مثال ذلك أن تأتي إلى "ضَرَبَ" فتبني منه مثل "جَعْفَر" فتقول: "ضَرْبَب"، ومثل "قِمَطْر": "ضِرَبّ"، ومثل "دِرْهَم": "ضِرْبَب"، ومثل "عَلِم": "ضَرِب"، ومثل "ظَرُف": "ضرُب"، أفلا ترى إلى تصريفك الكلمة على وجوه كثيرة. وكذلك الاشتقاق أيضا، ألا ترى أنك تجيء إلى الضرب الذي هو المصدر فتشتق منه الماضي فتقول: "ضَرَبَ"، ثم تشتق منه المضارع فتقول: "يضرب"، ثم تقول في اسم الفاعل: "ضارب"، وعلى هذا ما أشبه هذه الكلمة. أولا ترى إلى قول رؤبة في وصفه١ امرأة بكثرة الصخب والخصومة:
تشتق في الباطل منها المُمْتَذَق
وهذا٢ كقولك: تتصرف في الباطل، أي: تأخذ في ضروبه وأفانينه. فمن ها٣ هنا تقاربا واشتبكا، إلا أن التصريف وسيطة بين النحو واللغة يتجاذبانه، والاشتقاق أقعد في اللغة من التصريف. كما أن التصريف أقرب إلى النحو من الاشتقاق، يدلك على ذلك أنك لا تكاد تجد كتابا في النحو إلا والتصريف في آخره، والاشتقاق إنما يمر بك٤ في كتب النحو، منه ألفاظ مشردة لا يكاد يعقد لها باب. فالتصريف إنما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة، والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة، ألا ترى أنك إذا قلت: "قام بكر، ورأيت بكرا، ومررت ببكر" فإنك إنما خالفت بين حركات حروف٥ الإعراب لاختلاف العامل، ولم تعرض لباقي الكلمة، وإذا كان ذلك كذلك فقد كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف؛ لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة، إلا أن هذا الضرب
_________
١ ظ، ش: صفة.
٢ وهذا: عن ظ، ش، وهو غير واضح في ص.
٣ ها: ساقط من ظ، ش.
٤ بك: ساقط من ظ، ش.
٥ ظ، ش: حرف.
1 / 4