا كل يومٍ نزروُها
خليليَّ روحا راشدينَ فقدْ أتتْ ... ضيريةُ من دونِ الحبيبِ ونيرهَا
يقرُّ بعيني أنْ أرَى العيسَ تعتلِي ... بنا نحو ليلى وهي تجرِي ضفورُها
وما لحقتْ حتى تقلقل غرضها ... وسامحَ من بعدِ المراحِ عسيرُهَا
وأشرِفُ بالأرضِ اليفاعِ لعلني ... أرى نارَ ليلى أو يراني بصيرها
فناديتُ ليلى والحمولُ كأنها ... مواقيرُ نخلٍ زعزعتها دبورها
فقالتْ أرى أنْ لا تفيدكَ صحبتِي ... لهيبةِ أعداءٍ تلظى صدورها
فمدَّتْ ليّ الأسبابَ حتى بلغتهَا ... برفقي وقدْ كادَ ارتقائي يصورُها
فلمَّا دخلتُ الخدرَ أطلتْ نسوعُهُ ... وأطرافُ عيدانٍ شديدٍ أسورُهَا
فأرختْ لنضاخِ القفا ذي منصةٍ ... وذي سيرةٍ قدْ كانَ قدمًا يسيرها
وإني ليشفيني من الشوقِ أنْ أُرى ... على الشرفِ النائي المخوفِ أزورُهَا
وأنْ أتركَ العنسَ الحسيرَ بأرضِهَا ... يطيفُ بها عقبانُهَا ونسورُهَا
حمامةَ بطنٍ الواديينِ ترنمي ... سقاكِ من الغرِّ الغوادي مطيرها
أبينِي لنا لا زالَ ريشُكِ ناعمًا ... ولا زلتِ في خضراءَ دانٍ بربرُهَا
وقدْ تذهبُ الحاجاتُ يسترها الفتى ... فتخفي وتهوى النفسُ ما لا يضيرُها
وكنتُ إذا ما زرتُ ليلى تبرقعتْ ... فقد رابني منها الغداةَ سفورهَا
وقد رابني منها صدودٌ رأيتهُ ... وإعراضُها عن حاجتي وبسورُهَا
أرتكَ حياضَ الموتِ ليلى ورَاقنا ... عيونٌ نقياتُ الحواشي تديرُها
ألا يا صفيَّ النفسِ كيفَ بقولها ... لوَ أنَّ طريدًا خائفًا يستجيرهَا
تجيرُ وإنْ شطتْ بها عزبةُ النوَى ... ستنعمُ ليلى أو يفادَى أسيرُها
وقالتْ أراكَ اليومَ أَسوَدَ شاحبًا ... وأنِّي بياضُ الوجهِ حرَّ حرورُها
وغيرني إنْ كنتِ لما تغيري ... هواجرُ تكتنينها وأسيرُها
إذا كانَ يومٌ ذو سمومٍ أسيرُهُ ... وتقصرُ من دونِ السمومِ ستورها
وقدْ زعمتْ ليلى بأنيَ فاجرٌ ... لنفسي تُقاها أم عليها فجورُها
فقلْ لعقيلٍ ما حديثُ عصابةٍ ... تكنفَها الأعداءُ ناءٍ نصيرُها
فإلًا تناهوا يركبِ اللهُ نحوها ... وحفتْ برجلٍ أو جناحٍ يطيرُها
لعلكَ يا تيسًا نزا في مريرةٍ ... معذبُ ليلى أن ترانِي أزورُها
وأَدماءَ منْ سرِّ الهجان كأنَّها ... مهاةُ صوارٍ غيرَ ما مسَّ كورُها
من الناعباتِ المشِي نعبًا كأنما ... يناطُ بجذعٍ من أوالٍ جريرُها
من العَركنانيَّاتِ حرفٍ كأنها ... مريرةُ ليفٍ شدَّ شزرًا مغيرُها
قطعتُ بها موماةَ أرضٍ مخوفةٍ ... مخوفٍ ردَاهَا حين يستنُّ مورُهَا
ترى ضعفَاءَ القومِ فيها كأنهمْ ... دعاميصُ ماءٍ نشَّ عنها غديرُها
وقسورةِ الليل التي بينَ نصفِهِ ... وبينَ العِشاءِ قد دأَبتُ أسيرُها
أبتْ كثرةُ الأعداءِ أن يتجنبُوا ... كلابي حتى يستثارَ عقورُها
وما يشتكى جهلي ولكنَّ غرتي ... تراها بأعدائِي لبيثًا طورُهَا
أمخترمِي ريبَ المنونِ ولمْ أزُرْ ... جوارِيَ منْ همدانَ بيضًا نحورَها
تنوءُ بأعجَازٍ ثقالٍ وأسوق ... خدالٍ وأقدامٍ لطافٍ خصورُها
وقال توبة أيضًا: الطويل
ألا هلْ فؤادِي من صبا اليومَ صافحُ ... وهل ما وَأتْ ليلى بهِ لكَ ناجِحُ
وهلْ في غَدٍ إنْ كانَ في اليومِ علةٌ ... سراحٌ لما تلوِي النفوسُ الشَحائِحُ
ولو أنَّ ليلى الأخيلية سلمتْ ... عليَّ ودوني جندلٌ وصفائحُ
لسلمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زقا ... إليها صدًا من جانبِ القبرِ صائحُ
ولوْ أنَّ ليلَى في السماءِ لأصعدَتْ ... بطرفي إلى ليلى العيونَ الكواشحُ
1 / 15
ولو أرسلَتْ وحيًا إليَّ عرفتهُ ... مع الريحِ في موارِهَا المتناوِحُ
آأغبطُ من ليلى بما لا أنالُهُ ... ألا كُلّ ما قرتْ به العين صالحُ
سقتني بشربِ المستصافِ فصردتْ ... كما صردَ اللوحَ النطافُ الضحاضحُ
فهلْ تبكينْ ليلى إذ متُّ قبلها ... وقامَ على قبرِي النساءُ النوائحُ
كما لو أصابَ الموتَ ليلى بكيتُها ... وجادَ لها جارٍ من الدَّمعِ سافحُ
وفتيانِ صدقٍ وصلتُ جناحهمْ ... على ظهرِ مغبرِّ التنوفةِ نازِحُ
بمائرةِ الضبعينِ معقودةِ النسَا ... أمينِ القرافي مجفرٍ غيرِ جانحُ
وما ذُكرتِي ليلى على نَأْي دَارِها ... بنجرانَ إلاَّ الترَّهاتُ الصحاصحُ
وقال توبة: الطويل
رمانِي بليلى الأخيلية قومُها ... بأشياءَ لم تخلقْ ولم أدرِ ما هيا
فليتَ الذي يلقَى ويحزُنُ نفسَهَا ... ويلقونَهُ بيني وبينَ ثيابيَا
فهلْ يبدُرنَّ البابَ قومُكِ أنني ... قد أصبحتُ فيهم قاصيَ الدارِ نائيا
تمسكْ بحبلِ الأخيلية واطرِحْ ... عدَى الناسِ فيها والوشاةَ الأدَانيا
فإنْ تمنعُوا ليلى وحسنَ حديثها ... فلنْ تمنعوا مني البُكا والقوافيا
ولا رَملَ العيسِ النوافخِ في البُرَى ... إذا نحنُ رفعنا لهنَّ المثانيَا
فهلاّ منعتمْ إذ منعتمْ كلامها ... خيالًا يوافينِي على النأي هادَيا
ولو كنتُ مولى حقِّها لمنعتُها ... ولكنَّ من دونِي لليلَى مواليَا
يلومُكَ فيها اللائمونَ فصاحةً ... فليتَ الهوى باللائمينَ مكانيا
لو أنَّ الهوى في حبِّ ليلى أطاعَنِي ... أطعتُ ولكنَّ الهوى قد عصانيا
وكمْ منْ خليلٍ قدْ تجاوزتُ بذلَهُ ... إليكِ وصادٍ لو أتيتُ سقانيا
لعمري لقدْ سهدتنِي يا حمامةَ الْ ... عقيقِ وقدْ أبكيتِ منْ كانَ باكيَا
وكنتُ وقورَ الحلمِ ما يستهشني ... بكاءُ الصدَى لو نحتِ نوحًا مدانيا
ولوْ أنَّ ليلى في بلادٍ بعيدةٍ ... بأقصَى بلادِ الجنِّ والناسِ واديَا
لكانتْ حديثَ الرَّكبِ أو لانتحَى بها ... إذا أعلَنَ الرَّكبُ الحديثَ فؤادِيا
تربعُ ليلى بالمضيحِ فالحمى ... وتقتاظُ من بطنِ العقيقي السواقيا
ذكرتُكِ بالغورِ التهامي فأصعدَتْ ... شجونَ الهوى حتى بلغنَ التراقيا
فما زلتُ أزجي العيسَ حتى كأنما ... ترى بالحصى أخفافَها الجمرَ حاميا
بثمدينَ لاحتْ نارُ ليلى وصحبتي ... بفرعِ الغضا تزجي القلاصَ الحواميا
ليلى الأخيلية
وقالت ليلى الأخيلية وهي ليلى بنت حذيفة بن شداد بن كعب بن معاوية بن عبادة بن عقيل وكعب بن معاوية هو الأخيل: الطويل
طربتُ وما هذا بساعةِ مطربِ ... إلى الحيِّ حلوا بين عاذٍ فجبجبِ
قديمًا فأمستْ دراهم قد تلعبتْ ... بها خرقاتُ الريحِ من كلِّ ملعبِ
وكم قدْ رأى رائيهم ورأيتُهُ ... بها لِي منْ عمٍّ كريمٍ ومنْ أبِ
فوارسُ من آلِ النفاضةِ سادةٌ ... ومن آل كعبٍ سؤددٌ غير معقبِ
وحيِّ حريدٍ قد صبحنا بغارةٍ ... فلم يمسِ بيتٌ منهمُ تحتَ كوكبِ
شننَّا عليهم كلَّ جرداءَ شطْبةٍ ... لجوجٍ تباري كلَّ أجردَ شرجبِ
أجشُّ هزيمٌ في الخبارِ إذا انتحى ... هواديَ عطفيهِ العنانُ مقربِ
لوحشيها من جانبي زفيانها ... خفيفٌ كخذروفِ الوليد المثقبِ
إذا جاشَ بالماءِ الحميمِ سجالها ... نضخنَ به نضخَ المزادِ المسربِ
فذرْ ذا ولكني تمنيتَ راكبًا ... إذا قالَ قولًا صادقًا لم يكذبِ
لهُ ناقةٌ عندِي وساعٌ وكورُها ... كلا مرفقيها عن رحاها بمجنبِ
إذا حركتَها رجلهُ جنحتْ بهِ ... جنوحَ القطاةِ تنتحي كلَّ سبسبِ
جنوحَ قطاةِ الوردِ في عصبِ القطا ... قربنَ مياهَ النهي منْ كلِّ مقربِ
فغادينَ بالأجزاعِ فوقَ صوائقٍ ... ومدفعِ ذاتِ العينِ أعذَبَ مشربِ
فظلنَ نشاوَى بالعيونِ كأنها ... شروبٌ بدتْ عن مرزبانٍ محجبِ
فنالتْ قليلًا شافيًا وتعجلتْ ... لبادٍ لها بين الشباكِ وتنضبِ
1 / 16
تبيتُ بموماةٍ وتصبحُ ثاويًا ... بها في أفاحيصِ الغويِّ المعصبِ
وضمتْ إلى جوفٍ جناحًا وجؤجؤًا ... وناطتْ قليلًا في سقاءٍ محببِ
إذا فترتْ ضربَ الجناحينِ عاقبتْ ... على شزنيها منكبًا بعد منكبِ
فلمَّا أحسَّا جرسَها وتضوَّرا ... وأوبتَها من ذلك المتأوبِ
تدلتْ إلى حُصِّ الرؤوسِ كانها ... كراتُ غلامٍ من كساءٍ مرنبِ
فلما انجلتْ عنها الدُّجى وسقتهما ... ضبيبَ سقاءٍ نيطَ لما يخربِ
غدتْ كنواةِ القسبِ عنها وأصبحتْ ... تراطنُها ذريَّةٌ لم تعربِ
ولي في المُنى ألا يعرجَ راكبي ... ويحبسَ عنها كلَّ شيءٍ متربِ
ويفرجُ بوابٌ لها عن مناخها ... بإقليدهِ بابَ الرتاجِ المضببِ
إذا ما أنيختء بابنِ مروان ناقتي ... فليسَ عليها للهبانيقِ مركبِ
أدلتْ بقربي عندهُ وقضى لها ... قضاءً فلم ينقض ولم يتعقبِ
فإنكَ بعد اللهِ أنتَ أميرُها ... وقنعانها في كلِّ خوفٍ ومرغبِ
فتقضي فلولا أنهُ كلُّ ريبةٍ ... وكلُّ قليلٍ من وعيدِكِ مرهبي
إذا ما ابتغى العادي الظلومُ ظلامةً ... لديَّ وما استجلبتَ للمتجلبِ
تبادرُ أبناءَ الوشاةِ وتبتغي ... لها طلباتِ الحقِّ من كلِّ مطلبِ
إذا أدلجتْ حتى ترى الصبحَ واصلَتْ ... أديمَ نهارِ الشمسِ ما لم تغيبِ
فلمَّا رأتْ دارَ الأميرِ تحاوصتْ ... وصوتَ المنادي بالأذانِ المثوبِ
وترجيعُ أصواتِ الخصومِ يردَّها ... سقوفُ بيوتٍ في طمارٍ مبوبِ
يظلُّ لأعلاها دويٍّ كأنهُ ... ترنمُ قارِي بيتِ نحلٍ مجوبِ
وقالت ليلى ترثي توبة بن الحمير الخفاجي: الطويل
نظرتُ ودوني من عماية منكبٌ ... وبطنِ الركاءِ أيَّ نظرةَ ناظرِ
لأونسَ إنْ لمْ يقصرِ الطرفُ دونهم ... فلم تقصرِ الأخبارُ والطرفُ قاصري
فوارسَ أجلَى شأوها عن عقيرةٍ ... لعاقرها فيها عقيرةُ عاقرِ
فآنستُ خيلًا بالرواقِ مغيرةً ... أوائلهُا مثلُ القَطا المتواترِ
قتيلَ بني عوفٍ فواتر تالهُ ... قتيلَ بني عوفٍ قتيلَ يحابرِ
تواردهُ أسيافهمْ فكأنما ... تصادرنَ عن حامي الحديدةِ باتر
من الهندوانياتِ في كلِّ قطعةٍ ... دمٌ ذلَّ عن إثْرٍ من السيفِ ظاهرِ
أتتهُ المنايا بين زغفٍ حصينةٍ ... وأسمرَ خطيٍّ وجرداءَ ضامرِ
على كلِّ جرداءِ السراةِ وسابحٍ ... درأتَ بشباكِ الحديد زوافِرِ
عوابسَ تعدو الثعلبيةَ ضمرًا ... فهنَّ شواحٍ بالشكيمِ الشواجرِ
فلا يبعدنكَ الله يا توبَ إنمَا ... لقاءَ المنايا دارعًا مثل حاسرِ
فإنْ تكنِ القتْلَى بواءً فإنكمْ ... ستلقونَ يومًا وردهُ غيرُ مادرِ
وإنَّ السليلَ إنْ أبأتُ قتيلكم ... كمرحوضةٍ عن عركها غيرَ طاهرِ
وإن تكنِ القتلى بواءً فإنكمْ ... فتًى ما قتلتم آل عوفِ بنِ عامرِ
فتى لا تخطاهُ الرفاقُ ولا يرى ... لقدرٍ عيالًا دونَ جارٍ مجاورِ
ولا تأخذُ الإبلُ الزهارَى رماحها ... لتوبةَ عن صرفِ السرَى في الصنابِرِ
إذا ما رأتهُ قائمًا بسلاحهِ ... تقتهُ الخفافُ بالثقالِ البهازرِ
إذا لم تجرْ منها برسلٍ فقصرهُ ... ذُرى المرهفاتِ والقِلاصِ التواجرِ
قرَى سيفهُ منها مشاشًا وضيفهُ ... سنامَ المهاريسِ السباطِ المشافرِ
وتوبةُ أحيى من فتاةٍ حييةٍ ... وأجرأ من ليثٍ بخفانَ خادرِ
ونعمَ الفتى إنْ كانَ توبةُ فاجرًا ... وفوق الفتى إنْ كانَ ليسَ بفاجرِ
فتىً ينهلُ الحاجاتِ ثمَّ يعلُّها ... فتطلعهُ عنها ثنايا المصادرِ
كأنَّ فتىَ الفتيانِ توبةُ لم ينخْ ... قلائصَ يفحصنَ الحصا بالكراكرِ
ولم يثنِ أبرادًا عتاقًا لفتيةٍ ... كرامٍ ورحلٍ قيلٍ في الهواجرِ
ولم يتخلَّ الضيفُ عنهُ وبطنهُ ... خميصٌ كطيِّ السبتِ ليس بحادرِ
فتًى كانَ للمولَى سناءً ورفعةً ... وللطارقِ السارِي قرى غير قاترِ
ولم يدعَ يومًا للحفاظِ وللندَى ... وللحربِ يُذكي نارَها بالشراشرِ
1 / 17
وللبازلِ الكوماءِ يرغو حوارُها ... وللخيلِ تعدو بالكماةِ المساعرِ
كأنك لم تقطعْ فلاةً ولم تنخْ ... قلاصًا لدى وادٍ من الأرضِ غائرِ
جنوحًا بموماةٍ كأنَّ صريفها ... صريفُ خطاطيفِ الصرا في المحاورِ
طوتْ نفعَها عنا كلابٌ وآسدتْ ... بنا أجهليها بينَ غاوٍ وساعرِ
وقد كانَ حقًا أنْ تقولَ سراتهمُ ... لعًا لأخينا عاليًا غيرَ عائرِ
وداويةٍ قفرٍ تحارُ بها القطا ... تخطيتها بالناعجاتِ الضوامر
فتاللهِ تبني بيتها أمُّ عامرٍ ... على مثلهِ أخرى الليالي الغوابرِ
فليس شهابُ الحربِ ياتوبُ بعدها ... بغازٍ ولا غادٍ بركبِ مسافرِ
وقدْ كانَ طلاعَ النجادِ وبينَ الل ... سان ومجذَامَ السرَى غيرَ فاترِ
وكنتَ إذا مولاك خافَ ظلامةً ... دعاكَ ولم يهتفْ سواكَ بناصرِ
فإنْ يكُ عبدُ الله آسى ابنَ أمهِ ... وآبَ بأسلابِ الكميِّ المغاورِ
وكانَ كذاتِ البوِّ يضربُ عندهُ ... سباعًا وقد ألقينهُ في الجراجرِ
فإنَّك قد فارقتهُ لكَ عاذرًا ... وأنَّى وأنَّى عذرُ منْ في المقابرِ
فأقسمتُ أبكي بعدَ توبةَ هالكًا ... وأحفلُ منْ نالتْ صروفُ المقادرِ
على مثل همامٍ ولابنِ مطرفٍ ... تبكي البواكي أو لبشرِ بن عامرِ
غلامانِ كانَ استوردا كلَّ سورةٍ ... من المجدِ ثم استوثقا في المصادرِ
ربيعي حيًا كانَأ يفيضُ نداهُما ... على كلِّ مغمورٍ نداهُ وغامرِ
كأنَّ سنا ناديهمَا كلَّ شتوةٍ ... سنَا البرقِ يبدو للعيونِ النواظِرِ
وقالت ترثيه أيضًا وكان الأصمعي يتعجب منها: الطويل
يا عينُ بكي توبةَ بن الحميرِ ... بسحٍّ كفيضِ الجدولِ المتفجرِ
لتبكِ عليهِ من خفاجةَ نسوةٌ ... بماءٍ شؤونِ العبرَةِ المُتحدرِ
سمعْنَ بهيجا أضلعَتْ فذكرنهُ ... وما يبعثُ الأحزانَ مثلُ التذكرِ
كأنَّ فتى الفتيانِ توبةَ لمْ يسرْ ... بنجدٍ ولم يطلعْ مع المتغورِ
ولم يردِ الماءَ السدامَ إذا بدا ... سنا الصُّبحِ في نادي الحواشي منورِ
ولمْ يعلُ بالجردِ الجيادِ يقودُها ... أسرةَ بينَ الأشمساتِ فأنسرُ
ولم يغلبِ الخصمَ الضجاجَ ويملأ ال ... جِفانَ سديفًا يومَ نكباءَ صرصرِ
وصحراءَ موماةٍ يحارُ بها القطا ... قطعتَ على هولِ الجنانِ بمنسرِ
يقودونَ قبًا كالسرَاحين لاحَهَا ... سراهُمْ وسيرُ الرَّاكبِ المتهجرِ
فلما بدتْ أولى العدوِّ سقيتهَا ... صبابةَ مثلوبِ المزادِ المقيرِ
ولمَّأ أهابُوا بالنهابِ حويتهم ... بخاظي البضيعِ كرهُ غيرُ أعْسَرِ
ممرٍّ ككرِّ الأندَريِّ مُثابرٍ ... إذا ما وَنَينَ محصفَ الشدِّ محضرِ
وألوتْ بأعناقٍ طوالٍ وراعها ... صلاصلُ بيضٍ سابغٍ وسنورِ
ألم تر أن العبدَ يقتلُ ربهُ ... فيظهرَ جدَّ العبدِ من غيرِ مظهرِ
قتلتمْ فتًى لا يُسقِطِ الروعُ رُمحهُ ... إذا الخيلُ جالتْ في القَنَا المتكسِّرِ
فيا توبَ للهيجا ويا توبَ للنَّدَى ... ويا توبَ للمستنبحِ المتنورِ
ويا رُبَّ مكروبٍ أجبتَ ونائلٍ ... بذلتَ ومعروفٍ لديكَ ومنكرِ
عبد الله بن الحمير
وقال عبد الله بن الحمير يعتذر إلى بني عقيل في أخيه توبة: الوافر
تأوبني بعارمةَ الهمومُ ... كما يعتادُ ذا الدينِ الغريمُ
كأنَّ الهمَّ ليس يريدُ غيرِي ... وأنْ أمسَى لهُ نَبَطٌ ورومُ
علامَ تقولُ عاذلتي بلومٍ ... يؤرقني وما انجابَ الصريمُ
فقلتُ لها رويدًا كي تجلَّى ... غواشِي النومِ والليلُ البهيمُ
ألمَّا تعلمي أنِّي قديمًا ... إذا ما شئتُ أعصي منْ يلومُ
وأنَّ المَرءَ ما يدري إذا مَا ... يهمُّ علامَ تحملهُ الهمومُ
وقد تُعدِي على الحاجاتٍ حرفٌ ... كركنِ الرعنِ ذعلبةٌ عقيمُ
مداخلة الفقارةِ ذاتِ لوثٍ ... على الحزَّانِ ملحمةٌ غشومُ
كأنَّ الرحلَ منها فوقَ جأبٍ ... بذاتِ الحاذِ معقلُهُ الصريمُ
طباهُ برجلةِ البقارِ برقٌ ... فباتَ الليلَ منتصبًا يشيمُ
1 / 18
فبينا ذاك إذ هطلتْ عليهِ ... دلوحُ المزنِ واهيةٌ هزيمُ
تهبُّ لهُ الشمالُ فيمتريها ... وتعقبهُ لنافحةٍ تسيمُ
يكبُّ إذا الرذاذُ جرى عليهِ ... كما يُصغِي إلى الأسِي الأميمُ
إذا ما قالَ أقشَعَ جانباهُ ... فشتْ من كلِّ ناحيةٍ غيومُ
فأشعرَ ليلهُ أرقًا وقرًا ... يسهدُهُ كما أرِقَ السليمُ
ألا من يشتري رجلًا برجلٍ ... تخونهَا السلاحُ فما تريمُ
يلومكَ في القتالِ بنو عقيلٍ ... وكيفَ قتالُ أعرجَ ما يقومُ
ولو كنتَ القتيلَ وكانَ حيًَّا ... لقاتلَ لا ألفُّ ولا سؤومُ
ولا جثامةٌ ورعٌ هيوبٌ ... ولا ضرعٌ إذا يُمسِي جثومُ
عبد الله بن سلمة
وقال عبد الله بن سليمة بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة بن الدؤل الغامدي بن سعد مناة بن عمرو. وعمرو هو غامد سُميَ غامدًا لأن رجلًا من بني الحارث بن يشكر قال من أغمدَ سيفه فهو آمنٌ فأغمد عمرٌو سيفه فسمي غامدًا، وهي مفضلية والقصيدة التي له بعدها وقرأتها على ابن الخشاب: الوافر
ألا صرمتْ حبائلنا جنوبُ ... ففرعنا ومالَ بها قضيبُ
ولمْ أرَ مثلَ بنتِ أبي وفاءٍ ... غداة براقِ ثجرَ ولا أحوبُ
ولمْ أرَ مثلها بأنيفِ فرعٍ ... عليَّ إذًا مذرعةٌ خضيبُ
ولم أرَ مثلها بوحافِ لُبْنٍ ... يشبُّ قسامَها كرمٌ وطيبُ
على ما أنها هزئتْ وقالتْ ... هنونَ أجنَّ منشأُ ذا قريبُ
فإنْ أكبرْ فإنِّي في لداتي ... وعصرُ جنوبَ مقتبلٌ قشيبُ
وإن أكبرْ فلا بأطيرِ أصْرٍ ... يفارقُ عاتقِي ذكرٌ خشيبُ
وسامِي الناظرين غذيِّ كثرٍ ... ونابتِ ثروةٍ كثروا فهيبوا
نقمتُ الوترَ منهُ فلمْ أعتمْ ... إذا مسحتْ بمغيظةٍ جنوبُ
ولولا ما أجرعهُ عيانًا ... للاحَ بوجههِ مني ندوبُ
فإنْ تشبِ القرونُ فذاكَ عصرٌ ... وعاقبةُ الأصاغِرِ أنْ يشيبُوا
كأنَّ بناتِ مخرٍ رائحاتٍ ... جنوبُ وغصنها الغضُّ الرطيبُ
وناجيةٍ بعثتُ على سبيلٍ ... كأنَّ بياضَ منحرهِ سبوبُ
إذا ونتِ المطيُّ ذكتْ وخودٌ ... مواشكةٌ على البلوى نعوبُ
وأجرد كالهراوةِ صاعدِيٍّ ... يزينُ فقارهُ متنٌ لحيبُ
درأْتُ على أوابدَ ناجياتٍ ... يحفُّ رياضها قضفٌ ولوبُ
فغادرتُ القناةَ كأنَّ فيها ... عبيرًا بلَّهُ منها الكعوبُ
وذي رحمٍ حبوتُ وذي دلالٍ ... من الأصحابِ إذْ خدعَ الصحوبُ
وقال أيضًا مفضلية وقرأتها على ابن الخشاب: الكامل
لمنِ الديارُ بتولعٍ فيبوسِ ... فبياضُ ريطةَ غيرُ ذاتِ أنيسِ
أمْستْ بمستنِّ الرياحِ مفيلةً ... كالوشمِ رجعَ في اليدِ المنكوسِ
وكأنما جرُّ الروامِسِ ذيلَهَا ... في صحنِهَا المعفوِّ ذيلُ عروسِ
فتعدَّ عنها إنْ نأتْ بشملَّةٍ ... حرفٍ كعودِ القوسِ غيرِ ضروسِ
ولقدْ غدوتُ على القنيص بشظيمٍ ... كالجذعِ وسطَ الجنةِ المغرُوسِ
متقاربِ الثفناتِ ضيقٍ زورهُ ... رحبِ اللبانِ شديدِ طيِّ ضريسِ
يعلى عليه مسائحٌ من فضةٍ ... وثرى حبابِ الماءِ غير يبيسِ
فتراهُ كالمشعوفِ أعلى مرقبٍ ... كصفائحٍ من حبلَةٍ وسلُوسِ
في مربلاتٍ روحتْ صفريةٍ ... بنواضحٍ يقطرنَ غيرَ وريسِ
فنزعتهُ وكأنَّ فجَّ لبانهِ ... وسواءَ جبهتهِ مداكُ عروسِ
ولقدْ أصاحبُ صاحبًا ذا مأقةٍ ... بصحابِ مطلعِ الأذى نقريسِ
ولقد أزاحمُ ذا الشذاةِ بمزحمٍ ... صعبِ البداهةِ ذي شذًا وشريسِ
ولقد ألينُ لكلِّ باغي نعمةٍ ... ولقدْ أجازي أهلَ كلِّ حويسِ
ولقدْ أداوي داءَ كلِّ معبدٍ ... بعنيةٍ غلبتْ على النطيسِ
النمر بن تولب
وقال النمر بن تولب بن زهير بن أقيشر بن عبيد بن وائل بن كعب بن الحارث ابن عوف، وعوف هو عكل، وسمي عكلًا بأمه، وقال الأصمعي نشدنيها حماد ابن الأخطل بن ربيعة بن النمر بن تولب: الكامل
صرمتكَ جمرةُ واستبدَّ بدارها ... وعدتْ عوادي الحربِ دونَ مزارها
1 / 19
زبنتكَ أركانُ العدوّ فأصبحت ... أجأٌ وجبةُ من قرارِ ديارِها
وكأنَّها دقرى تخيلُ نبتَها ... أنفٌ يغمُّ الضال نبتُ بحارِها
عزبتْ وباكرها السميُّ بديمةٍ ... وطفاءَ تملأها إلى أصبارِها
وكأنَّ أنماطَ المداين وسطَها ... من نورِ حنوتها ومنْ جرجارِها
ولقد لهوتُ بطفلةٍ مياليةٍ ... بلهاءَ تطلعني على أسرارِها
عبقَ الممسكُ والعبيرُ بجيبها ... وكأنَّ نضخَ دَمٍ على أظفارِها
وكأنَّها عيناءُ أم جؤيذرٍ ... خذلتْ لهُ بالرَّملِ خلفَ صوارها
خرقٍ إذا ما نامَ طافتْ حوله ... طوفَ الكعابِ على جنوب دُوارها
بأغنَّ طفلٍ لا تصاحبُ غيرَه ... فلهُ عُفافةُ درّها وغرارها
هل تذكرينَ جزيتِ أحسنَ صالحٍ ... أيامنا بمليحةٍ فهرَارها
أزمانَ لم تأخذ إليَّ سلاحها ... إبلي بجلتها ولا أبكارها
اعتزها ألبانها ولحومها ... فأهينَ ذاكَ لضيفها ولجارِها
ولرفقةٍ في ليلةٍ مشمولةٍ ... نزلتْ بها فعدتْ على أسارِها
وأضاعَ أقوامٌ فسبتْ أمهمْ ... وأبوهمُ حتى يمتَّ بعارِها
كانوا يسيمون المخاضَ أمامها ... ويغرزون بها على أغبارها
ولقد شهدتُ إذا القداحُ توحدتْ ... وشهدتُ عند الليلِ موقدَ نارِها
عن ذات أوليةٍ أساودُ ربها ... وكأنَّ لونَ الملحِ فوقَ شفارِها
كانتْ عقيلةُ مالهِ فأذلهُ ... عنْ بعضِ قنيتها رجاةُ بكارِها
حتى إذا قسمَ النصيبُ وأصفقتْ ... يدهُ بجلدةِ ضرعِها وحوارِها
ظهرتْ ندامتهُ وهانَ بسخطهِ ... ثنيا على مربوعها وعذارِها
ولقد شهدتُ الخيلَ وهي مغيرةٌ ... وشهدتُها تعدُو على آثارِها
وحويتُ مغنمها أمامَ جيادها ... وكررتُ إذْ طردتْ على أدبارِها
ولقد شفيتُ من الركابِ ومشيها ... وزفيفها نفسي ومنْ أكوارِها
وقال النمر بن تولب: الطويل
تأبدَ منْ أطلالِ جمرةَ مأسلُ ... فقدْ أقفرتْ منها شراءٌ فيذبلُ
فبرقةُ أرمَامٍ فجنبا متالِعٍ ... فوادي المياهِ فالبديُّ فأنجلُ
ومنهَا بأعراضِ المحاضرِ دمنةٌ ... ومنها بوادِ المتلَهمَّةِ منزلُ
أناةٌ عليها لؤلؤٌ وزبرجدٌ ... ونظمٌ كأجوازِ الجرادِ مفصلُ
ترببها الترغيبُ والمخضُ خلفةً ... ومسكٌ وكافورٌ ولبنَى تأكلُ
يشنُّ عليها الزعفرانُ كأنَّهُ ... دمٌ قاربٌ تعلى بهِ ثمَّ يغسلُ
وكمْ دونها من كلِّ طودٍ ومهمةٍ ... وماءٍ لدى أحواضِهِ الذئبُ يعسلُ
سواءٌ عليها الشيخُ لم تَدرِ ما الصِّبا ... إذا ما رأتهُ والألوفُ المقتلُ
ودستْ رسولًا من بعيدٍ بآيةٍ ... بأنْ حيهم واسألهُمُ ما تموَّلوا
فحييتِ عن شحطٍ فخيرٌ حديثنا ... ولا يأمنُ الأيامَ إلا المضللُ
لنا فرسٌ من صالحِ الخيلِ نبتغي ... عليهِ عطاءَ اللهِ واللهُ ينحلُ
يردُّ علينا العيرَ من دونِ إلفهِ ... بقرقرةٍ والنقعُ لا يتزيلُ
وحمرٌ مدماةٌ كأنَّ ظهورَها ... ذرى كثبٍ قدْ بلها الطلُّ من علُ
عليها من الدهناءِ عتقٌ ومورَةٌ ... من الحزنِ كلًا بالمرابعِ تأكلُ
وفي جسمِ راعيها شحوبٌ كأنهُ ... هزالٌ وما مِنْ قلةِ الطعمِ يهزلُ
وقدْ سمنتْ حتى تظاهرَ نيُّها ... وليس عليها بالروادفِ محملُ
إذا وردتْ ماءً وإنْ كانَ صافيًا ... حدتهُ على دلوٍ يعلُّ وينهلُ
فلا الجارةُ الدُّنيا لها تلحينها ... ولا الضيفُ فيها إن أناخَ محولُ
إذا هتكتْ أطنابَ بيتٍ وأهلهُ ... بمعطنهَا لمْ يوردُوا الماء قيلُوا
وما قمعنا فيها الوطابَ وحولنا ... بيوتٌ عليها كلها فوهُ مقبلُ
أرى أمنا أضحتْ علينا كأنما ... تجللها منْ نافضِ الوردِ أفكلُ
رأتْ أُمَّنا وطبًا يجيءُ به امرؤٌ ... منَ الماءِ للبادينَ فهو مزملُ
فقالتْ فلانٌ قدْ أغاثَ عيالهُ ... وأودَى عيالٌ آخرونَ فهزلوا
فلما رأتهُ أمنا هانَ وجدُها ... وقالتْ أبونا هكذا كانَ يفعلُ
ألمْ يكُ ولدانٌ أعانوا ومجلسٌ ... قريبٌ فنخزى إذْ يكفُّ ويحملُ
1 / 20